وول ستريت جورنال: “صعود روسيا في الشرق الأوسط يخلق الأعداء”


أحمد عيشة

 لقد أخذت موسكو مكان الولايات المتحدة التي شغلت أذهان كثيرين في الشرق الأوسط لفترة طويلة: قوة إمبريالية غريبة يُنظر إليها على أنها تشن حربًا على الإسلام والمسلمين.

احتج السوريون الذين يعيشون في تركيا ضد الدعم العسكري الروسي لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، أمام السفارة الروسية في إسطنبول يوم السبت. صورة: أوزان كوسا/ وكالة الصحافة الفرنسية/ صور غيتي

 

للنصر ثمن

منذ دخول الحرب السورية العام الأخير، أنهت روسيا بنجاحٍ وضع أميركا كقوةٍ عظمى وحيدة في منطقة الشرق الأوسط، وهو إنجاز تُوّجَ بسقوط حلب. لقد حوَّل ذلك الصعود موسكو إلى قوةٍ وسيطة لا غنى عنها في المنطقة، وفي أوروبا أيضًا، عززت موجة المهاجرين التي أطلقتها الحرب السورية نفوذ موسكو، ودعمت الأحزاب الشعبية الصديقة للرئيس فلاديمير بوتين.

سلَّط اغتيال سفير روسيا لدى تركيا يوم الإثنين في 19 كانون الأول/ ديسمبر، الضوء على الجانب الآخر من هذا الصعود المذهل، الذي قلَّص من نفوذ أميركا، وقد اتخذت روسيا مكان الولايات المتحدة التي شغلت أذهان كثيرٍ من الناس في الشرق الأوسط لفترةٍ طويلة: قوةٌ إمبريالية غريبة يُنظر إليها على أنها تشنّ حربًا على الإسلام والمسلمين.

لم تكن هناك أيُّ احتجاجاتٍ مؤخرًا مناهضةً للولايات المتحدة في المنطقة، ولكن في ظل مأساة حلب، تجمع عشرات الآلاف من المتظاهرين هذا الشهر أمام البعثات الروسية من إسطنبول الى بيروت إلى مدينة الكويت، حيث كان الهتاف واضحًا: “روسيا هي عدوٌ للإسلام”.

الشرطي التركي الذي قتلَ السفير أندريه كارلوف يوم الإثنين صرخ بأنه ينتقم لمأساة حلب، التي كانت قد تعرّضت طوال عامٍ لقصفٍ روسي، قبل أن يجتاح النظام السوري وحلفاؤه الشيعة المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في المدينة في الأسابيع الأخيرة. وكان اغتيال الدبلوماسي، الذي دانته الحكومات، كان موضعَ ترحيبٍ مصحوبٍ بفرحٍ مفتوح على وسائل التواصل الاجتماعية العربية، وفي مخيمات اللاجئين الفلسطينيين.

“ومن المؤكد أنه يُنظر إلى روسيا بوصفها أزعر جديدًا في الحي”. بحسب حسن حسن، وهو زميلٌ في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط في واشنطن. “الطريقة التي تفاعل فيها الناس بالمشاركة احتجاجًا على القتل الجماعي لواحدةٍ من المدن السنية الأكثر احترامًا في الشرق الأوسط، حلب، تُذكّر كيف كان يُنظر إلى الولايات المتحدة بعد احتلالها للعراق، وما عليك إلّا أن تلاحظ الطريقة التي تمجد قاتل السفير الروسي في جميع أنحاء المنطقة، للحصول على فكرةٍ عن كيفية احتقار روسيا من الجماهير اليوم”.

وعلى الرغم من أنَّ روسيا أصبحت المحرق المباشر لهذا العدوان، فإنَّ سقوط حلب يكثف أيضًا الدعم في المنطقة للمجموعات الجهادية التي تخطط لهجماتٍ إرهابية في الغرب مثل الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة، وقال “هناك شعورٌ بأنَّ حلب تشير إلى مرحلةٍ جديدة”، وقال المشرّع باسم شبّ “إن مستوى الغضب مرتفعٌ جدًّا، وليس هناك أيُّ شكٍ في أنَّ ما حدث هناك سيغذي كثيرًا من التطرف في أوروبا وأجزاءٍ أخرى من العالم”.

يبدو أنَّ قتل 12 شخصًا في سوق عيد الميلاد في برلين يوم الإثنين 19 كانون الأول/ ديسمبر، واحدٌ من نماذج هذا الهجوم المتطرف، بعد أن أعلنت الدولة الإسلامية يوم الثلاثاء مسؤوليتها عن ذلك.

