النظام يدفع مضايا إلى حافّة التهجير

27 ديسمبر، 2016

مهند شحادة

تشهد مدينة مضايا المحاصرة، شمال غرب العاصمة السورية دمشق، لحظات حاسمة، بعد وصول المفاوضات المتعلقة بمصير المنطقة إلى مُربّع التهجير، في سياق سياسة التغيير الديمغرافي التي ينتهجها النظام ضد المناطق الخارجة عن سيطرته في محيط العاصمة، إذ تسارعت التطورات في ملف مضايا- الزبداني، في عقب استعادة النظام وحلفائه السيطرة على مدينة حلب، وإصرار طهران على إدراج ملف بلدتي كفريا والفوعة، من ريف إدلب، المُحاصرتين من قوات المعارضة السورية، ضمن المفاوضات الخاصة بشأن حلب، وهو ما أدى إلى أن تكون مضايا والزبداني تلقائيًا في مسار التسوية، بعدّ مصيرهما يرتبط بمصير كفريا والفوعة، وفق الاتفاق المعروف باسم اتفاق المدن الأربع.

مفاوضات متعثرة

أكد ناشطون من داخل مضايا، أن ملف المفاوضات الخاص بالمنطقة شهد تعثرًا كبيرًا، إثر منع ميليشيا (حزب الله) اللبناني التي تحاصر المدينة، وفدًا من أهالي مضايا في دمشق من الدخول إليها والحديث إلى أهاليها، ثم وضع النظام والحزب “شروطًا تعجيزية لا يمكن الموافقة عليها”، على حد تعبير الناشطين.

طرحت فاعليات المدينة مطلع الأسبوع، مُبادرة لتسوية ملف المنطقة، أبرز بنودها “تثبيت وقف إطلاق النار، وخروج الحالات الطبية الطارئة لتلقي العلاج، ثم تسوية أوضاع المقاتلين والمُنشقّين عن الجيش، بعد موافقتهم على تشكيل لجان محليّة لحفظ أمن المنطقة، وخروج من يرفض التسوية إلى جهة يختارها، وصولًا إلى فك الحصار كليًا، والحصول على ضمانات بعدم التعرض لمن يختار البقاء، وعودة المهجرين قسرًا من أهالي مضايا والزبداني إلى بيوتهم”.

وقال حسام محمود، مدير “الهيئة الإغاثية الموحدة” في مضايا والزبداني، لـ (جيرون): إن “المبادرة طُرحت بتوافق معظم المؤسسات والفعاليات المدنية، إلا أن النظام لم يرد عليها حتى اللحظة”، مُشيرًا إلى أن الجميع في المدينة مُصرّين على أن يُسوّى الملف بالكامل دون نواقص، أو “سينهار الاتفاق”، موضحًا أن ثمة خيارين: إما خروج جميع من يرغب دون شروط، والحصول على ضمانات بعدم التعرض لمن يريد البقاء، أو لن يخرج أحد.

بدورها قالت الناشطة منتهى عبد الرحمن لـ (جيرون): إن “النظام طرح -في البداية- خروج النساء المطلوبات، إضافةً للمقاتلين وعائلاتهم، في حين أنه يوجد في مضايا أكثر من 4 آلاف مطلوب، وهناك ملفات المنشقين عن جيش النظام، والمُتخلّفون عن الخدمة الإلزامية، والناشطون الإغاثيون والإعلاميون والعاملون في الحقل الطبي، في حين أن العدد الكلي الذي طرحه النظام لمن سيخرج لا يتجاوز 1500 شخصًا فقط، وهو ما لاقى معارضة من الجميع، فإما خروج الجميع، أو البقاء، إذ من غير الممكن أن تخرج وتترك وراءك زميلًا لك مطلوبًا لمخابرات النظام”.

وأوضحت عبد الرحمن “أن حجر الأساس في عملية التفاوض بشأن مضايا والزبداني، هو الـ 150 مقاتلًا المرابطين في الزبداني، وبمجرد خروجهم لا يبقى معنى لأي عملية تفاوضية، بالتالي المقبول بالنسبة لنا هو إما تسوية الملف بالكامل، وإلا سنبقى ولن يخرج أحد، ولدينا معلومات شبه مؤكدة أن الناشطين الإغاثيين والإعلاميين والعاملين في المجال الطبي غير مشمولين بملف التسوية، وفي حال أصر النظام على ذلك ستنهار المفاوضات بالتأكيد”.

التهجير أسوأ الحلول

أكدت عبد الرحمن أن تهجير مضايا والزبداني بدأ منذ زمنٍ ليس بالقصير، فـ”التغيير الديمغرافي في مناطقنا، بدأ مذ تم توقيع اتفاقية المدن الأربع، قبل نحو عام ونصف العام، والآن يُستكمل هذا السيناريو بفجاجة وأكثر وقاحة، إذ يمكن القول الآن إن النظام انتصر -مرحليًا على الأقل- فقد استطاع استعادة السيطرة على حلب، وأقحم ملف كفريا والفوعة في المفاوضات الخاصة بحلب، وهو ما يعني حُكمًا تفريغ مضايا والزبداني”.

لفتت إلى أن “أهالي مضايا بسطاء ولا يمتلكون التفكير السياسي العميق، وكل ما يفكرون فيه هو انهاء الحصار بأي طريقة كانت؛ حتى لو كان عبر التهجير، وإنقاذ أطفالهم المُنهكين بفعل الحصار والجوع والبرد، يفكرون بأبنائهم المصابين، والمرضى ينتظرون الموت أمام عجز النقطة الطبية الوحيدة في المنطقة عن تقديم أي علاج، لذلك؛ التفكير العام هنا هو الخروج من هذا الحصار، نهايةً لا أحد يتمنى أن يترك بيته ويُجر من أرضه، لكن حالة اليأس وفقدان الأمل تجتاح الجميع هنا، هل هناك خيار آخر غير التهجير لإنهاء مأساة الحصار؟ سعينا لذلك كثيرًا لكن لم يتغير شيء. هذه هي الحقيقة للأسف”.

“الحكاية في مضايا لم تنته ولن تنته، فالثورة ستبقى مستمرة، بغضّ النظر عن المساحات الجغرافية، وفي النهاية الشعب سيصل إلى ما يريد، مهما غلا الثمن، قد لا نشهد نحن هذا الانتصار، لكن أطفالنا حتمًا سيصنعونه ويعيشونه واقعًا لا مجرد أفكار وأحلام، مضايا ستبقى أيقونة للصمود بوجه أعتى صنوف الإجرام الممارس ضد البشرية” وفق عبد الرحمن.

التهجير ليس حلًا مُنصِفًا بأي حالٍ من الأحوال، بعد كل هذا الصمود أمام الحصار والجوع، -تضيف الناشطة-  فمن القسوة أن تُسأل مضايا، التي وارت أبناءها الموتى بسبب الأمعاء الخاوية والبرد أمام صمت العالم، هل يُنصفها التهجير القسري؟، مضايا كانت تنتظر شيئًا آخر، انتظرت أملًا بقي عصيًا على التحقيق، أي إنصاف بأن تكون النهاية، بعد كل هذا الصمود، تجربة هي الأسوأ إنسانيًا. أن تهجر -مكرهًا-ديارك”.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]