"الأسد أو نحرق البلد"، قراءة خاطئة للطائفية والنظام في سوريا

قبل اندلاع الانتفاضة في سوريا عام 2011، كنت كلما تطرقت للأمور السياسية مع عدد من المحاورين السوريين من سكان المدن،  كانوا غالباً ما يقولون لي: "أنتم -اللبنانيون- عنيفون وفاسدون وطائفيون وتفتقرون إلى الشعور بالانتماء إلى الوطن". في الحقيقة، لاحظت شخصياَ أن العراقيين يتحملون توبيخاتٍ مماثلة، بصراحة، كان السوريون على حق بدرجة كبيرة، غير أن وجهة نظرهم الحقيقية كانت تكمن في مكان آخر. وبالطبع، فقد كان المعنى الضمني لكلامهم هو أن سوريا تبدو مختلفة في ظل حكم نظام الأسد "بشكل مغاير للسياسات الممزقة في لبنان والعراق، نجحت سوريا ببلوغ حسِ عالِ من الانتماء الوطني والأهداف، وهوية فوق طائفية، لم تكن الطائفية موجودة في حياة السوريين، كما أخبروني. ومما لا شك فيه أن سوريا لم تكن بلداً ديمقراطياَ، بيد أن بشار الأسد تزوج من امرأة سُنية ترتدي ملابس أجنبية أنيقة، وكان باستطاعة النسوة التجول من دون حجاب، ناهيك عن توفر المشروبات الكحولية" هذا هو نمط الحياة الليبرالية من النوع الذي يروق للجمهور الغربي، لكنه في واقع الأمر يخفي أكثر مما يكشف. اعتلى كثير من أبناء الطائفة السُنية مجالات التجارة والسياسة والجيش، وكانت الأقليات تتمتع بحرية العبادة بإرادتها طالما أنها تبقى موالية للأسد، ولا عجب في أن صورة سوريا هذه والتي جرى تسويقها بهذا الشكل إلى حدٍ يُشعِركَ بالغثيان، أخفت جزئياَ الانهيار الحاصل في البلاد خلال الخمسة عشر عاماَ الماضية. وفي الوقت الذي اعترفَ فيه كثير من أولئك الذين يتحسرون على "سوريا الأمس" بأنها لم تكن مثالية، إلا أنهم يبدون غير قادرين على إيجاد الصِلة بين هذه الرواية الرومانسية والكارثة التي تعصف بالبلاد اليوم. في الواقع، في سوريا كما هو الحال في لبنان والعراق، توافرت مُسبقاَ جميع مكونات "الثورة" المزلزلة. هذا ويُعزى تفجير وبلورة المشاعر الطائفية، وتسليحها لظروفٍ كثيرة كالقوة الداخلية والبُنية السياسية وخيارات القيادة. ونشرت "War of the Rocks" مقالتين  تعديليتين لكاتب يكتب باسم مستعار كان قد أعاد إلى الأذهان جميع هذه الأحاديث منذ اندلاع الانتفاضة في سوريا والتي أخذت طابع الحرب الأهلية، وتَجَدُدُ الحرب الأهلية في العراق. وأرُدُ هنا على تقرير الكاتب حول سوريا، إذ أني لستُ مُؤهلاً لمناقشة المسألة العراقية، ولهذا سأمتنع عن تناول هذا الموضوع. يُشيرُ الكاتبُ هنا إلى بعض النقاط المهمة تلك التي تتضمن الحقيقة القائلة بأن حرمان "أهل السُنة" في سوريا والعراق أمرُ مبالغُ فيه غالباً بحيث لا يفسر أو يدعم بمفرده صعود التطرف السُني، وأن السلفية والتكفيرية تُمَثِلُ تهديداً ليس فقط للمجتمعات المتنوعة، بل وحتى للسنة أنفسهم، وأن تناول الصراع السوري من منظور السُنة والشيعة بشكل أساسي هو تبسيطُ له، وأن الهوية "السُنية" مائعة. وبشكل نزيه، رغم أنه مناقضُ لما يؤكده الكاتب وبجرأة، أن ولا واحدة من هذه النتائج هي جديدة أو مثيرة للجدل بشكل خاص. ومن تلك النقطة يبدأ النقاش بالانحدار، إن هذا التقرير والذي جاء لإثبات أن واشنطن قد سقطت ضحية لروايةٍ طائفيةٍ خاطئة متلاعبٌ بها وتؤجِجُها دول الخليج حول الشرق الأوسط، يناقش أنه مدعاةُ لهذه الروايات الطائفية، انشقت الدول الغربية ومن ثم دعمت من يُقاتِلُ نظام الأسد. ويرى الكاتب مجهول الهوية، أن الحل لهذه الفوضى والعنف الطائفي يتجلى في إيديولوجية مُعاكسة تُعزز المواطنة والدولة  العلمانية، هذا النموذج الذي يعكف الغرب على تدميره في سوريا اليوم، نعم لقد قرأتم ذلك تماماً. يراهن الكاتب على نظام الأسد أنه نموذج للمواطنة والعلمانية، وسيكون هذا المؤلف المُتناقِض والمحتمل أنه يتكلم العربية، قد قدم خدمة كُبرى لقرائه، لو أنه ترجَمَ أحد أشهر شعارات الأسد شعبيةَ  والقائل: "الأسد أو نحرق البلد"، هل هذا ما تعنيه المواطنة بالنسبة لك؟!.   