على الرغم من أن الجاني لا يزال غيرَ معروف، فقد أصبحت مثل هذه الهجمات الإرهابية في أوروبا مشبوكة في ذهن الجمهور مع تدفق اللاجئين بأعدادٍ كبيرة، بدأت بعد أن قررت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وهي واحدةٌ من أشدِ منتقدي بوتين في الغرب، في العام الماضي منح حق اللجوء للسوريين الفارّين من الحرب، وقد حمّلت جوقة الساسة المعادين للمهاجرين من مختلف أنحاء أوروبا، السيدة ميركل التي تواجه انتخابات العام المقبل، المسؤولية عن المجزرة في برلين.

أن تُصبح روسيا هدفًا للجهاد العالمي بطرائق لم تكن من قبل، توضح في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، بعد شهرٍ من نشر روسيا قواتها وطائراتها الحربية في سورية، وبعد إسقاط طائرة ركابٍ روسية فوق شبه جزيرة سيناء المصرية، حيث زعمت الدولة الإسلامية مسؤوليتها عنها. وفي هذه الأيام، زادت مشاركة روسيا في القوات والثروة، من شعور الغضب ضدّها، وصار أكثر علانيةً أيضًا، ولم يعد محصورًا بين الجهاديين فحسب.

هذا هو ما يسبب مشكلةً بالنسبة لمساعي الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في التوصل إلى تفاهمٍ مع السيد بوتين وإيران حول مستقبل سورية، حيث ظلت أنقرة حتى وقتٍ قريب، واحدةً من أكثر الخصوم لنظام الأسد، ولكنها خفّفت من هذا الموقف في مقابل موافقة روسيا على العملية العسكرية التركية ضد الدولة الإسلامية، والميليشيات الكردية في شمالي سورية. ناقش وزراء خارجية الدول الثلاث الوضع السوري في محادثات يوم الثلاثاء في موسكو.

“منذ عام 2011، خلقت رواية الحكومة التركية، ورعت جمهورًا محليًا متعاطفًا جدًا مع المأساة الجارية في سورية، واتباع مقاربةٍ أكثر واقعيةً سياسية مع سورية، يخلق بالتأكيد الإحباط لدى هذه الدائرة”. قال سنان أولجن، الدبلوماسي التركي السابق الذي يرأس الآن مركز آدم للأبحاث في إسطنبول.

في تركيا وأماكن أخرى في المنطقة، الرأي العام المعادي يعني أن ممثلي روسيا والبعثات سيكون عليهم التصرف وفق القيود الأمنية نفسها التي أعاقت عمل الدبلوماسيين الأميركيين على مدى عقود.

مع ذلك، مثلما المظاهرات والهجمات على الدبلوماسيين الأميركيين لم تخرج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط في العقود الماضية، فمن غير المرجح أيضًا، أن تردع وفاة السيد كارلوف، موسكو.

وبحسب نيكولاي كوزخانوف، وهو دبلوماسيٌ روسي سابق في إيران وأستاذ في الجامعة الأوروبية في سانت بطرسبورغ “ما حدث هو مثالٌ على أنَّ الدور المتزايد لروسيا ومشاركتها في المناطق الحساسة، يعني أن روسيا ستضطر إلى قبولِ مخاطر أعلى، ولكنها لن تصبح نقطةَ تحولٍ أو تؤدي إلى تغييرٍ في السياسة”. إنَّ كلًّا من تركيا وروسيا مصممتان على عدم السماح لاغتيال السيد كارلوف، بإفساد التقارب الأخير بين البلدين. وفي الشهر الماضي، طرح إردوغان فكرة الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون وهي اتفاقيةٌ أمنيّة تربط روسيا والصين، على الرغم من أنَّ العضوية الكاملة لن تكونَ متوافقةً مع بقاء تركيا عضوًا في منظمة حلف شمال الأطلسي.

أيًا كان ما سيحدث، فإنّ القادة الإقليميين يدركون جيدًا أنَّ موسكو قد أتت إلى منطقة الشرق الأوسط كي تبقى. “إنهم يريدون ألا يُستهان بهم، لديهم ما يكفي من النفوذ حيث لا يتحقق شيء في المنطقة من دون موافقتهم”، بحسب أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، الأسبوع الماضي. وأضاف “إنهم يحققون نجاحًا”.

اسم المقالة الأصليRussia’s Rise in Mideast Creates Enemies
الكاتبYAROSLAV TROFIMOV ، ياروسلاف تروفيموف
مكان النشر وتاريخهوول ستريت جورنال، The Wall Street Journal

20 كانون الأول/ ديسمبر 2016

رابط المقالةhttp://www.wsj.com/articles/russias-rise-in-mideast-stirs-up-enemies-1482279972
ترجمةأحمد عيشة




المصدر