كيف استفاد الكيان الصهيوني من نظام الأسد؟
26 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2016
مركز الدراسات الاشتراكية
جاءت معركة حلب ديسمبر 2016 لتزيد يقيننا في زيف شعارات الدول القومية الناشئة بعد الاستعمار، فالهدف الأوحد الذي سعت له مؤسسات تلك الدول طوال العقود الماضية، وخاصة سنوات الحرب الأهلية في سوريا، هو الحفاظ على السلطة بأي ثمن حتى وإن كانت سلطة على مدن خراب يسكنها الأشباح.
ولا يُخفى أن ثورات الربيع العربي كشفت العلاقات المفضوحة لتلك الدول مع الكيان الصهيوني. تلك الدول التي طالما تشدقت علينا بعدائها له وبمؤامراته على بقائها، حتى وصل الأمر إلى اعتبار الربيع العربى جزء من المؤامرة الصهيونية على تلك الأنظمة.
ولعل أبلغ المشاهد التي جسدت خطر تلك الثورات على الصهاينة عندما خرج الشباب المصري الثائر في 9 سبتمبر 2011 لحصار السفارة الإسرائيلية بعد قصف قطاع غزة ليتسلق أحدهم مبنى السفارة وينكس علمها ويحاول آخرين اقتحامها. وتعد تلك الغضبة التي واجهتها قوات الأمن، بعنف مبالغ فيه، إشارة واضحة على أن الضمان الوحيد لحماية الصهاينة من غضب الجماهير الثائرة هي تلك الأنظمة المستبدة.
لذلك لا يمكن لعاقل أن ينكر دور الصهاينة في دعم الثورات المضادة، وخاصة في سوريا، الدوله الملاصقة لحدودها والتي تشكل تهديدًا مباشرًا لها، خصوصا وأن المناطق ذات الكثافة السكانية العالية تتمركز في شمال إسرائيل القريبة من سوريا، وأيضا تقع الجولان تحت الاحتلال منذ 67 وأي انتصار للثورة السورية سيعد إشارة البدء لكفاح مسلح جماهيري لا يتوقف إلا بنهاية الاحتلال وتحرير أرض الجولان ثم تطهير الأراضي الفلسطينية من الصهيونية نهائيا.
الدور الأمريكي وأمن إسرائيل
مع بداية الأحداث وتحولها إلى المواجهة المسلحة بين الجنود المنشقين، وفي القلب منهم الجيش الحر، وجيش النظام، ومع أول صدام مسلح بينهم في 27 سبتمبر 2011 بمعركة الرستن وتلبيسة، اتخذت الإدارة الأمريكية موقفا محددا يحمي إسرائيل بالأساس مبنى على عدة ثوابت:
أولا: لا يمكن تسليح المعارضة، بأسلحة متطورة أو ثقيلة كمضادات الطائرات المحمولة كتفا أو مضادات المدرعات، حتى لا تستخدم لاحقا ضد الكيان الصهيوني. فمع تطور المعارك ميدانيا وسقوط مئات القتلى على يد جيش النظام أعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في 28 فبراير 2013 أن بلاده تعتزم تقديم مساعدات غير فتاكة لمقاتلي المعارضة السورية، وأنها ستزيد تلك المساعدات أكثر من الضعف وتمثلت تلك المساعدات في أجهزة رؤية واتصال ومناظير وهوائيات وسُترات ضد الرصاص، كما شددت على معارضتها الشديدة بتزويد المعارضة بتلك الأسلحة النوعية من خلال إشرافها على الأسلحة التي توردها السعودية وقطر وتركيا للمعارضة.
ثانيا: عدم السماح لنظام بشار بالتفوق النوعي على قوات المعارضة، ففي 14 يونيو ومع تفوق جيش النظام على الأرض في معركة القصير، أعلنت الإدارة الأمريكية أنها ستسمح بتوريد أسلحة متطورة، لكن بشكل محدود يسمح فقط بمعادلة القوى على الأرض ولا يسمح بحسم المعارك لصالح المعارضة مع استبعاد فرض الحظر الجوي وتزويد المعارضة بصواريخ أرض – جو المحمولة على الكتف.
