‘“سوبر ماريو” السوري.. تحت البراميل المتفجّرة’

26 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2016

5 minutes

رغم التطوّر التقني المتسارع في ألعاب الفيديو، تبقى حقبة الثمانينيات مرحلة لا تُنسى في هذا المجال، ولا تزال إلى الآن تحتل مكانة عاطفية خاصّة لدى أبناء ذلك الجيل، ويصف البعض تلك المرحلة بالعصر الذهبي أو الكلاسيكي لألعاب الفيديو، حيث استطاعت تلك الألعاب أن تظل صامدة في الذاكرة أمام التطور السريع، بشخصياتها وأبطالها البعيدين عن الواقعية، والذين يتكونون من مربعات صغيرة مبكسلة..

فرغم ضعف التقنيات المستخدمة حينها، إلا أن تلك الشخصيات لا تزال حاضرة، وقد يبرّر سبب تعلق محبي ألعاب الفيديو بتلك الشخصيات، إلى قلّة الإنتاج في تلك المرحلة بالمقارنة مع السنين الأخيرة، أو لوجود خاصية جمالية خاصة بألعاب الفيديو في تلك المرحلة، وليست موجودة في أي نوع فني أو تقني آخر، وهي جمالية الرسوم عبر “البكسل”.

الحضور الطاغي لشخصيات ألعاب تلك المرحلة، انعكس على السينما؛ ففي التسعينيات، استغل صناع السينما حب الجمهور لتلك الشخصيات ليقحموها في أفلامهم، مراهنين على نجاح الفيلم بسبب شهرة تلك الشخصيات، وبغض النظر عن السيناريو أو الإخراج الضعيف لتلك الأفلام، ونذكر منها فيلم super mario bros عام 1993، وفيلم street fighter عام 1994، والذي جسد بطولته جين كلود وفان دام، ولم تحقق تلك الأفلام الإيرادات المتوقعة، وفشلت في جذب الجمهور، إلا أن ذلك لم يردع المنتجين عن الاستمرار في إنتاج أفلام لشخصيات ألعاب الفيديو، وفي عام 1995 أنتج أول جزء من سلسلة أفلام Mortal Kombat، واعتمد الفيلم على حبكة اللعبة الأصلية، وحقق نجاحًا جماهيرًا كبيرًا، وأنتجت بعده العديد من الأفلام المستمدة من ألعاب الفيديو، حتى الحديثة منها، مثل doom وفيلم silent hill وغيرها.

ولم تكن ألعاب الفيديو مخزنًا تعود إليه السينما لاستنساخ أبطالها فحسب، بل شكلت مربّعات البكسل الصغيرة وجمالياتها ذوقًا فنيًا جديدًا، واختيارًا فنيًا توجّه له العديد من الفنانين في لوحاتهم ومنحوتاتهم في السنين الأخيرة، فالرسوم المبكسلة تحولت إلى خيار فني في العديد من الفنون كالرسم والسينما أيضًا، ولم يعد وجودها مرتبطًا بالضعف التقني، فترجم الحنين العاطفي لتلك المربعات في السينما، عن طريق فيلم Pixels، حيث تغزو كائنات فضائية كوكب الأرض على شكل شخصيات عالم البكسل والمربعات.

ورغم العدد الكبير من شخصيات ألعاب الفيديو في تلك الحقبة، تبقى شخصية “السوبر ماريو” هي الأقوى حضورًا بالأعمال الفنية على مختلف أنواعها، فاستطاعت أن تحجز مكانًا ضمن أغلب الأشكال الفنية الجديدة التي أنتجتها التقنيات الحديثة في الألفية الثالثة.

ويبدو أن رغبتنا لمعرفة حياة الشخصية التي عايشناها في ألعاب الطفولة، أو تخيّل مصيرها، أنتجت العديد من الأعمال الفنية، ففي الآونة الأخيرة قامت قناة Nukazooka، وهي قناة روسية على “اليوتيوب”، بإنتاج العديد من الفيديوهات التي حاولت أن تقحم “ماريو” في سياق فني ودرامي، وأشهرها فيديو بعنوان “العالم السفلي”، وحاول فيه المخرج أن يتخيّل مصير الشخصية بعد الوقوع من الهاوية، فأوجدها في عالم الموت المشابه للحياة الواقعية، وسط العديد من النسخ الميتة، والتي يتغذى عليها زومبي أخو “لويجي”، فتمكّن من خلال لوحة فنية قصيرة أن يعبر عن هواجس مرعبة تفصلنا عن شخصية ألعاب الفيديو التي نحبها.

من ناحية أخرى، حضرت شخصية “ماريو” في أشكال مختلفة من الفيديو، حيث حاول بعض الناشطين السوريين استثمار علاقتنا بالشخصية للتعبير عن أفكارهم، فانتشر منذ قرابة السنتين فيديو يطابق لحد بعيد صورة “ماريو” في ألعاب الفيديو، ومن خلال بعض العبارات وبعض المؤثّرات المضافة، روى الفيديو حكاية رحلة الهجرة التي استنزفت أرواح السوريين وأموالهم.

وفي الأيّام الأخيرة أيضًا، استخدم بعض الناشطين شخصية “ماريو” في فيديو جديد، مستوحى من نوع ألعاب فيديو حديث، وهو “الواقع المعزز”، وفيه أُدمجت شخصية “ماريو” بصور من الدمار الذي تشكل في شوارع حلب، للتعبير عن هزلية الواقع من خلال شخصية لعبة الفيديو، فاستطاع منتجو الفيديو الأخير سحب الدلالة الرمزية للشخصية العدمية في ألعاب الفيديو، وإقحامها في فضاء مغاير، لينتج رموزًا ودلالات متطوّرة، ويستفيد من جماليات ألعاب الفيديو في فترة الثمانينيات بتقديم لوحة فنية، من الممكن تصنيفها كـ”فيديو آرت”، ولتؤكّد جميع هذه الفيديوهات القيمة الكبيرة في العودة لجماليات الثمانينيات في خلق جماليات وأشكال فنية جديدة.

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]