إن لمذهب "التعديلية" أتباعه ولهذا فإن مقالاتٍ كهذه تنشر بشكل واسع ومن المُرجح أنها منطلقُ للكثير من مقالات الرأي المدافعة عن عملية أساسية لمراجعة التفكير في السياسة الغربية في سوريا والمنطقة كَكُل. وسيشملُ أولئك الذين جرى إغواؤهم، شرائح سياسية من المجتمع غير راضية تجاه نهج واشنطن، وأولئك الذين يسعون للتحالف مع الأسد، ناهيك عن الساعين لإسقاط الحلفاء التقليديين لواشنطن من العرب لصالح إيران، وأولئك الذين يريدون من الولايات المتحدة أن تنسحب من الشرق الأوسط. ويمكن للمرء هنا التشكيك في وجود آذان صاغية حتى داخل البيت الأبيض. دعونا قبل كل شيء نستغني عن مناقشة السياسة، في هذه الحالة، إن الوهم الذي يبثه الكاتب هنا أن لواشنطن في سوريا أو العراق سياستها القائلة: "السُنة أولاً"، وإذا ما أردنا البدء، فإن المجموعات التي تقصفها الولايات المتحدة هي مجموعات جهادية "سُنية" بامتياز، بينما تتغاضى عن أو تأوي المجموعات الجهادية "الشيعية". وقبل أن يتم تحريف كلامي، فإن هذه ليست حجة لوقف قصف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، أو جبهة النصرة، أو البدء بقصف "حزب الله اللبناني، وميليشيا أبو الفضل العباس العراقية، والأفغان الفاطميون"، أو أيً من عشرات الفصائل الشيعية المقاتلة في سوريا، وإنما هي دعوة للتحليل النزيه. ومما لا شك فيه أن الفصائل التي تُسلحها واشنطن في سوريا هي "سُنية" بامتياز كما ذكرنا آنفا، بل وحتى" فصائل كردية ماركسية-لينينية، كانت قد غدت وبشكل مثير للاهتمام طفل واشنطن المُدلل"، بيد أن أيَ من يتبع سياسة الإدارة الأمريكية في سوريا سَيوقِنُ الآن أن دعماً من هذا القبيل إنما كان مشروطاً ومُقيِداً. وتغيب عن الإدارة الأمريكية، على الأقل الحالية منها، النية بالسماح بانتصار ساحقٍ للثوار "وهو أمر غير محتملٍ إلى حدٍ كبير" تُبَرِرُه المخاوف من الفوضى وسيطرة الجهاديين ولتحافظ واشنطن على ما تقول إنه "ما تبقى من مؤسسات الدولة السورية". إن هذا الخوف بعينهِ بالإضافة إلى مخاطر وتكلفة إيقاف الآلة العسكرية لنظام الأسد، ترجمهُ الكثير من السوريين على أنه سياسة الأمر الواقع من المؤيدين للقتل الجماعي بحق المدنيين "السنة" في مناطق "إدلب، وحلب، والغوطة الشرقية". في هذه المرحلة من الصراع، ليس هناك محللين جادين ممن يدعون لتغيير النظام من النوع الذي يشجبه الكاتب في تقريره. ويتَفِقُ المحللون المسؤولون على الحاجة للتوصل إلى تسوية تشمل ما تبقى من نظام الأسد.   دعونا أيضا نتفحصُ الثورة والتي هي "سنية" بأغلبية كبيرة بلا أدنى شك، ومعارضة بمعظمها للعلويين والشيعة ويسيطر عليها المتشددون على نحوٍ متسارع. وكلما انحرفت هذه الثورة نحو الطائفية والتطرف تضاءلت فرص انتصارها.  وحالي كحال أحد الأشخاص كان قد دعا إلى مزيد من الدعم للثوار عام 2012، "وإلى التدخل العسكري المباشر عام 2013 بُعيدَ استخدام الأسد للأسلحة الكيميائية في قصف غوطة دمشق"، كنتُ قد لاحظت أن دعم الثوار في أوساط السوريين قد تراجع خلال السنوات القليلة الماضية. وتضاءلت الخيارات المتاحة لتسليح فصائل الثوار وغدت أكثر خطورة مما كانت عليه، أولا بسبب الانقسامات  وعدم الكفاءة التركية- الخليجية، وثانياً نظراً لتردد واشنطن وأخطائها المتمثلة "بالتصميم سيء الطالع لبرنامج تدريب وتسليح بعض فصائل المعارضة السورية الذي أعَدَهُ البنتاغون" حيث كان أفضحُ هذه الأخطاء. وحتى ذلك الحين، لا يستطيع المرء أن يسقط من حساباته التواطؤ النفعي للأسد من خلال بروز الحركات الجهادية منذ العام 2003 وكيف أنه هيأ عمداً الظروف للتطرف والطائفية من هذا القبيل.   