بعد استخدام السفاح بشار للسلاح الكيماوي في غوطة دمشق 21 أغسطس 2013 تخلت إدارة أوباما عن تهديدها بالتدخل المباشر مقابل المقترح الروسي الذي يقضي بالإشراف الدولي على مخزون الأسد من الأسلحة الكيماوية ثم التخلص منه لاحقا بعد انضمام نظامه لمعاهدة حظر الأسلحة الكيماوية. تلك الخطوة التي تعد كافية لأمن إسرائيل المتخوفة من استخدام الأسد لتلك الأسلحة ضدها كعملية انتقامية أو استيلاء المعارضة عليها بعد سقوط الأسد.
الدور الروسى وأمن إسرائيل
النظام الروسي الداعم لبشار الأسد لم يُسمح له بالتدخل المباشر في سوريا من قبل القوى الكبرى، وأدرك أن مفتاح تدخله المباشر في يد الكيان الصهيوني.
في 25 يونيو 2012 توجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تل أبيب في زيارة استغرقت 24 ساعة، وتعد تلك الزيارة الثانية لبوتين إلى إسرائيل بعد 7 سنوات من زيارته في 2005.
دار النقاش بين الطرفين حول الأسد وإيران حتى يتمكن الروس من الدخول إلى سوريا لإنقاذ الأسد. كان لابد من ضمان أمن إسرائيل بعد بقاء الأسد من ناحية، وضمان وقف تمدد النفوذ الإيراني داخل سوريا بما يشكل تهديدا مباشرا لأمن إسرائيل.
تعهدات روسيا سمحت للطيران الإسرائيلي، منذ بداية المعارك وحتى بعد التدخل الروسي، بضرب مواقع عسكرية لجيش النظام والاستطلاع لضمان عدم امتلاك نظام الأسد لأسلحة دفاعية متطورة. أضف إلى ذلك الموقف الروسي من الميليشيات الإيرانية الموالية له بعد اتفاق الهدنة الخاص بالمعارك في حلب ديسمبر الحالي يوضح الدور الروسي في سوريا وتعهده بضمان حماية إسرائيل من أي نفوذ إيراني محتمل، فقامت الإدارة الروسية بتهديد العناصر الموالية لإيران داخل حلب بقصفها حال خرق الهدنة المبرمة بين الجانبين التركي والروسي.
فالدور الروسي أصبح متواجد بكثافة، ليمتلك سماء سوريا وموانيها ويضمن للكيان الصهيوني سيطرته على الأوضاع الميدانية. لكن الأمر الأهم هو ضمانة من نظام بشار ببدء تسوية سياسية مع الصهاينة بعد بقاءه في السلطة، وهنا برز الدور المصري بقيادة قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي.
وساطة قائد الانقلاب لهزيمة الثورة السورية
“السلام بين مصر وإسرائيل الذي استمر 40 عامًا يجب أن يشمل دولًا عربية أخرى”. هذا هو مفتاح اللغز الذي أدلى به قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي لأسوشايتد برس بتاريخ 26 سبتمير 2015، والذي رحب به رئيس الوزراء الصهيوني في صباح اليوم التالي، 27 سبتمبر، بتوسيع معاهدة السلام حسبما ذكرت صحيفة جوزاليم بوست لتبدء عمليات سلاح الجو الروسي في 30 سبتمبر، أي بعد أيام من التصريح.
لم تتوقف رحلات السيسي لموسكو طوال الأعوام السابقة، فرغم أنه كان لا يزال وزيرا للدفاع إلا أنه قام بزيارته الأولى في 12 فبراير 2014، والثانية في 12 أغسطس 2014، أي بعد توليه منصب الرئاسة في 30 يونيو من نفس العام، أما الثالثة في 9 مايو 2015، والزيارة الأهم في 25 أغسطس 2015، أي قبيل الضربات الروسية بشهر تقريبًا.
