السيكولوجيا العربية والاسلامية في طريقة التعاطي مع مواقع التواصل الاجتماعي

27 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2016

6 minutes

كومنت: الصحفي شعبان عبود

لو كنت طالبا جامعيا اليوم لكنت اخترت عنوان مشروع تخرجي، او رسالة الماجستير او الدكتوراة لتكون: “السيكولوجيا العربية والاسلامية في التعاطي مع وسائل التواصل الاجتماعي”. واعتقد اني سأقوم بدراسة فريدة وضرورية من الناحية العلمية ومثيرة بما ستقدمه من حالات وأمثلة وخلاصات.
ما يدفعني لقول ذلك هو المشاهدات لطريقة تعاطي الكثير من العرب والمسلمين مع وسائل التواصل الاجتماعي مثل “فايسبوك” و”توتير” و”انستغرام” وغيرها..ان طريقة التعاطي هذه تختلف عن بقية الشعوب الأخرى وتختلف عن الغاية التي وجدت من أجلها هذه الوسائل، وبنفس الوقت فهي طريقة تعاطي تعكس الكثير من الأمراض الاجتماعية والاشكالات الثقافية، إضافة للظروف السياسية والأمنية التي تمر بها العديد من الدول العربية.
من الأمثلة على ذلك، ملاحظة أن العرب والمسلمين هم الأكثر استخداما لهذه الوسائل للتعبير عن موقف سياسي او ديني او احتجاجي ضد الأنظمة والحكومات المحلية، وهذا مفهوم تماما في ضوء غياب حريات التعبير وبقية الحريات السياسية، لكن بنفس الوقت ربما هم الاكثر استخداما لحسابات وهمية وأسماء مستعارة. ربما يكون ذلك مبررا في دول وانظمة قمعية ، لكن ما هو غير مفهوم ان الكثيرين ممن يستخدمون الحسابات الوهمية والاسماء المستعارة لا يتعرضوا لضغوطات أمنية ومنهم من يعيش في دول أوروبية وغربية، كذلك فإن نسبة كبيرة من النساء تفضل استخدام الحسابات الوهمية والاسماء المستعارة رغم انهن لا يكترثن للسياسة او الدين. هناك أيضا فئة تستخدم اسماءها الحقيقية، لكنها تتحفظ مثلا في التعبير عن رأي واضح، أو وضع صورة البروفايل، ويفضلون وضع صورة ما، أحيانا رمزية، وأحيانا اخرى صور لولد من الأولاد او بنت من البنات.
هنا النساء أكثر من يلجأن الى ذلك، ففي ثقافة الكثير منهن ان نشر الصورة الشخصية “عيب وحرام” او يستدعي المشاكل الشخصية و للعائلة وقد يتسبب بنوع من التحرش الإلكتروني. حتى الاسم الحقيقي للمرأة او الفتاة فهو غير محبب ويتم استبداله باسم بنت من بنات المرأة اذا كانت متزوجة، او كلمات وتعابير رومانسية او دينية. طبعا محيط الفتاة او المرأة العائلي و الخاص هو فقط من يعرف صاحبة الحساب. في هذا السياق يلاحظ ان النساء أكثر من الرجال والشبان في اللجوء الى فتح واستخدام حسابات متعددة ، منها للتواصل مع الاقارب والاصدقاء والمعارف، وهم دائرة ضيقة جدا، ومنها للتلصص على نساء اخريات او شبان ورجال آخرين لسبب ما. هنا لا بد من ملاحظة ان هناك من النساء من تفتح حسابا باسمها الحقيقي ولا تواجهها مشكلة شخصية في نشر صورها او صور افراد عائلتها، او التعبير عن آرائها، لكن غالبا ما تكون هذه السيدة قد تجاوزت الخمسين من العمر. طبعا كل ذلك لا يعني ان جميع النساء يفعلن ذلك، لكن نسبة كبيرة منهن.
أما على موقع “انستغرام” فإن ما هو جدير بالملاحظة ان الفتيات والمراهقات في المجتمعات العربية والاسلامية يفضلنه على مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، ربما بسبب قلة استخدامه من قبل الشبان، او ربما بسبب الحرية التي يتوقون اليها من خلال نشر الصور. يلاحظ هنا ان الفتيات غالبا ما ينشرن صورا جريئة غير مقبولة اجتماعيا، او لا تلقى قبولا من الاهل.
المسألة لا تقتصر على النساء وحدهن، فنسبة كبيرة من الرجال تلجأ الى اسماء وهمية وحسابات متعددة على مواقع التواصل الاجتماعي، واذا كان مبررا للمرأة ان تلجأ الى هذه الأساليب المخادعة بسبب الثقافة الذكورية السائدة والقمع الديني والاجتماعي للمرأة، فإنه من المستغرب ان يختبأ الكثير من الرجال والشبان خلف اسماء وهمية رغم عدم تعرضهم لضغوطات امنية او تجاوزهم لتلك الضغوط. واذا كانت الكثير من النساء يتحفظن على نشر صورهن الشخصية أو صور اولادهم غير الاطفال والشبان، فإن الكثير من الرجال في هذه المجتمعات، يتحفظن على نشر صور زوجاتهن و بناتهن بنفس الوقت الذي يفاخرون به بنشر صور اولادهم الصبيان على الملأ وبشعور من الرضا والفخر. منهم من ينشر صورا لاولادهم وبناتهم، لكن بشرط ان يكونوا اطفالا فقط.
هذه النوعية من الشبان والرجال، تبدو طبيعية أمام الجميع، لكنها في الحقيقة تعتقد في داخلها انها مراقبة من قبل المجتمع وممثلي السلطة الدينية. او ربما لقناعات خاصة ان في هذا النوع من النشر، انتهاكا للعادات والتقاليد والثقافة السائدة. الثقافة الذكورية ذاتها التي تفضل الولد على الفتاة، والثقافة الدينية ذاتها التي تحرّم ظهور المرأة على الملأ. انها بصراحة عملية يمكن وصفها “بالتحجيب الالكتروني”.
وعدا عن موضوع المرأة، هناك الكثير من الشبان والرجال في مجتمعاتنا ما زالوا يصرون على الاسماء المستعارة والوهمية، في تعاملهم وتعاطيهم مع فضاء السوشال ميديا وذلك رغم زوال او عدم وجود تهديدات امنية او تهديد للسلامة الشخصية. ربما يجد هؤلاء فرصة للتعبير من خلال هذه الاسماء الوهمية عن أرائهم السياسية او الدينية او المجتمعية بشكل صادق ومنسجم مع قناعاتهم التي تختلف عن قناعات المجموعات التي يعيشون بينها. في هذا السياق لوحظ ان الكثير من اصحاب هذه الحسابات يقدمون آراء ومساهمات متطرفة ، ويمارسون القمع للآخر، ولا يكترثون للآداب والأعراف الأخلاقية و الاجتماعية. هم يشعرون انهم اكثر حرية في التعبير عن ذواتهم وما يشعرون به عندما يستخدمون اسماء وهمية. لكنهم لا يتجرؤون على مواجهة احد بهذه المواقف والأراء لو كانوا يستخدمون اسماءهم الحقيقية.
الحديث يطول في هذا الحقل..لكنه حقا يغريني كصحافي وباحث.

“فيس بوك”