بسام مقداد يكتب: سوريا و”ترويكا الشرق الأوسط”


بسام مقداد

العبثية التي بلغتها المقتلة السورية، تجعل أي عاقل يتعلق بأي قشة تطفو على سطح طوفان الوحشية والدم والدمار، الذي يغمر سوريا الآن. ويبذل الكرملين في الأيام الأخيرة قصارى جهده ليصور “إعلان موسكو” الصادر عن “ثلاثية موسكو”، كما يسميها لافروف، أو “ترويكا الشرق الأوسط الكبرى” (إيران وتركيا وروسيا)، هي قشة الخلاص تلك.

تحت عنوان “ترويكا الشرق الأوسط الكبرى” قادرة على منح سوريا السلام، كتبت صحيفة الكرملين “vzgliad” الأربعاء الماضي تقول، إن لقاء موسكو بين وزراء الخارجية والدفاع في الدول الثلاث هو بمستوى استعادة حلب، من حيث الأهمية بالنسبة للتسوية السورية. وإذا ما عمل المثلث الجديد على نحو منسق، فإن “إكراه” أطرف النزاع على السلام لن يشغل وقتاً طويلاً.

وتنقل الصحيفة عن لافروف قوله، إن روسيا معنية بعمل كل شيء من أجل أن تبدأ “الترويكا” بالعمل “بكامل طاقتها”. ولا يتضمن الإعلان المشترك بين البلدان الثلاثة أي نبأ مثير، بل هو يستهدف القيام “بتدابير منسقة ترمي إلى إنعاش العملية السلمية بغية وقف النزاع السوري”، ويتضمن ثماني نقاط؛ تقول الخامسة الرئيسية من بينها، إن إيران وروسيا وتركيا تعبر عن “الإستعداد لأن تسهل وتصبح الضمانة للإتفاقية المقبلة بين حكومة سوريا والمعارضة، والتي تدور المفاوضات بشأنها. وتدعو (البلدان الثلاثة) جميع البلدان الأخرى، التي تملك تأثيراً في الوضع على الأرض، أن تحذو حذوها”. وتؤكد الصحيفة أن طهران وأنقرة وموسكو على استعداد للعمل على نحو منسق حتى في مسألة “الإكراه على السلام” هذه. وتم اقتراح الاستانا مكاناً للمفاوضات بين السوريين بدلاً من جنيف “غير المفيدة، وإن كانت غير مرفوضة”.

وتشير الصحيفة إلى أن استبعاد الولايات المتحدة والسعودية وبريطانيا والاتحاد الأوروبي وبلدان الخليج عن المفاوضات أمر مهم “لكنه، في الحقيقة، أمر ليس على أهمية أولية”. فمن الواضح، أنه من أجل نجاح المفاوضات في كازخستان، من الضروري أن تحضر جميع البلدان الرئيسية في المأساة السورية. لكنهم للمرة الأولى، سيكونون “في موقع مَن يُقاد، وليس مَن يقود”. أي إن وسيط التسوية سوف تصبح “ترويكا الشرق الأوسط الكبيرة” المكونة من روسيا وإيرن وتركيا، التي تملك الآن التأثير الأكبر على واقع الأمور، حيث أن البلدان الثلاثة تحارب جميعها على الأراضي السورية: روسيا وإيران كحلفاء لحكومة الأسد، والأتراك كحلفاء لقسم من المتمردين المناهضين للأسد وكأعداء للأكراد. وإذا ما وجد بوتين وأردوغان وخامنئي لغة مشتركة بشأن سوريا، فإن هذا الأمر عينه هو ثلاثة أرباع الطريق نحو التسوية السورية. أما الربع المتبقي من المشكلة فيتوقف حله على الولايات المتحدة والعربية السعودية، مع العلم أنه، في ظل “تآمر” إيران وروسيا وتركيا، فلا مفر للأميركيين والسعوديين من القيام بذلك.

وترجع الصحيفة تلك التحولات إلى العملية الناجحة لروسيا في سوريا وتغيير موقف تركيا. فقد خاب أمل أردوغان في الغرب. بدايةً، حين اقتنع أن الولايات المتحدة تلعب الورقة الكردية في الحرب السورية، ومن ثم حين ظهرت روسيا مع قواتها الجوية، وأخيراً بعد محاولة الإنقلاب الفاشلة الأخيرة، التي يرى أردوغان أثر الناتو خلفها. وتقول الصحيفة، إن تصريح أردوغان في تموز/يوليو الماضي عن “ميله للتعاون مع إيران وروسيا” والعمل على حل مشاكل المنطقة و “إعادة السلام والإستقرار إليها”، كان هو الإشارة إلى العزم على تشكيل “مثلث وليد الظرف”.

وتعتبر الصحيفة أن اتفاق روسيا وتركيا وإيران لن يعني تقسيم البلاد، وليس للعواصم الثلاثة مصلحة في ذلك. ولو كان من المقرر “عدم إعادة لحمة” البلاد، لكانت تركيا سعيدة بضم بعض المناطق الشمالية السورية إليها. غير أن جميع العقلاء يدركون أن القضاء على وحدة سوريا سوف يطلق “تأثير دومينو” في كل الشرق الأوسط، ولن تخرج أي دولة إقليمية رابحة منه.