أما على الجانب الإسرائيلي، فلقد استقبلت القاهرة مسئولون إسرائيليون على المستوى الرسمي وغير الرسمي، ففي 2014 بدأت أولى الزيارات بعد الحرب التي شنها الكيان الصهيوني على قطاع غزة، وهدفت الزيارة لبحث التهدئة بين الطرفين برعاية المخابرات المصرية.
وفي 29 يونيو 2015، عقد مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلي، دوري جولد، عدة لقاءات في وزارة الخارجية المصرية تضمنت اجتماعه بمساعد وزير الخارجية لشئون دول الجوار، وأكدت مصادر إسرائيلية أن تلك الزيارة الرسمية سبقها قبل شهر زيارة غير رسمية لم يُعلن عنها باجتماعات رفيعة المستوى بوزارة الخارجية المصرية.
وفي أغسطس 2015، هذا الشهر الذي شهد زيارة السيسي لموسكو وقبل شهر من بدء العمليات الروسية، زار وفد سياسي إسرائيلي مصر والتقى بعدد من المسئولين. ضم الوفد، وفق صحف إسرائيلية، 5 مسئولين برئاسة مدير مكتب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي إسحق مولخو.
وفي سبتمبر من نفس العام، أي بعد أيام من بداية القصف، شارك مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلي، دوري جولد، في مراسم رفع العلم الإسرائيلي على المقر الجديد لسفارة تل أبيب بالقاهرة، وأخيرا زيارة بنيامين نتنياهو لموسكو في الأسبوع الأخير لشهر سبتمبر 2015، المتزامن مع الضربات وشروع روسيا في بناء قاعدة عسكرية جوية قرب اللاذقية في شمال سوريا.
النشاط السياسي المتمثل في الزيارات المتبادلة مع الجانب الروسي والزيارة الرسمية لـ 6 مسئولين سوريين رفيعي المستوى في 16 أكتوبر 2016، كان من بينهم اللواء علي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني السوري، كانوا قد وصلوا إلى مصر على متن طائرة خاصة قادمة من دمشق وفي استقبالهم عناصر من المخابرات الحربية، حسب تقرير وكالة الأناضول، بالإضافة إلى اللواء خالد فوزي نائب رئيس جهاز الأمن القومي المصري، وتلك الخطوة جاءت متسقة مع تصريح السيسي للتلفزيون البرتغالي في 22 أكتوبر الماضي على ضرورة دعم الجيش السوري.
وتأتي زيارة شكري الرسمية لتل أبيب في 10 يوليو 2016 ليؤكد الطرفان أنها نقلة للعلاقات المصرية الصهيونية من السلام البارد للتحالف المباشر. في ظل انتشار أخبار عن وجود أسلحة مصرية مشاركة في الحرب السورية بجانب قوات الأسد، حسب فرانس برس ورويترز وحسب ما نشرته جريدة السفير الموالية لنظام بشار الأسد عن انضمام 18 طيار مصري إلى قاعدة حماة في أواخر ديسمبر 2016 منذ نوفمبر الماضي، من بينهم 4 ضباط كبار من هيئة الأركان المصرية، كما يعمل ضابطان برتبة لواء في هيئة الأركان السورية بدمشق ضمن غرفة العمليات، كذلك شارك ضباط الجو المصريون في عمليات تقيمية بالأراضي السورية، كان آخرها الجبهة الجنوبية في القنيطرة وخطوط فصل الجولان مع درعا وفق المصدر ذاته.
وشارك الثلاثاء الماضى لواءان مصريان في اجتماع تقييمي لمنطقة العمليات الفرقة الخامسة السورية التي تنتشر حول درعا إضافة إلى انتشار مقاطع فيديو بُثت عبر شبكات التواصل الاجتماعي عن تورط جنود مصريين في المعارك وأسرهم على يد قوات المعارضة.
