مُسلِمة لرئاسة الحكومة الرومانية تثير قلق السوريين

26 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2016

6 minutes

عبد الرحيم خليفة

هواجس وتحفظات السوريين المعارضين للنظام السوري من تنصيب السيدة سيفيل شحيدة رئيسة لوزراء رومانيا تكتسب مشروعيتها؛ لأسباب عديدة، لعل أبرزها، زواجها من السوري، أكرم شحيدة، المؤيد والداعم للنظام السوري.

يُعدّ تقلد امرأة مسلمة في بلد مسيحي، منصب رئاسة الحكومة، خطوة جريئة لها دلالاتها وآثارها في حاضر رومانيا ومستقبلها، التي تحتفل -هذه الأيام- بذكرى ثورتها، وسيكون لها أيضًا انعكاسات إيجابية على الجاليات العربية والمسلمة حديثة العهد، في بلد يتقدم بخطوات ثابتة على طريق الديمقراطية.

أثار ترشيح ليفو راجنا، رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي في رومانيا، الفائز في الانتخابات السيدة سيفيل لرئاسة الوزراء في رومانيا، ردود فعل مختلفة، في المجتمع الروماني، وأوساط السوريين، خصوصًا المؤيدين للثورة، على خلفية تأييد الرجل لنظام الأسد، في بلد ناشئ ديمقراطيًا، لا يُمكن مقارنته بالديمقراطيات العريقة في أوربا، أو غيرها من بلدان العالم، فترشيح سيدة -بحدّ ذاته- يعد خطوة متقدمة ذات دلالات عميقة، تؤشر إلى خطوات متسارعة لتجذير الديمقراطية، وترسيخها في بلد يعد ثاني أفقر دولة في أوروبا، بعد اليونان، عانى طويلًا، في ما مضى، من نظام شمولي واستبدادي، كان أنموذجًا للأنظمة التوتاليتارية البائدة، والتي لايزال بعضها يُعاند حركة التاريخ.

ترشيح سيفيل لم يكن المفاجأة الوحيدة، فالسيدة مُسلمة أيضًا، وهي مفاجأة تفوق سابقتها، وتنتمي إلى الأقلية التترية، التي لا تزيد نسبتها عن 1 بالمئة، وهي ذات نسبة المسلمين في مجتمع غالبيته مسيحية أرثوذكسية، وفيه أقليتان: بروتستانتية وكاثوليكية.

لحزب الاشتراكي الديمقراطي (من يسار الوسط) هو صاحب السبق، أو بالأحرى صاحب هذا الخرق الاجتماعي التاريخي، المُتمثل بترشيح السيدة سيفيل شحيدة لرئاسة الحكومة!

وكان الحزب قد فاز في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 11 كانون الاول/ ديسمبر، وحاز على نسبة 45.5 بالمئة من أصوات الناخبين، وهو حزب أسسه يون اليسكو، أحد أبرز الشخصيات السياسية التي برزت بعد ثورة 1989، وتمكّن من العبور برومانيا من العهد الشيوعي السابق إلى مرحلة الديمقراطية واقتصاد السوق، بدعم من “جبهة الإنقاذ”، وتمكّن من حُكم رومانيا منفردًا، أو بالشراكة مع أحزاب أخرى لفترة طويلة، ووصل قادته وأعضاؤه إلى رئاسة البرلمان والحكومة، فضلًا عن الرئاسة الاولى التي شغلها مؤسسه اليسكو لدورتين رئاسيتين، كل منها أربع سنوات (عُدّل القانون عام 2003 لتصبح الدورة الرئاسية خمس سنوات).

السيدة سيفيل شحيدة (sevil shhaideh) من مواليد 1964، أنهت دراسة الاقتصاد في جامعة بوخارست عام 1987، وعملت لنحو عقدين مع مجلس مدينة كونستانسا الساحلية (1993 – 2012)، وعُيّنت بعدئذ سكرتير دولة؛ حتى 2015، حيث شغلت منصب وزير التنمية الإقليمية والإدارة العامة لمدة 6 أشهر، كانت كافيةً لتلفت الانتباه إلى كفاءتها وجدارتها بالمناصب التي تقلدتها.