وخلافاً لنقاشات "سايروس" هناك طيف واسع من الفصائل الثورية في سوريا، هذا وإن تجاهل الكثير من الفصائل التي لا تشترك مع السلفية الجهادية، هو أمر نفعي ومخادع على حدٍ سواء. فتنظيم الدولة الإسلامية ، وجبهة النصرة  هما فصيلا  إبادة جماعية، بينما  ترغب "أحرار الشام" وفصائل سلفية أُخرى بتكرار النظام التمييزي في المملكة العربية السعودية، "إن مما يدعو للحزن أن جميع الأنظمة في بلدان الشرق الأوسط تقوم  بصورة أساسية على التمييز بما فيها إسرائيل، وإيران ، والدول العربية"، غير أن النقاشات حول ما إذا كانت توجد هناك فصائل ثورية "معتدلة"، بدت سامة وخالية من السياق بشكل لا متناه. بالبداية، إن لفظة "المعتدلة" هي المعيار الخاطئ هنا مثلما يحكم الغرب على هذه الجماعات ضد قيمها الخاصة، وإن لفظة "التيار" هي مصطلح أفضل يستخدمه المجتمع السوري كمرجعٍ فضلاً عن أن الكثير من الفصائل تفي بهذا المعيار. وعلاوة على ذلك، إنه لمن الممتع أن ترى محللين يدعون ككاتب هذا المقال، إلى المزيد من الوضوح الغربي في فهم العالم العربي ومن ثم التحرك لتوحيد جميع الفصائل الثورية. والحقيقة أن هناك خلافات مؤثرة بين هذه الفصائل. أخيراً، إن الهدف المُعلن لأولئك الذين يدافعون عن اللجوء للإكراه والتحديد في مسألة تسليح الفصائل الثورية، هو ليس النصر العسكري المستبعد، لكن النفوذ والخيارات في العملية السياسية الرامية للتوصل إلى تسوية تضمن المشاركة السياسية، وحقوق الأقليات، وضمانات أمنية، كما وتهيئ أيضاَ المناخ اللازم للعزل والإضعاف الكُلي للمجموعات الجهادية. وليس لدى دول الخليج كثيرة الافتراء طموح بتنصيب أكثر الأنظمة تطرفاً في دمشق. وفي الوقت الذي يقع فيه اللوم على الحسابات الخطيرة لدول الخليج ورغباتها الكارثية، في مسألة تطرُف الثوار،* رغم أن تركيا هي المتهم الأكبر بذلك*، إلا أنه لطالما رعى الخليجيون طيفاً واسعاً من المحاورين السوريين. لن تعرفوا هذا عَبرَ مقالات هذا الكاتب المَجهول، بيد أن الرياض كثيراً ما تجنبت الجماعات السلفية المقاتلة في سوريا، حيث اتسمت العلاقات بين الطرفين بالصعوبة. وعندما سهلت الرياض تشكيل اللجنة العليا للمفاوضات في كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي، حرصت على كونها متنوعة وواسعة. إنه من المغُري الظن أن السياسة السعودية تحابي السلفيين، ولكن إذا ما نظرنا إلى لبنان فإننا سوف نلاحظ أن عائلة الحريري المدعومة سعودياً تُجسدُ معارضة للسلفية.   يَدعي الكاتب أن تجربته الميدانية ومهاراته في تحدث العربية، قد منحته بصيرة خاصة وفهماً فريداً من نوعه لديناميكية الصراع السوري. ولسوء الحظ، يبدو أن لديه تعريف للطائفية والعلمانية بمستوى سطحية ونفعية التعريف الذي عاتب واشنطن على احتضانها وتقبلها المزعوم له. يقول هذا التقرير إن نظام الأسد علمانيً شامل. ما الدليل؟!. الدليل عبارة عن قائمة مطولة من أبناء السُنة ممن يخدمون في الصفوف الأمامية لنظام الأسد وجيشه، والحقيقة القائلة إن معظم أبناء السُنة يعيشون في مناطق سيطرة النظام والطاعة والدعم التي يقدمها سُكان المُدُن والنخب التجارية السُنية، بالإضافة إلى العشائر المهمة، للنظام. وعلى أية حال، فإن الأمور التي لم تتم مناقشتها هي دوافع ومحفزات وحسابات هذه الفصائل. لم يرد