كل تلك الأحداث وتسلسلها الزمني وترابطها مع تدهور العلاقات المصرية السعودية، خاصة بعد بيان مجلس التعاون الخليجي بالدفاع عن دولة قطر التي اتهمتها وسائل الإعلام المصرية، وأشار إليها بيان الداخلية بوقوفها خلف حادث الكنيسة البطرسية الإرهابي بالعباسية وأيضا بعد زيارة وفد سعودي لسد النهضة الأثيوبي.
وأخيرا تصريح بشار نفسه لقناة تي آر تي الروسية الذي أشاد بالدور المصري في الحرب الأهلية في سوريا بتصريحه “لولا السيسي اعتقد لما تم تحرير حلب”، يؤكد أن دور النظام المصري كان فاعلا لإنقاذ نظام بشار من ناحية، ومتسقا بشكل كبير مع علاقته المشبوهة بالكيان الصهيوني من ناحية أخرى.
أسطورة الممانعة
المذابح التي ارتكبها السفاح بشار والتضحية باستقلال سوريا بفتحه الباب أمام المرتزقة والقوى الإقليمية بالتدخل المباشر لحمايته ورهن سماء وموانيء سوريا للجيش الروسي والتنسيق مع الكيان الصهيوني عن طريق قائد الثورة المضادة المصرية لمجرد بقاءه في السلطة وانضمامه لمعاهدة الخيانة وتفريطه بالسلاح الكيماوي الذي استخدمه فقط ضد الجماهير السورية، أليس كل هذا دليل على زيف ادعاءاته ودعايته كنظام ممانع للعدو الصهيوني؟ أليس ذلك دليلًا على زيف ادعاءه أن الثورة هي مؤامرة صهيونية لإسقاطه؟
بشار الأسد الذي يدعي محاربته للإرهاب هو من صنع الإرهاب نفسه بإطلاق مئات الجهاديين من سجونه مع اندلاع التظاهرات السلمية لإحداث الفوضى في البلاد، وهو من دفع بالتعذيب والقتل واستخدام الأسلحة الثقيلة ضد شعبه إلى المواجهات المسلحة، وهو من أغرق البلاد في ملتقى المصالح الدولية والتآمر على دماء الشعب الذي طالب يوما بمظاهرات عفوية، لازالت تخرج حتى الآن رغم انحسارها، بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وهو من استخدم سياسة الأرض المحروقة في حصار وتجويع المدنيين بمناطق متفرقة وتنفيذ رقعة مجازر أوسع بالاعتماد على شبيحته والمرتزقة الأجانب.
إن ادعاءاته بالانتصار هي كذبة يبرر بها بقائه، فالجيش العربي السوري لم يكن سوريا ولم يكن عربيا خالصا. قوات الأسد لم تكن بمفردها في المعارك ضد الجماهير الثائرة أو حتى في قتالها ضد قوات المعارضة، وأصبح القوام الرئيسي للميليشيات الموالية له من حزب الله اللبناني، لواء أبوالفضل العباس ومنظمة بدر وعصائب أهل الحق ولواء فاطميون العراقيين، ومن إيران فيلق القدس والباسيج والحرس الثوري بالإضافة إلى سلاح الجو الروسي.
الشعب السوري يريد السلام الآن بأي طريقه بعدما قُتل الآلاف ونزح الملايين منه، لكن الجماهير السورية ستدفع فاتورة بشار الذي رهن سوريا ليبقى هو في قمة السلطة دون الأخذ في الاعتبار التفريط في سوريا ذاتها. وهذا أدعى أن يخرس كل مَن يدافع عن نظام بشار ويدعي شعارات الوطنية والقومية الزائفة. هؤلاء الذين ينتمون فقط للكرسي الذي قاتل شعبه للحفاظ عليه.