“إسرائيل” والأسد وازدراء الأمم


جيرون

يتفاعل قرار مجلس الأمن الدولي الصادر في 23 كانون الثاني/ ديسمبر الجاري، حول الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، في دوائر القرار الإسرائيلي، وقد عدّه رئيس حكومتها، بنيامين نتنياهو، بمنزلة فخّ نصبته إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لـ “إسرائيل”.

لم تكتف “إسرائيل” برفض أو قبول القرار، أو التعليق على بنوده، بل انتقدت المُنظمة الدولية برمتّها، ووصف نتنياهو القرار بأنه “خسيس وسخيف”، مضيفًا أن دولته “لن تمتثل له”، في الوقت الذي استدعت فيه وزارة الخارجية، سفراء الدول التي وافقت على القرار للاحتجاج على ما فعلته دولهم، كما هدّدت وتوعّدت بمعاقبة الذين أيّدوا القرار. والعقاب -بحسب نتنياهو- “ليس على يد الولايات المتحدة، وإنما على يد إسرائيل”، وعبر ذراعي الاقتصاد والسياسة، وأكدّ أن حكومته ستوقف دعم 5 مؤسسات تابعة لـ “الأمم المتحدة”.

نشأت (إسرائيل) تاريخيًا بقرار فرضته الأمم المتحدة، ترافق مع غضّ النظر عن جرائم حرب ارتكبتها عصابات صهيونية بحق الفلسطينيين، وتشريد مئات آلاف المواطنين عن بيوتهم وأراضيهم والاستيلاء عليها.

القرار الدولي الذي نشأت (إسرائيل) بموجبه، عدّ أن هنالك دولة اسمها فلسطين، على بقية الجغرافيا، التي لم يجر اقتطاعها ونهبها من أصحابها الذين جرى ترحيلهم، لكن ما زالت حتى اللحظة تتأرجح بين قضية، وضيف شرف، وعضوية مراقب، وما إلى ذلك من حضور خجل.

خلال أكثر من نصف قرن من الزمن، كان واضحًا حجم التعالي (الإسرائيلي) على المجتمع الدولي، والاستهتار بقراراته الصادرة عن مجلس الأمن، ومع نشوئها وتطورها خلال تلك المدة، خرجت الدول العربية من كنف الاستعمار، لتدخل في عباءة أنظمة استبدادية عسكرية.

وصل حافظ الأسد إلى السلطة، واستطاع على طريقة الابتزاز الأمني، أن يُثبّت عبر توازن بين الشرق والغرب نظامًا خدميًا خارج إطار الوطنية السورية، ووجدت فيه إسرائيل خير جار تتكل عليه، يُقدّم التبريرات لأعمالها، ويؤدي أدوارًا نيابة عنها.

ورث بشار الأسد نظام العلاقات والتوازن الذي أسّسه أبوه، وعندما قامت الثورة السورية في آذار/ مارس 2011، استعمل الأسد قوته العسكرية برمتها للقمع، وهو مُطمئن ودون أي اكتراث لقانون دولي أو لنقد سياسي أو غيره، وبدأت الصورة تتجلى أكثر؛ لتفضح حجم الترابط العضوي الذي جمع النظامين: الإسرائيلي والسوري.

يُدرك نظام الأسد حينما استخدم السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية، في آب/ أغسطس 2013، أن عواقب فعلته لن تتخطى تحميل البراميل والحاويات إلى خارج سورية، والسماح له بتعبئة براميل وحاويات أخرى من الخردة والبارود، ليكون تدميرها الموضعي أشبه بكارثة يتركها سلاح الدمار الشامل، لكن بمفعول أهم من السلاح الكيماوي، وأقرب إلى النووي بمفعولها التراكمي.

كانت خطوة على طريق إزالة سلاح له ميزة الإبادة الشاملة، من أمام أي نظام مقبل بجوار (إسرائيل) والأسد مُستعدّ ليجد السبل الكفيلة بذلك.

ثمة ما يستوجب المقارنة بين ما حصل من ردة فعل إسرائيلية على القرار الخاص بالاستيطان، والتعالي على المجتمع الدولي، وبين ما يتعامل به النظام السوري في هذا السياق، والمقارنة ليست في صالح (إسرائيل)، فسوقيّة الجعفري أكثر وضوحًا، لدرجة أنه لم يتورع عن القول لمندوبة الولايات المتحدة الأميركية، سامانثا باور، بأن سعرها ضمن سبايا (داعش) 40 دولارًا، دون أن يخشى عواقب إهانة مندوبة الدولة الأعظم.

الثقة التي يتكلم بها النظام السوري، إن كان من خلال رأسه بشار الأسد، أو وزير خارجيته وليد المعلم، الذي ابتلع قارة أوروبا كاملة مع بداية الثورة، وهدد بمعاقبتها، كما تهدد “إسرائيل” اليوم دول العالم، ستبقى تثير الجدل والتساؤلات لفترة طويلة مقبلة، حتى بعد انتهاء النظام.

يبدو أن كلمة السر بين تلك الأنظمة في منطقة الشرق الأوسط، لا يتعدى دورها الوظيفي، ضمن نظام عالمي يضع أفقًا أو سقفًا يُمنع تجاوزه من شعوب بأكملها، فنظام الأسد المُكمّل لدور إسرائيل، والمحاط بدول عظمى تملك (الفيتو) عند اللزوم، يختلف عن إسرائيل في القدرة على تسخير الوظيفة لصالح البيت الداخلي، فلا يمكن القول إن منطلقات نتنياهو لا تعبّر عن مصلحة “إسرائيل”، لكن الأنظمة الفاسدة كالنظام السوري، لا تنطلق من مصلحة البيت الداخلي، بل لخدمة بيت الجيران (إسرائيل)، في سياق خدمة المشروع الأكبر ضد شعوب المنطقة، لتصبح “إسرائيل” نفسها هي الراعي والحامي والمُلهم لتلك الفجاجة التي يجري من خلالها مقابلة المجتمع الدولي من هذا النظام.

إن السوريين المنكوبين عاشوا سِنيّ عمرهم في ظل استبداد متوحش، أثّر في تطور المجتمع وثقافته، وإن مشاهد رقص أتباع حلف “المقاومة والممانعة” على الجثث وهم يتصورون معها “سلفي” للذكرى، هو الهدف الذي تريده إسرائيل؛ ليُغطي ما ارتكبته طوال عقود، بكل ما تضمنته تقارير لجان “الأمم المتحدة” عن تاريخها الوحشي في المنطقة.




المصدر