إلا القليل عن نظام الاستقطاب والإقصاء والإكراه الذي بناه نظام الأسد على مدار عقودٍ خمس. كان "حافظ الأسد" يرى في "البعثية" أنها أيديولوجيا لن تتجاوز ببساطة فحسب، بل ستسحق الأشكال الأخرى للهوية السورية، وحتى عندما كانت السلطة تتركز أكثر من أي وقت مضى في أيدي شخصيات من الطائفة "العَلَوية". إن تجربة الهندسة الاجتماعية والقويمة العربية هذه، أثبتت فشلها في عموم المنطقة. وبطريقةٍ نموذجية، تَبَنَى النظام السوري سياسة "فَرِق تَسُد". ولقاء مناصب ومنافع محلية، فقد كَبَحت العشائرُ السُنية جماح سكان مدينة حلب في عهد الرئيس حافظ الأسد.  وعندما سيطر الثوار على القسم الشرقي من حلب، توجهوا على الفور لقتل شيخ عشيرة "بري"  وهو "لص وقاتل"  مَحلي عَمِل على تنفيذ أوامر الأسد. أما في منطقة الجزيرة، فقد أُوكلت إلى العشائر العربية مهمة قمع  واحتواء الأكراد أيضاً لقاء أراضٍ ومصالح أخرى، على أية حال لم يُسمح سوى لشيوخ العلويين بمعالجة مسألة الخلافات داخل الطائفة. يَرتكب كاتب التقرير هذا خطاَ شائعاً بِخلطِه بين مفاهيم" الطائفية المتقاطعة" و "غير الطائفية" والعلمانية" ، و بين "الليبرالية و"نمط الحياة الليبرالية". إن الطائفية المتقاطعة هي الإظهار المُتمرِس والعلني للتسامح الديني حتى مع خضوع البُنى السياسية لقوانين طائفية. في سوريا ولبنان، تعمل الرؤية المطمئنة والمجردة بوضوح  لرجال الدين والسياسيين السنة والشيعة والعلويين والمسيحيين والدروز الذين يُشيدون بالتعايش السلمي فيما بينهم، لغرض التشويش على القضايا الأساسية. بالمقابل، سقط الكثير غيرهم بالفخ نفسه، وبشكل ملحوظ  من"المسيحيين المحافظين واليساريين، وأعضاء حزب اليمين الذين يتوافدون إلى دمشق".  ومهما يكن، سَيعتقِدُ القارئ أن كاتباً صاحب تجربة كهذا،  باستطاعته التمييز بين هذه المفاهيم وأن يغوص في أعماق مجتمعٍ حيث تعيش المجموعات الدينية والعرقية المختلفة، مع بعضها ليس بانسجام تام، بل بسلامٍ على الأقل. وإن الحقيقة القائلة بأن المعتدلين من العلويين والمسيحيين أو أي مواطن سوري، يثمنون "التعددية" "والعلمانية"، هي أمر مفهوم ومضمون كُلياً. ولا ينبغي لهذه المشاعر أن تُقتَرن مع نية النظام استخدام هذه المفاهيم كأدوات لصالحه. في الواقع، أصبحت الطائفية فكرة تشمل الجميع ويمكن تحريفها بسهولة. ويمكن للطائفية أن تأتي بأشكال وصيغٍ متنوعة إذ تشبه التمييز العنصري بعض الشيء.حيث يمكن أن تكون عفوية، لَيِنة، دفاعية،، فعالة، أو غير مباشرة، وذات طابع مؤسسي، ومهيمنة، أو قاتلة، إلى آخره. إن فارقاَ بسيطاَ كهذا غائبُ عن تقرير الكاتب لأن من شأنه إجباره على التفكير ملياً وبشكل أفضل في طبيعة وبُنية نظام الأسد. كما اختار الكاتب إسقاط أو الاستخفاف بالحقائق المُتعِبة الأُخرى. وبما أن التجنيد إلزامي في الجيش العربي السوري، وأن سوريا "سُنية" بأغلبية ساحقة، فإن"السُنة" سينضمون إليه بطبيعة الحال وعلى نحو غير متناسب. إن وحدات الجيش الأكثر أداءَ وتجهيزاً والتي يمكن الاعتماد عليها أكثر، هي بشكل ملحوظ بيد كبار القادة العلويين مثل "قوات النمر" التابعة لـ "سهيل الحسن".  