وتتساءل الصحيفة عن الأخطار المحدقة بالإتفاقية الثلاثية، وترى أنه، وعلى الرغم مما طرأ في الفترة الأخيرة من أحداث إستثنائية في العلاقات الروسية-التركية، إلا أن موطن الضعف الأشد فيها يتمثل في العلاقات التركية-الإيرانية. فالطرفان كانا في الحرب السورية على الجهتين المتقابلتين من الجبهة، إضافة إلى أن للبلدين، بل للحضارتين، تجربة عمرها قرون من الخصومة، ولهما الآن العديد من المصالح المتناقضة.

وترى الصحيفة أن ثمة تناقضات ذاتية وأخرى موضوعية في العلاقات التركية-الإيرانية، تعمل موسكو على تذليل الذاتية والحفاظ على الموضوعية منها. وترى أن ما يساعد في ذلك هو تحول أردوغان عن الغرب والناتو، الأمر الذي يقربه من إيران، التي تبقى خصماً مبدئيا للأطلسيين.

وتعتبر صحيفة الكرملين أن أعداء إيران الغربيين والسعوديين يبالغون في تضخيم أهمية “الهلال الشيعي”، ويصورونه سيفاً تسلطه إيران على العالم العربي وعلى السنة. هذا مع العلم أن الأقليات الشيعية تعيش هنا منذ قرون، ومن الطبيعي أن تدعمها إيران المكروهة من قبل الغرب وإسرائيل والدول النفطية.

إضافة إلى ذلك، فإن إيران لا ترغب في أن تحارب في سوريا إلى الأبد، ولذلك هي معنية بإمكانية تثبيت استمرار سلطة الأسد. أما بالنسبة إلى تركيا، فليس للآسد أهمية مبدئية، بل الأهم، بالنسبة لأردوغان، هو عدم السماح بقيام كيان كردي موحد على طول حدوده الجنوبية. ولا يمكنه القيام بذلك سوى بطريقتين لا غير: إما الاحتفاظ بقواته في سوريا وخوض معارك عسكرية، أو إحياء الدولة السورية القوية الموحدة، التي تتولى دمشق نفسها في ظلها بكبح طموحات الأكراد. والخيار الثاني، في ظل ضمانات موسكو وطهران، هو الخيار الموافق جداً لأنقرة. ومن الواضح، أنه ليس من مرشح آخر الآن لدور الحاكم القوي لسوريا سوى الأسد.

وتؤكد الصحيفة، أنه من الطبيعي أن تتوفر في الغرب وفي دول الخليج قوى ليست قليلة سوف تعرقل التقارب التركي-الإيراني في النزاع السوري، وتلعب على التناقضات، وتضغط على مواطن الوجع في البلدين. وذلك، ليس فقط من أجل القضاء على إمكانية إنهاء النزاع السوري وفقاً لسيناريو غريب، بل أيضاً من أجل الحؤول دون تعزيز قوة روسيا. وسوف تبين الأسابيع القريبة القادمة إلى اي مدى سوف يرغب أردوغان ويتمكن من مقاومة هذا التأثير الخارجي. لكن ما يبدو حتى الآن، هو أن الرئيس التركي لم يختر “الحلف الثلاثي” مكرهاً، بل اختاره عن سابق تصور وتفكير. إضافة إلى ذلك، وبعد شهر من الآن، سيكون من الممكن ضم واشنطن “الجديدة”، أي إدارة ترامب، إلى سيناريو “ترويكا موسكو”. وسوف يكون من المهم لأنقرة أن تأتي إلى المفاوضات من موقع قوة، سواء على الأرض في سوريا، أو من الناحية الدبلوماسية.

وتختتم الصحيفة بالتشديد على أن روسيا معنية بالقيام بكل شيء من أجل أن تبدأ “الترويكا” بالعمل بكل طاقتها. فمع بروز هذه الترويكا “نحصل نحن على أداة جديدة وهامة للتأثير في الشؤون السورية، وبالتالي في شؤون المنطقة (..) وفي الشؤون الدولية”.

لقد نطقت الصحيفة نفسها بما تبتغيه السلطة “شبه المافيوية” الراهنة في روسيا من “الترويكا” الجديدة، ومن كل حربها على سوريا والشعب السوري؛ إنها “استعادة مكانة روسيا” كدولة عظمى، لم تعد تموهها هذه السلطة بشعارات مثل “دعم حق الشعوب في تقرير مصيرها”، كما كانت عليه السلطة السوفياتية. وإذا ما تحقق لهذه “الترويكا” أن توقف هذه العبثية، التي بلغتها الحرب السورية، وهو ما لا يمكن لعاقل إلا أن يرحب به ويباركه، بالطبع، فإن ذلك لن يكون سوى “الحصيلة الجانبية” التي تتمخض عن الهدف الأساسي، الذي تبتغيه روسيا من وراء تشكيلها.
المصدر: المدن

بسام مقداد يكتب: سوريا و”ترويكا الشرق الأوسط” على ميكروسيريا.
ميكروسيريا -


أخبار سوريا 
ميكرو سيريا