لماذا ينحدر كثير من المتهمين بعمليات إرهابية من تونس؟


ينتمي المشتبه بتنفيذه عملية الدهس، التي شهدتها برلين، إلى تونس. ومن هذا البلد ينحدر كثير من الأجانب الذين يحاربون في سوريا والعراق. والسؤال القائم هو: لماذا يتم تجنيد هؤلاء من تونس على وجه الخصوص؟.

"قال لنا إنه سيقضي الليلة عند صديقه. وفي اليوم التالي أرسل لنا رسالة إلكترونية يقول فيها إنه يوجد في سوريا". كان صوت السيد إقبال بن رجب يرتعش وهو يحكي عن ذلك اليوم  من شهر مارس/ آذار 2013، عندما اختفى أخوه حمزة.

لقد تم استقطاب طالب المعلوماتية من قبل "جبهة النصرة"، حيث رحل إلى سوريا عبر ليبيا. وقيل له إنه سيشتغل هناك في مجال الدعاية على مواقع الإنترنت. لكن حمزة معاق حركياً ويجلس على كرسي المُقعدين. "ليس لديهم وقت للاهتمام به، وأتصور أنهم وضعوا قنبلة في المقعد وأرادوا تفجيره"، كما يقول أخوه.

وقد تمكنت أسرة حمزة من إعادته إلى تونس. وبعد ذلك أسس إقبال بن رجب "جمعية إنقاذ التونسيين العالقين في الخارج"، والهدف من ذلك هو مساعدة المقاتلين الموجودين في الخارج على الابتعاد عن تلك المواقف والعمل في نفس الوقت للحيلولة دون انضمام الشباب للجماعات المتطرفة.

تطرف بعد الثورة

أكثر من 5000 تونسي يحاربون في صفوف مجموعات متطرفة، حسب تقرير مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الانسان. وهناك من يقدر عددهم بضعف ذلك. ولكن ليست هناك أرقام رسمية حتى لدى السلطات التونسية.

فمنذ 1990 حارب تونسيون في أفغانستان وفي الشيشان أيضاً ولكن مع تطورات الأحداث السياسية عام 2011 ارتفع عدد الذين  انضموا إلى المجموعات الإرهابية بشكل سريع.

ويرى المؤرخ والخبير في القضايا الأمنية فيصل شريف أن هناك سببين مهمين يشرحان سبب ارتفاع عدد المتطرفين في تونس، وأن كليهما يرتبطان بالاضطرابات السياسية منذ عام 2011.

"العديد منهم كانوا يريدون تصدير حماس الثورة إلى العالم العربي والمناطق التي لم تصلها تلك التطورات هناك". ولم يكن  كل هؤلاء بدايةً متأثرين بمواقف دينية، كما يضيف الخبير شريف. فالعديد منهم أصبحوا متطرفين في الخارج.

ويبدو أن ذلك ينطبق أيضاً على أنيس العامري الذي توجه الى ميليشيات "تنظيم الدولة" الإرهابية. وحتى الآن لا يُعرف ما إذا كان هذا التحول قد حدث في تونس أو في ألمانيا.

تطرف الشباب في تونس أصبح يشكل أكثر فأكثر خطراً على تونس نفسها، خصوصاً بعد العمليتين الإرهابيتين في المتحف الوطني بارد وفي فندق في سوسة عام 2015، حيث لقي خلالهما 60 سائحاً أجنبياً مصرعهم، إضافة إلى عملية الاعتداء على الحرس  الرئاسي في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من نفس العام.

الحكومة التونسية تواجه ذلك من خلال إجراءات تعسفية من أجل السيطرة على الوضع. ولذلك هناك مراقبة صارمة على التونسيين الذين هم  في سن أقل من 35 عاماً والذين يودون السفر إلى سوريا والعراق من خلال ليبيا وتركيا أو صربيا. كما أقر البرلمان التونسي قانوناً جديداً لمواجهة الإرهاب يعطي لقوات الأمن صلاحيات واسعة.

ويعتبر الخبير فيصل شريف أن هذه الخطوة تسير في الاتجاه الصحيح، حتى يمكن السيطرة على الوضع لوقت قصير، لكن ذلك غير كافٍ. "نحن في حاجة إلى استراتيجية. يمكن القضاء على 30 أو 40 خلية والدفع ببعض مئات الناس منهم الى السجن ولكن الآلة العاملة في صناعة هؤلاء ستبقى في الاشتغال لتحضير 2000  أو 3000 أو 4000 آخرين".

التحدي الأكبر هو العمل على إيجاد استراتيجية طويلة المدى، حتى لا ينضم الشباب إلى هؤلاء المتطرفين. ولا يمكن الحديث عن برامج منسقة من أجل الوقاية وإضعاف مستوى التطرف فقط من خلال محاولات بعض الوزارات والمنظمات للسيطرة على الوضع.

كما أنه كلما انهزم "تنظيم الدولة" على الأرض في سوريا والعراق ازدادت التخوفات لدى التونسيين مما قد يحدث عند رجوع المقاتلين التونسيين من الخارج إلى وطنهم. 

فقد أعلن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي مؤخراً خلال زيارة إلى فرنسا أنه ليس هناك أمكنة في السجون الممتلئة، لكنه وعد بمراقبة العائدين بشكل صارم، حتى وإن صعبت محاكمة العديد منهم بسبب عدم وجود إثباتات.

ومن خلال المساعدة الأجنبية بما في ذلك الألمانية والأمريكية يسعى الجيش التونسي إلى تأمين الحدود مع ليبيا والجزائر، حيث تعتبر الحدود الجنوبية بالخصوص ممراً تقليدياً للمهربين وللأسلحة و للإرهابيين المحتملين.




المصدر