ويلاحظ "الحسن" أن الجيش الذي يحتفل به كمؤسسة وطنية، يقاتل في سبيل جذب أعداد القوات المسلحة  والاحتفاظ بها، ولهذا يحتاج أن يُستَكمل بأعداد لا تحصى من المقاتلين الشيعة الأجانب. لو كان السُنة يدعمون فعلاً نظام الأسد وبأعداد ضخمة، إذا فما الحاجة لهذه التدابير اليائسة؟! ورغم أن هذه القوات ليست بمستوى إجرام تنظيم الدولة، إلا أنها تبقى وحشية ومتعسفة على نطاق واسع. إن الشيء الأهم من عديد القوات المسلحة أو نسبة "السُنة" في صفوف الجيش العُليا أو المُتَدَنية، هي بُنية الجيش الداخلية والرديفة المعنية باتخاذ القرار. لقد برع النظام في فن وقاية نفسه من الانقلابات وذلك عبر شبكة معقدة من" المحسوبية" في صفوف الجيش حيث ليس من الضروري أن تتوافق السلطة الفعلية لأحد الضباط مع رتبته العسكرية. ويشتكي الضباط السنة المنشقون عن جيش الأسد ومن بينهم رتب عالية، أنه غالباً ما كانت حياتهم المهنية تقتصر على الوحدات الخدمية أو اللوجستية، في حين أن قيادة الوحدات المقاتلة من قوات النخبة كان شأناً علوياً بحتاً في كثيرٍ من الأحيان. كما يشتكي الضباط، أن معاونيهم الشخصيين عادة ما يكونون من العلويين الذين ينقلون كل تحركات الضباط إلى المخابرات العسكرية، ولهذا السبب فقد كان هؤلاء المساعدون أكثر تأثيراً من الضباط أنفسهم.  ومع ذلك، يبقى القول صحيحاً إن العديد من الضباط السنة بقيوا موالين للنظام، *حيث يشرح تحليل بارع قام به "خضر خضور"، أسباب هذا الولاء*. غير أنه يتعين على الكثير من هؤلاء الضباط مراقبة محيطهم والبقاء حذرين. عندما تحدى "رفعت الأسد" شقيقه الرئيس "حافظ الأسد" عام 1984 بقي مساعدو الأخير، السياسيون والعسكريون من السُنة موالين له. ولدى سؤالي مسؤولي الأسد ، العقد الماضي عن هذه الواقعة، كان الجواب مُدهشاً، إذ أن هؤلاء المساعدين المُتفرقين كانوا لا يشكلون أي قوة تسمح لهم بالتحدي، ولكن باجتماعهم قد يتمكنون من مواجهة تحد لبعض الوقت. بشكل مثير للأهمية، لم يستطع المساعدون تغيير الولاء، إذ أن سلطتهم ومنصبهم وحتى حياتهم تعتمد على الأسد نفسه. عَلِقَ الكَثير منهم وكان سيتم التخلي عنهم في ظل "رفعت الأسد". إن الضباط السنة السابقين الذين أدرجهم الكاتب هم مُستأجرون وتم الترويج لهم والإبقاء عليهم كأفراد.  ولنجاحهم تأثير قليل أو يكاد ينعدم على المجتمع المحيط.   دعونا ننتقل إلى الميليشيا التي يشار إليها في كثير من الأحيان "فوات الدفاع الوطني" ، وهي عبارة عن تجمع يضم ميليشيات محلية ذات قدرات وأيديولوجيا متنوعة، بالإضافة إلى ميليشيا الحزب السوري القومي الاجتماعي الفاشية، إن الالتزام بعلمانية النظام نادراً ما يكون الدافع الرئيس للتجنيد. بدأت هذه الميليشيا بالغالب على أنها ميليشيات ذات طابع جماعي في الدفاع عن النفس ثم ما لبثت أن تطورت إلى وحداتٍ مُقاتلة كاملة العضوية، وعصابات إجرامية. كما ارتفع معدل تمثيل الأقليات وزعماء العشائر الذين تم إغراؤهم، في قيادة هذه الميليشيات. ثم ماذا عن المدنيين؟!. كان الكاتب مُحِقاً في طرحه أن الكثيرين من "السُنة" اختاروا عدم المشاركة في الانتفاضة، غير أن تقريره لن يشرح السبب. لقد أجريت وبنفسي لقاءات مع كثير منهم في محاولة لتفهم خيارهم، حيث بدت الأسباب معقدة: فالبعض منهم استفاد من النظام بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ويتمسكون بروايته بإخلاص، بينما يتمتع البعض الآخر بالاستقرار القمعي الذي يوفره النظام رغم أنهم على دراية بكلفته. وتردَعُ بعضَهم الخسائر الكبيرة لتحولٍ غير مؤكد، وصَدَ نظام  الثوار للمعتقدات الإسلامية الكثير منهم *والأقليات بصورة ملحوظة*، ويحاول آخرون وببساطة قراءة المستقبل والمراوغة لأطول فترة ممكنة. أثناء الحروب، تكون أولوية الكثيرين بصورة مُتَفَهَمة هي الحفاظ على حياتهم والنجاة بأرواحهم قبل كل شيء إن تفسير سلوك  الطبقات المُـتحضِرة  من السوريين على أنه دعم فعال لنظام الأسد، هو أمر ساذج في أحسن أحواله، فقد تقلبت المواقف بشكل كبير منذ العام 2011 إذ انخرط البعض بلعبةٍ مُزدَوجة حيث دعموا النظام في العلن، بينما