حلب تسقط.. ولكن الصراع لم ينته بعد


كتب الباحث الأميركي-البريطاني (تشارلز ليستر) مقالًا من جزأين بعنوان: حلب تسقط.. ولكن الصراع لم ينته بعد.

فقد أشار الكاتب في مطلع مقاله إلى أنه بسقوط حلب تسعى "المعارضة المسلحة" لإعادة تعريف نفسها.

مبينًا أن سقوط حلب يمثل أهم انتصار لبشار الأسد خلال خمس سنوات ونصف السنة من الحرب؛ إذ إن المنتصر ليس سوريا أو شعبها، وإنما حكومات كل من روسيا وإيران، التي تختلف في أهدافها الاستراتيجية والجيوسياسية، اللتين انتصرتا عبر حملة عنف لا هوادة فيها، وحملة ألاعيب دبلوماسية، في حين كانت الحكومات في الولايات المتحدة وأوروبا على ما يبدو غير مكترثة إلى حد كبير بأعمال العنف العشوائية التي تمت ممارستها على 200 ألف من المدنيين شرقي حلب، حتى مع الأدلة على ارتكاب جرائم حرب، إلا أن تلك الحكومات كانت غير راغبة، أو ببساطة غير قادرة على إيقاف هذه الحملة.

ويقول ليستر إن روسيا بالرغم من استغراقها مدة العام منذ إعلان تدخلها عسكريًّا في الحرب السورية، وبالرغم من كل التهكمات التي تحدثت عن حاملة طائراتها في المتوسط، إلا أنها استطاعت أن تقوِّض مصداقية الولايات المتحدة الأميركية ونفوذها السياسي وقيمها الإنسانية والاقتصادية، حيث انكفأ الحلفاء التقليديون للولايات المتحدة في المنطقة، بما في ذلك قطر، التي استثمرت 11 مليار دولار في "روسنفت" أكبر منتج للنفط في روسيا، غير أن حكومات الولايات المتحدة والغرب اكتفت بالتصريحات المعبرة عن القلق.

ويوضح الباحث دور إيران وازدياد نفوذها في عملية اقتحام حلب؛ حيث يتمتع بأهمية استراتيجية أكبر، ففي حين تركَّز الاهتمام الدولي بشكل كبير على دور روسيا في سوريا، إلا أن إيران والحرس الثوري يملكان التأثير الأكبر على القوات البرية لميليشيا بشار الأسد.

وقدرت دراسة غير منشورة من حلف شمال الأطلسي، أن قوى الجيش السوري لا تزيد عن 20 ألفًا من قوات الانتشار الهجومية في كل أنحاء سوريا، في حين تشير تقديرات روسية داخلية إلى ما يزيد عن 25 ألفًا من القوات المهاجمة بالتنسيق مع الجيش الروسي.

وعلى النقيض من تلك القوة الضئيلة، تتمتع إيران بقوة تأثير كبيرة بما يزيد على 100 ألف رجل شبه عسكري على جبهات سورية، بأكثر من 60 ميليشيا شيعية، التي تقدر أعدادها بـ30 ألف رجل، حيث إن انتصارهم في حلب تمثل بالدعم من إيران.

وألمح الكاتب إلى أنه لدى انشغال إدارة الولايات المتحدة بإتمام الصفقة النووية كانت إيران تحقق المزيد من التقدم والرسوخ لإعادة هيكلة القوة المسيطرة في منطقة الشرق الأوسط، باستيلائها على العراق، وسوريا، ولبنان، وأجزاء من فلسطين، وهذه المرة جنبًا إلى جنب مع روسيا، ذلك الأمر الذي جعل من الضروري بالنسبة للحكومات العربية التكيُّف مع ذلك الواقع في المنطقة، لكنه سيفجر أزمة كبيرة من العنف بدليل حادثة اغتيال السفير الروسي لدى أنقرة، التي لن تكون الحادثة الأخيرة بعد سقوط حلب، على حد وصف الكاتب.

وعن انهيار حلب يتحدث المقال، بأنه وخلافًا للعديد من الادعاءات الأخيرة غير الدقيقة، والمعلومات الخاطئة، أو المضللة عن عمد، بأن مناطق شرقي حلب لم تكن سوى ملاذ لجماعات جهادية، إلا أنها في الواقع كانت قوات الجيش السوري الحر هي من تسيطر عليها كما هو حال معظم أجزاء الريف الشمالي للمحافظة، إذ إن تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى وجود 900 مقاتل، أي ما يُشكِّل نسبة 11% من الوجود العسكري للفصائل المقاومة، أما جهات من الحكومة الفرنسية فتقدر عدد مقاتلي جبهة فتح الشام بما لا يزيد عن 100-200، أي بنسبة لا تتجاوز 1 إلى 2%، وهذه الأعداد تمت الإشارة إليها من قبل مسؤولين ودبلوماسيين واستخباريين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في شهري نوفمبر وديسمبر 2016.