المشاورات التي أجراها رئيس الجمهورية، بعد اعلان نتائج الانتخابات مع الكتل البرلمانية، خلصت إلى ترجيح كفة السيدة شحيدة، وعلى هذا النحو تقدمت لشغل المنصب.

يعود انتشار الإسلام في رومانيا إلى مرحلة الإمبراطورية العثمانية، وإليها تنتسب الأقلية الحالية (التركو- تتارية) التي تتألف من خليط الأعراق التترية والتركية والشركسية والسُلافيّة، ويتركز معظم وجودها التاريخي في محافظة كونستانسا (دبروجة) التي تنحدر منها رئيس الحكومة، والمعروف أن لهذه الأقلية ذكرى غير طيبة في وعي الشعب الروماني، مرتبطة بالحكم العثماني.

تجدر الإشارة إلى أنه ليس في رومانيا أحزاب وحركات عنصرية، على غرار دول غرب أوروبا، وليس هناك معاداة للأقليات بالمعنى الدقيق للكلمة، ولكن في السنوات الأخيرة ظهرت بوادر لمعاداة معتنقي الإسلام، مثل الضجة التي أثيرت العام الماضي حول تدشين مسجد في العاصمة، في أثناء زيارة رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان.

أحدثت الخطوة الإيجابية المتقدمة التي تمثلّت بترشيح سيدة محسوبة على الأقليات، وتحديدًا من المسلمين الذين لا يتجاوز عددهم واحد في المئة من تعداد السكان البالغ 20 مليون نسمة، صدمة تعدّت المواطنين الرومان إلى قطاعات من السوريين المقيمين في رومانيا أيضًا، وخاصة المؤيدين للثورة، إذ لم تجد ترحيبًا بينهم لأسباب أخرى، تتعلق بزوجها السوري المؤيد لنظام الأسد، والمدافع عنه بشراسة، كبوق نشط يستبسل في الدفاع عن جرائمه والميليشيات المتحالفة معه.

اتهمت منظمة “جالية سورية الحرة” في رومانيا، التي تأسست بعد الثورة عام 2011، وتعد المُمثل القوي عن جمهورها، زوج السيدة سيفيل، أكرم شحيدة، بـ “ضلوعه في عالم المافيا السورية – الرومانية”، وقال رئيس مكتب إعلام الجالية، عمر محسن في مقابلة تلفزيونية: “يُمثل الزوج وجهًا من وجوه المافيا الأسدية في رومانيا، ويدعم نظامًا مستبدًا وقاتلًا”، والمعروف في أوساط السوريين في رومانيا أن سفير النظام وليد عثمان حمو رامي مخلوف، يُدير شبكة من رجال المال تعمل لصالح الأسد.

تشير المعلومات إلى أن أكرم شحيدة، يبلغ من العمر 54 عامًا، من مواليد اللاذقية، ويحمل درجة دكتوراه في الزراعة، سافر إلى رومانيا عام 2011، بعد خدمة طويلة في وزارة الزراعة السورية، وتحيط به شبهات حول تلقيه مبالغ مالية من جهات رومانية رسمية وغير رسمية، بسبب علاقاته الاجتماعية المتشعبة، إثر زواجه من سيلفيا، في بلد يُعاني من الفساد الإداري معاناة كبيرة.

وعلى الرغم من كل شيء، فهي خطوة جريئة لها دلالاتها وآثارها في حاضر رومانيا ومستقبلها، التي تحتفل هذه الأيام بذكرى ثورتها، وسيكون لها انعكاسات إيجابية على الجاليات العربية والمسلمة حديثة العهد في بلد يتقدم بخطوات ثابتة على طريق الديمقراطية.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]