مَوَلوا المعارضة سِراً أو وفروا المساعدات الإنسانية للمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة. التزم الصمت كثير من الأشخاص الذين أتواصل معهم في دمشق من أنصار المعارضة  بعد أن رأوا الثمن الذي دفعته كل من حمص وحلب. وكان القصد من تدمير هذه المدن هو ردع أي اضطراب في المدن الأخرى. هذا وبقيت الطبقة الاجتماعية المتوسطة في مدينة حماه، والتي تكره الأسد إلى أبعد الحدود، مَصدومة من مجزرة المدينة عام 1982 بالإضافة إلى تدمير قسم كبير من المدينة، ولهذا لم ترغب بالثورة كما فعلت الجارة "حمص". وبدورهم، انتقل الكثيرون من السنة ممن يقطنون الغوطة الشرقية، للعيش داخل المناطق التي يسيطر عليها النظام في العاصمة هرباً من قصف الأخير. وكما يعرض الكاتب "Stathis Kalivas" "  في الحروب الأهلية، كثيراً ما تلعب ديناميكيات الصراع دوراً بارزاَ في إعادة صياغة الولاءات والأفضليات لا سيما من جانب صاحب الأداء العسكري الأقوى من بين الأطراف المتحاربة". كنتُ في بيروت شهري "آب وأيلول" من العام 2013 أنتظرُ كالجميع، الضربات العسكرية التي أعلن الأمريكيون والفرنسيون عزمهم شنها ضد نظام الأسد بعد استخدامه السلاح الكيماوي. تدفقت أعداد كبيرة من الطبقة العُليا السنية إلى المدينة بحثاً عن الملاذ. وتغير حال هؤلاء السوريين الذين لم ينبس الكثير منهم ببنت شفة ضد النظام على الملأ منذ العام 2011، وراحوا فجأة ينتقدون الرئيس الأسد بقسوة في المقاهي كما تَمنوا موته وزواله. وعندما تم إلغاء الضربات بشكل مفاجئ، تغير المزاج إلى حدٍ كبير عندما أحسوا برياحِ التغيير، شعر المتعاطفون مع المعارضة بالحزن وأنه تم التخلي عنهم، وتغير موقف المعتصمين إما إلى اليأس أو الموضوعية وعدم التحيز، بينما انضم آخرون إلى طرف النظام. وكلما شعر هؤلاء الناس أن الأسد سينتصر *شكراً للدعم الروسي والإيراني* وسيتمتع بالشرعية الدولية و *رضوخٍ غربيٍ مُحتمل*، ظلوا خجولين أو متمسكين بالأسد. إنها لحقيقة ملحوظة بالطبع  أن معظم السوريين و*من بينهم السنة* يفرون إلى مناطق سيطرة النظام. ويرمي الكاتب مجهول الهوية، بثقلٍ كبير على هذه المسألة. بعض هؤلاء موالين للنظام بكل تأكيد أو أنهم فَروا من حكم الثوار أو الجهاديين. ولكن إليكم بعض الاعتبارات الرئيسية للمهجرين داخلياً: البراميل المتفجرة والقذائف التي تهطل على مناطق سيطرة الثوار، تجعل من الحكم المحلي  وتوفير الخدمات أمراً مستحيلاًـ على عكس مناطق النظام حيث تعمل المنظمات الدولية وغير الحكومية على توفير المساعدات الإنسانية التي لا يسمح النظام بدخولها إلى المناطق المحاصرة والتي تسيطر عليها المعارضة. ثم ماذا بشأن خمسة ملايين لاجئ يشكل "السنة" معظمهم؟!. إن لعنف نظام الأسد منطقُ يفسره، إذ أنه لا يمكن أن نلوم النظام على سوء انضباط الميليشيات العلوية كما يفعل الكاتب فيما يتعلق بمجازر " الحولة" أو "بانياس". إن طبيعة ومدى عنف النظام هي ذات طابع استراتيجي في شكلها وتأثيرها، حيث يمضي الأسد بممارسة سياسة الرعب والحصار والتهجير من المناطق الرئيسية، واضعاً في حساباته أن إعادة كسب ولاءات الطبقة السنية الوسطى والدُنيا هو أمر مستبعد إلى حدٍ كبير وبالتالي فهي لا تستحق وبكل تأكيد الموارد ورأس المال السياسي، ولهذا فإن تدمير نصف البلاد أفضل من تسليمها لفصائل المعارضة.   