معارك "تنظيم الدولة" في سوريا والعراق..تمدد وهزيمة وخريطة متغيرة


كانت القوات العراقية وقوات البيشمركة الكردية وصلت بحلول الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي إلى ضواحي مدينة الموصل التي يسيطر عليها مقاتلو تنظيم "الدولة الإسلامية"، غير أن تقدمها تباطأ إثر مواجهتها مقاومة شرسة من نحو 3000 إلى 5000 مقاتل لـ"تنظيم الدولة" يعتقد أنهم يتمترسون في المدينة.

وستعزز استعادة السيطرة على مدينة الموصل موقف الحكومة العراقية، على الرغم من استمرار سيطرة التنظيم على مساحات كبيرة من الأراضي في العراق وسوريا المجاورة.

وأشار تقرير صادر في أكتوبر/ تشرين الأول 2016 من منظمة مراقبة الصراع "آي إتش إس" إلى أن التنظيم فقد نحو 16 في المئة من الأراضي التي سيطر عليها في بداية العام الجاري، كما فقد أكثر من ربع الأراضي التي سيطر عليها في يناير/ كانون الثاني 2015.

وكان "تنظيم الدولة" قد لفت أنظار العالم في يونيو/حزيران 2014 عندما سيطر على مدينة الموصل ثم اتجه جنوباً نحو العاصمة بغداد وطرد الجيش العراقي مهدداً بالقضاء على الأقليات العرقية والدينية العديدة في البلاد.

وكان نحو 10 ملايين نسمة يعيشون في الأراضي التي سيطر عليها التنظيم في ذروة الصراع، وتشير دراسات منظمة مراقبة الصراع إلى أن هذا العدد أقتصر الآن حوالي ستة ملايين نسمة.

واغتنم مسلحو التنظيم الذين خرجوا من عباءة "تنظيم القاعدة" في العراق، في أعقاب غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة في عام 2003، فرصة وجود انقسامات في كل من سوريا والعراق.

وفي عام 2011 انضمت الجماعة إلى جانب المعارضة المناهضة لنظام بشار الأسد بسوريا، حيث وجدت لها ملجأ آمناً وفرصة سهلة للحصول على أسلحة.

كما اغتنمت في ذات الوقت فرصة انسحاب القوات الأمريكية في العراق وانتشار حالة غضب سنيّة من السياسات الطائفية داخل حكومة البلاد التي يقودها الشيعة.

ودفع تقدم التنظيم وسيطرته على مناطق تتبع الأقلية الكردية في العراق وقتل أو أسر آلاف المواطنين من اتباع الديانة الإيزيديه قوات التحالف متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة، إلى شن ضربات جوية استهدفت مواقع تابعة للتنظيم في العراق في أغسطس/آب 2014.

وليس معروفاً حتى الآن العدد الدقيق لضحايا الصراع مع "تنظيم الدولة" . وتقول الأمم المتحدة إن ما يزيد على 25300 مدني قتلوا في أعمال إرهابية وأعمال عنف وصراع مسلح داخل العراق منذ يناير/ كانون الثاني 2014.

وتعجز المنظمة عن متابعة أعداد الضحايا في سوريا نظراً لتعذر الوصول إلى كثير من المناطق، إلى جانب تضارب التقارير الصادرة من أطراف مختلفة عن الحرب الدائرة هناك.

شنت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة ما يزيد على 10400 ضربة جوية ضد أهداف تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق منذ أغسطس/ آب 2014.

وفي سوريا بدأت الحملة الجوية ضد "تنظيم الدولة" بقيادة الولايات المتحدة في سبتمبر/ أيلول 2014، ونفذت قوات التحالف منذ ذلك الوقت ما يقارب نحو 6000 ضربة جوية شاركت فيها استراليا والبحرين وفرنسا والأردن وهولندا والسعودية وتركيا والإمارات وبريطانيا.

ولا تعد روسيا من قوات التحالف، لكن طائراتها بدأت شن ضربات جوية ضد من وصفتهم بأنهم "إرهابيون" في سوريا في سبتمبر/ أيلول 2015.

وعلى الرغم من إعلان تنظيم الدولة الإسلامية الخلافة في نهاية يونيو/ حزيران 2014، أشار التنظيم إلى أن هدفه الانتشار إلى مناطق خارج العراق وسوريا.

وسرعان ما حصل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي على مبايعة بالولاء من مسلحين في ليبيا، وخلال عام سيطرت جماعات موالية للتنظيم على مساحات من الأراضي في خمس دول.