لذا كانت الخسائر في حلب هزيمة خطيرة للمعارضة السورية المعتدلة، وعلى الرغم من أنها حقيقة غير مريحة بالنسبة لأولئك في الحكومة، سواء هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي أو وكالة الاستخبارات المركزية، وتقييمها في أكتوبر، فإن سقوط حلب لصالح لنظام الأسد سيكون إلى حد كبير "تقويضًا لأهداف أميركا في مجال مكافحة الإرهاب في سوريا".

ولكن لم يتم القيام بأي شيء على الإطلاق لوقف ذلك، في حين لم يتم سوى تدريب قليل من الرجال تم فحصهم بعناية من قبل المخابرات الأميركية، حيث قال أحد قياداتهم "هل هذا ما يدعوه أوباما بالعدالة وحقوق الإنسان؟ استخدامنا كأدوات في معركته ضد تنظيم الدولة، في حين تركنا نذبح على جبهة أخرى... هذا أمر مخز، أوباما لا يختلف عن الأسد الآن".

وبين ليستر أنه بعد خسارة حلب، وقد تم توجيه ضربة قوية للمعارضة المسلحة والسياسية المعتدلة في سوريا. فلقد واجهت هزيمة في المدينة المحاصرة، وكانت جماعات الجيش الحر المعتدلة تدفع بشكل كبير في المفاوضات التي تتوسط فيها تركيا مع روسيا، لكي تعطى الحق في الانسحاب إلى الأمان النسبي في الريف الشمالي في حلب، للانضمام والعمل في ظل تركيا لمكافحة تنظيم الدولة، ومكافحة الميليشيا الكردية العملية YPG، فيما يعرف بعملية "درع الفرات".

ثم جاءت إيران وفي اللحظات الأخيرة من صفقة الإخلاء لانطلاق المدنيين في حلب والمقاتلين المعتدلين غربًا إلى إدلب، التي تضم نسبة من "الإسلاميين" إلى حد كبير، حيث إنها سوف تصبح بالتأكيد هدفًا لمزيد من الحصار والقصف في عام 2017.

وفي شأن "التحوط التركي" كتب ليستر أن دور تركيا في الأحداث الأخيرة هو في غاية الأهمية، وبعد أن كان مؤيدًا قويًّا للمعارضة المسلحة منذ عام 2011، تحولت الحكومة التركية في الآونة الأخيرة إلى استراتيجية "التحوط" في سوريا.

وبعد إسقاط الطائرة الروسية في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2015، وزيادة مطردة للتهديد الإرهابي من كل من تنظيم الدولة وحزب العمال الكردستاني الكردي طوال عام 2016، سعى الرئيس التركي أردوغان إلى وضع نفسه بشكل أكثر استدامة كلاعب إقليمي مرن وقوي.

بعد متابعة وتحقيق التقارب مع موسكو، قدم الاتفاق السري الذي منح تركيا الحق في التدخل في الريف الشمالي في حلب، لمكافحة التنظيمين وتوسيع العملية التي تُعرف الآن باسم درع الفرات.

وينبه الكاتب بعنوان: "الصراع لم ينته بعد" إلى أن الحرب لا تنتهي بخسارة معركة، إذ إن فصائل الجيش الحر التي باتت أكثر خبرة، بإمكانها القيام باغتيالات وتكتيكات تضرب النظام وميليشياته في أماكن مختلفة ومتعددة، بتكلفة أقل ومرونة أكبر، مستدلًا بكلام قائد جيش الإسلام، وهو الفصيل النشط في إدلب واللاذقية، عندما قال: "هذه أرضنا، عندما يحين الوقت، سوف نكون مثل أشباح، فإن النظام لن يعرف إلى أين سيتجه للنجاة".

ويضيف ليستر أن هذه الاستراتيجية والتكتيكات هي بالفعل معمول بها في العديد من الضواحي التي تسيطر عليها المعارضة في دمشق، حيث ظروف الحصار وشدته جعلت القتال أصعب، ففي الواقع، وبعد حلب على ما يبدو على الأرجح أن القوات الموالية للنظام سيتحول تركيزها إلى عاصمة البلاد، وخاصة في الغوطة الشرقية.