ويستخف الكاتب على نحوٍ مبتذل بالمنطق الطائفي لاستراتيجية النظام،حيث لم يرد ذِكرُ إيران  في مقالات الكاتب إلا بصورة عابرة ، بينما ذُكِرَ "حزب الله" بمفرداتٍ حميدة. ليس تواجد حزب الله وإيران في سوريا بسبب سياسة القوة ببساطة، حيث أن كلا الطرفين رُعاة للطائفية، ليس من النوع القاتل كتنظيم الدولة، بل من ذاكَ المُهَيمن. ومثلما ناقشتُ مع محللين آخرين، فإن القتال على طول الممر شمال شرق لبنان باتجاه حمص والغرب جاء في أعقاب تهجيرٍ طائفي استراتيجي. جرى مهاجمة القرى السُنية وإخلاؤها بُغيةَ تأمين ممر قريب وآمن  للنظام وحزب الله من بيروت إلى دمشق وحمص. وكان بعض العلويين الذين حادثتهم قد أثاروا أحياناً فكرة الاستمرارية الإقليمية من شمال غرب سوريا إلى لبنان من أجل ربط العلويين مع شرائح المجتمع اللبناني من غير السُنة. يبقى هذا السيناريو بعيدَ المنال، لكن هذا التفكير الطائفي يحقق نجاحات. لقد سافر الكاتب وبوضوح في عموم سوريا، وربما كان باستطاعته زيارة قرية "تل كلخ" السُنية والمحاذية للحدود السورية اللبنانية، حيث انضم سكانها للانتفاضة منذ مراحلها الأولى، وأن يبحث في الحكاية من الألف إلى الياء. وتُظهر دراسات الجغرافيا السياسية للانتفاضة *كدراستي مثلاً*، أن ما حدث كان لتغيير الاقتصاد السياسي والطائفية، وكانت هذه القرية حالها حال القرى العلوية المجاورة، تعتاش على التهريب مع لبنان والذي سمح به المسؤولون السوريون الفاسدون مقابل تلقيهم رشوة. وعندما شرعت الحكومة في برنامج تحررها المعيب، فرضت الخناق على أمن الحدود، كان المستفيد الرئيس من هذه الخطوة هم أقارب الأسد الذين قاموا بفتح متاجر السوق الحرة على الطريق السريع بين سوريا ولبنان. ولكن، في الوقت الذي توجَبَ على المُهربين في "تل كلخ" التخلي عن عملهم *حتى مع استمرار إجبارهم على دفع الرشاوى*، إلا أن المسؤولين الحكوميين غضوا الطرف عن تدفق البضاعة المهربة من وإلى القرى العلوية. انتشر الفقر وتنامى الاستياء وتمكن المهربون "السنة" من الحصول على  الدعم والأسلحة الخفيفة عن طريق أقارب لهم من العشائر في "وادي خالد" عبر الحدود اللبنانية. أما البقية فهي تاريخ دامٍ، فقد تم قمع "تل كلخ" الآن والكثير من أهلها أضحوا لاجئين.    ويتحسر الكاتب بحق على وجود الطائفية والسلفية بين "الطبقة السنية الريفية، وتلك المتحضرة الفقيرة"، لكنه لا يتساءل عن السبب بالإضافة إلى إلقاء كامل اللوم على المملكة العربية السعودية. في الحقيقة، تستحق السعودية كثيراً من النقد ولكن كما قال الكاتب"Greg Gause"": "فَقَدَ السعوديون السيطرة على السلفية العالمية منذ ثمانينات القرن الماضي، هذا إذا ما افترضنا وجودها أساساً". لا تُصَدِرُ الحكومة السعودية أيديولوجيا من شأنها أن تكون أداة لقوة الدولة، وبدل ذلك وبسبب التشابكات الداخلية المُعقدة،  عملت المملكة على تقوية جهاتٍ دينية شبه حكومية وغير حكومية، قامت بدورها بنشر نسخٍ متطرفة للإسلام السُني، حيث كان للمملكة السيطرة البسيطة أو حتى المعدومة على تلك الجماعات. ولا تخلو العلاقات بين الرياض وحركتي "أحرار الشام" و "جيش الإسلام"من التوترات، وهما فصيلان سوريان يضمان ثواراً سلفيين. وحتما لا يمكننا مقارنة هذه العلاقات مع نظيراتها الأساسية والمنظمة بين "إيران" و"حزب الله" أو أيٍ من الميليشيات الشيعية الرئيسية في العراق. في الواقع، إن تداخل الطائفة أو الطبقة *التي كان الكاتب يوليها اهتماماً ضئيلاً* والجغرافيا، توضح ديناميكية الصراع المعقدة أفضل من تركيز الكاتب بشكل أساسي على الهوية السنية من الطِراز السعودي.   