‘نيو يورك تايمز: “تركيا وروسيا والاغتيال: شرح للأزمات المتكررة”’
26 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2016
أحمد عيشة
تركيا وروسيا، حيث ساعدت علاقاتهما المتأرجحة في تشكيل الحرب السورية وأزماتها اللاحقة، تقاسمتا صدمة جديدة يوم الإثنين 19 كانون الأول/ ديسمبر، بعد اغتيال ضابط شرطة تركي مسرّح من الخدمة، سفيرَ روسيا، وقد سببَّ مقتل أندريه كارلوف في أنقرة قلقًا عالميًّا، وأثار تساؤلاتٍ حول عواقبَ أكبر.
على وسائل التواصل الاجتماعي، استعاد كثيرون أوجه الشبه بين ما حدث واغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند النمساوي، الذي ساعد في إشعال الحرب العالمية الأولى، مقارنةً والحمد لله، رفضها المحللون.
لم تعلن أيُّ جماعةٍ مسؤوليتها عن الهجوم الذي وقع في معرضٍ فني في العاصمة التركية، حيث كان يتحدث السيد كارلوف. صرخ المسلح، الذي قُتل في مكان الحادث من جانب قوات الأمن، “الله أكبر” باللّغتين العربية ومن ثم قال بالتركية: “لا تنسوا حلب. لا تنسوا سورية” ما يُلمّح إلى دافعه: أنَّ سلاح الجو الروسي كان جزءًا أساسيًّا من الهجوم الناجح الذي شنّته الحكومة السورية على المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في حلب، والذي شمل هجماتٍ واسعةَ النطاق على المدنيين. وفيما يلي تفسير لما تعنيه الحادثة لكلٍ من تركيا وروسيا وسورية والولايات المتحدة.
هل يمكن أن تؤدي هذه الحادثة إلى الصراع بين تركيا وروسيا؟
يبدو أنه من المستبعد جدًا. حتى الآن، يعمل البلدان على إدارة الحالة، ويرسلان إشاراتٍ للتعاون، وأنهما متفقان في تفسيراتهما لما حدث، مشيرين بأصابعهم إلى الأعداء المتبادَلين لهما، ولكن ليس إلى بعضهما. والسبب هو سورية؛ ففي الأشهر القليلة الماضية، حيث احتملت كلٌّ من تركيا وروسيا الآلام نتيجة تبنّي إستراتيجياتهما السابقة، والمتضاربة هناك.
عارون شتاين، وهو خبيرٌ تركي في المجلس الأطلسي، قالها بصراحة: “تحتاج تركيا إلى روسيا لتعزيز مصالح حربها، وروسيا تحتاج إلى تركيا حتى تفوز، كونها تحدّد الفائز في سورية، وأمام كلٍّ منهما الحافز للتعامل بمثل هذا الرشد”. يمكن لأزمة قتل السفير أن تُعرِّضَ للخطر حصص البلدين في سورية -أو ما هو أسوأ؛ إذ تُحيي توترات العام الماضي المزعزعة للاستقرار- لذلك فهما يعملان على تهدئة الأمور.
لماذا كان هناك توترًا بين تركيا وروسيا؟
أيضًا بسبب سورية، مما يدلّ على حساسية الوضع، ويدلّ على ذلك أيضًا، أنَّ كلا البلدين مهتمّ جدًّا بحماية أجندته السورية، ما يجعل حتّى قادتهما الوطنيّين -والذين يشتكون من المظالم- يهدئون الأمور. كان البلدان، وإلى حدٍّ ما مستمرّان، على طرفَي نقيض في الحرب السورية، حيث تعارض تركيا الرئيس السوري بشار الأسد، وتدعم الجماعات المتمردة، بينما تدعم روسيا الأسد، وتدخلت في الصراع لمصلحته في خريف عام 2015.
بعد فترةٍ وجيزة من تدخل روسيا، بدأت الطائرات في قصف المتمردين المدعومين من تركيا وحلّقت –كما تقول تركيا- على طول الحدود التركية السورية. في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، أسقطت تركيا طائرةً روسية، ما عجَّل في أزمةٍ كبيرة ومخاوفَ من اندلاع حرب، ما كان سيجرَّ الولايات المتحدة، المرتبطة مع تركيا بمعاهدة دفاع، كونها عضوًا في حلف الناتو، وتريد تجنب التصعيد في سورية. في ظل هذه الظروف، كان يمكن لاغتيال السفير أن يُثير نزاعًا أكبر من ذلك، ولكن على مدى العام الماضي، تغيّرت العلاقة بين البلدين بشكلٍ واضح.