وثمة اعتقاد حالياً أن "تنظيم الدولة" ينشط في 18 دولة في شتى أرجاء العالم، من بينها أفغانستان وباكستان، بحسب أدلة من المركز الوطني الأمريكي لمكافحة الإرهاب.

كما تشير أدلة إلى وجود ما يعرف بـ"فروع متنامية" في مالي ومصر والصومال وبنغلاديش وأندونيسيا والفلبين.

وادعى تنظيم الدولة الإسلامية خلال عام 2016 المسؤولية عن تنفيذ هجمات استهدفت دولاً من بينها تركيا وأندونيسيا وفرنسا وبلجيكا والولايات المتحدة وبنغلاديش.

كما أدى إعلان الخلافة إلى زيادة في تدفق أعداد من المقاتلين الأجانب الذين توافدوا على سوريا والعراق للانضمام لصفوف "تنظيم الدولة".

ويقدر تقرير نشرته مجموعة "سوفان" الاستشارية الأمنية، ومقرها نيويورك، في ديسمبر/ كانون الأول عدد المقاتلين الأجانب بنحو 27 ألفاً من 86 دولة، وأكثر من نصف العدد يأتي من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ما الذي تمت استعادته؟

من بين أولى الانتصارات الكبيرة في المعارك الدائرة ضد "تنظيم الدولة" إعادة سيطرة المقاتلين الأكراد على بلدة كوباني في شمالي سوريا مطلع عام 2015.

وأسفرت المعركة عن سقوط ما يزيد على 1600 قتيل فضلاً عن دمار البلدة. لكن القوات التي يقودها الأكراد تمكنت منذ ذلك الحين من طرد مسلحي التنظيم من مناطق تصل مساحتها إلى آلاف الكيلومترات المربعة في شمالي سوريا.

كما عانت مدينة الرمادي غربي العراق من دمار واسع النطاق نتيجة معارك استمرت شهراً شاركت فيها قوات عراقية بالتعاون مع ميليشيات موالية للحكومة، وأسفرت عن طرد مسلحي التنظيم من المدينة في يناير/ كانون الثاني 2016، بعد ثمانية أشهر من سيطرة التنظيم عليها.

وإذا نجح الهجوم على الموصل، سيتحول الانتباه إلى الرقة، التي يتخذها التنظيم عاصمة له، في شمالي سوريا.

وتعد مدينة تدمر في سوريا واحدة من بين المواقع الأثرية التي نهبها "تنظيم الدولة" ودمرها.

التمويل

يعد النفط مصدرا من أهم مصادر إيرادات "تنظيم الدولة". وكان التنظيم قد استولى على حقول النفط في سوريا والعراق وباع النفط في السوق السوداء.

غير أن الإنتاج تراجع منذ أن بدأت الضربات الجوية الروسية وضربات التحالف تستهدف البنية التحتية النفطية.

ويقول مركز تحليل الإرهاب إن "تنظيم الدولة" يفتقد تكنولوجيا صيانة المعدات المتهالكة، كما أصبحت الآبار أكثر نضباً على نحو جعل من الصعب استخراج النفط منها.

وأشار المركز إلى أن الابتزاز كان مصدراً أولياً لتمويل التنظيم في عام 2015. وشكل جمع الأموال عن طريق فرض ضرائب ورسوم وغرامات ومصادرة ممتلكات ما يعادل 33 في المئة من دخل التنظيم، بزيادة 12 في المائة مقارنة بعام سابق.

وكان التنظيم قد فرض رسوماً مقابل الحصول على خدمات مثل المياه والكهرباء فضلاً عن جبي ضرائب فرضت على منتجات مثل القمح والقطن، فضلاً عن حصوله على أموال من مصادرة سلع وممتلكات وبيعها.

وتعني خسائر التنظيم وضياع سيطرته على الأراضي استمرار تراجع دخله من هذه المصادر التمويلية.

وفر ما يربو على 4.8 مليون سوري خارج البلاد هربا من القتال في سوريا، بحسب الأمم المتحدة. وانتهى بهم المطاف في دول مثل تركيا ولبنان والأردن المجاورة، كما سعى عدد كبير منهم في عام 2015 إلى الوصول إلى أوروبا.

وتشير الأمم المتحدة إلى أن ما يزيد على ثلاثة ملايين عراقي أجبروا على مغادرة منازلهم هرباً من الصراع الدائر مع "تنظيم الدولة" والنزوح الى مناطق أخرى داخل البلاد.




المصدر