كيف تحوّلا من عدوّين إلى شريكين؟
بعد سنواتٍ من السعي لإسقاط الرئيس الأسد، تحولت تركيا هذا الصيف إلى إستراتيجيةٍ أكثر تواضعًا: منع الجماعات الكردية السورية من قضم وتجميع الكثير من الأراضي على طول الحدود، حيث غيّر هذا من سياسة البلاد مع روسيا.
وتخشى تركيا من أنَّ السيطرة الكردية على الحدود من شأنها أن تعزز النزعة الانفصالية الكردية في تركيا، حيث تستمر الحكومة في قتال الجماعات الكردية، وبعضها ينفذ هجماتٍ إرهابية.
وقد غيَّر انضمام روسيا إلى الحرب أيضًا حسابات تركيا، جاعلًا من الحملة ضدّ الأسد، فجأةً، أكثر تكلفةً، وأقلَّ توقّعًا للنجاح. روسيا، من جانبها، كافحت في البداية لكسب أرضيةٍ ضد المتمردين السوريين، الذين يتلقى بعضهم الدعم التركي، ويبدو أنَّ موسكو قد توصلت إلى أنَّه من الأفضل التعامل مع تركيا كشريكٍ بدلًا من عدو.
ويبدو أنَّ البلدين قد توصلا إلى اتفاقٍ غير رسمي: أن تتخلَّ تركيا عن دعمها لبعض المتمردين الذين يهددون المصالح الروسية في سورية، وأن تتخلَّى روسيا عن دعمها للجماعات الكردية السورية، كما سمحت روسيا أيضًا للقوات التركية والميليشيات المتحالفة معها باحتلال أراضٍ حدوديةٍ سوريّة كانت تسيطر عليها سابقًا الدولة الإسلامية والأكراد.
ودعا السيد شتاين من المجلس الأطلسي الاتفاقية بـ “حلب مقابل الباب”: أن تأخذ روسيا والأسد حلب، في حين تأخذ الميليشيات الحليفة لتركية بلدة الباب ذات الموقع الإستراتيجي. ولأن المدينتين متجاورتان تقريبًا، تستفيد الحملات التركية والروسية من بعضهما، وفي الوقت نفسه، لا تبعد قواتهما إلّا مسافة ميلٍ تقريبًا عن بعضهما، وسيكون -وبكل بساطة- من الصعب جدًا السماح بانهيارٍ كبيرٍ إثر اغتيال السيد كارلوف.
هل سيغير الاغتيال شيئا؟
لا يوجد ما يشير حتى الآن إلى أن تركيا أو روسيا ستغير سياساتها السورية، إذا كان أي تغيير، فالهجوم قد يرسخ الشراكة بينهما. توقع السيد شتاين أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان سيسعى لصرف الانتباه عن سياسة حكومته التي لا تحظى بشعبية تجاه سورية، بأن يعلق الهجوم على رجل الدين التركي الذي يقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن، والذي اتهمه إردوغان أيضًا بمحاولة الانقلاب في تركيا هذا الصيف.
لقد نفى السيد غولن التهم، كما رفضت واشنطن تسليمه بسبب عدم كفاية الأدلة، ما سبب توتّر العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، وعلى الرغم من أنَّ هذا التوتر يخدم أردوغان بمساعدته لحشد الدعم في الداخل، حيث أمريكا هي التي لا تحظى بشعبية. وأضاف “ستكون واشنطن هي الخاسرَ الأكبر من هذا، إنَّه أمرٌ غير منطقي تمامًا، ولكنه من واشنطن”.
اسم المقالة الأصلي Turkey, Russia and an Assassination: The Swirling Crises, Explained الكاتب ماكس فيشر، Max Fisher مكان النشر وتاريخه نيو يورك تايمز، The New York Times
19 كانون الأول /ديسمبر 2016
رابط المقالة
http://www.nytimes.com/2016/12/19/world/europe/what-happened-turkey-russia-assassination-analysis.html?mabReward=CTM&recp=0&action=click&pgtype=Homepage®ion=CColumn&module=Recommendation&src=rechp&WT.nav=RecEngine&_r=0
اسم المترجم أحمد عيشة
[sociallocker] [/sociallocker]