العصبية: إن الطائفية لا تستوعب مطلقاً التعقيدات هنا،  فروابط الطبقة أو العشيرة أو الجماعة بالإضافة إلى الفجوة بين الريف والحَضَر والجغرافيا وعوامل أُخرى، كلها بالغة الأهمية في تنظيم المجتمعات العربية. "العصبية" *القرابة أو تضامن المجموعات*، هي مفهوم تفسيري أفضل بكثير لواضعي السياسات والمحللين والمراقبين. وإذا كانت قراءة ما كتبه "ابن خلدون"، المؤرخ الإسلامي والمتخصص بعلم الاجتماع في القرن الرابع عشر، بالشيء الكثير، فلنجرب "Michel Seuart"". كتب عالم الاجتماع الفرنسي هذا، سلسلة من المقالات بعنوان  Syrie, l’Etat de Barbarie"" ونُشِرَت قبل ثلاثين عاماً، حيث لا تزال هذه السلسلة هي أفضل كتاب لمن أراد فهم نظام الأسد. وفي حادثٍ عرضي، تَعَرَضَ "Seuart" للاختطاف على يد "حزب الله" عام 1985،  ومات في السجن ، بزعم أمرٍ من المُحتَقَر "الأسد الأب". ويساعد مفهوم "العصبية" على تفسير معتقداتٍ أخرى من تلك الكثيرة والخاطئة عن نظام الأسد. فمثلاً، لأنه ينبع من ويعتمد على الطائفة العلوية، يفترض الكثيرون أن العلويين كانوا قد استفادوا من النظام على نحوٍ غير متكافئ، وهذا ما لا تدعمه البيانات والمعلومات المتوفرة. تحسنت ثروات العلويين لأن مستوى تطورهم الأول كان مُتَدَنياً جداً نظراً للحصول المُفَضَل على الوظائف الحكومية والمصالح الأخرى والهجرة المُنَظَمة إلى المدن. لم تأخذ هذه العملية طابعاَ موحداَ أو أسلوباً دراماتيكياً في أوساط العلويين، فقد كان كل من يتنقل بين المناطق العَلَوية، يلاحظ الفروقات الموحِشة في الثروة والتطور. وفي عام 2009، وعندما سألت رجل أعمال "عَلوي" عن هذا الموضوع، فَسَرَ ذلك بالقول إنه كان العلويون بحاجة لربط موقفهم المتطَوِر بنظام الأسد ، ولكن تحويل معظم شرائح الطائفة إلى "الطبقة الوسطى" سيكون هندسة اجتماعية مُكلفة. وقال الرجل إن ذلك سيجعله "غنياً، سميناً وكسولاً", وغير قادر ولا يرغب بالقتال في سبيل بقاء النظام. واحتاج النظام أن يكون العلويون متيقظين ومتأهبين لانتفاضة "سُنية" قوية. لو لم يكن النظام يَتَبِع منطقاَ طائفياَ جشعاً ويرتكز على العصبية، فكيف سيفسر المرء جهود النظام ومنذ سبعينات القرن الماضي، لتنظيم جغرافيةَ العاصمة دمشق بهدف منع الانقلابات، وتشجيع العلويين على أن يسكنوا مناطق غير مناطقهم التقليدية في شمال غرب البلاد، كأن يسكنوا في ضواح معينة في العاصمة؟!. وماذا عن الهندسة الضخمة والتي عانت منها مدينة حمص عام 2000، بعد أن قادت خطط عظيمة لتطويرها إلى طرد آلاف السُنة من مناطق في وسط المدينة، بينما لم يتم المساس بضواحي العلويين؟!، ولماذا انضم "الإسماعيليون" وهم *فرع من الشيعة ، يهددهم تنظيم الدولة*، إلى الانتفاضة في مراحلها المبكرة وبأعدادٍ ضخمة؟!.   الخُلاصة: اعتادَ "ميشيل سماحة" وهو صديق لبناني مُقرَب من نظام الأسد وحزب الله، الدفاع عن تحالف للأقليات بهدف احتواء "بحر السُنة". كان "ٍسماحة" شبه مفكر لزيارات الأجانب لبيروت ودمشق، ويقبع الآن في السجن بتهمة التآمر لتدبير تفجيرات ضد أهدافٍ سُنية أو حتى مسيحية في لبنان بأمر من اللواء"علي مملوك"، مدير المخابرات السورية بهدف تأجيج المشاعر الطائفية. ومن أجل أن يعمل تحالف كهذا المُسمى "تحالف الأقليات" فإنه يتطلب تكاتف الأقليات بالإضافة إلى المُخلصين والمتعاونين من السُنة للعمل تحت غطاء الحزب الأقوى على الساحة. وبصورة مريحة سيعني هذا أن الحزب هو "حزب الله" في لبنان" و"نظام الأسد" في سوريا. وسُمِحَ لجميع الأقلياتِ الأُخرى بممارسة حياتهم اليومية وشعائرهم الدينية مقابل التخلي عن الحديث عن السياسة الخارجية والدفاعية والأمنية والموافقة على سلطتهم ذات الطابع المؤسساتي الداخلي. إن هذا النموذج بعيد كل البعد عن نموذج المواطنة والعلمانية الذي يَدَعي الكاتب أن نظام الأسد هو تَجسيدُ له. وفي حال حدوث أي شيء فإن نموذجاً كهذا إنما ينطوي على مزيد من التدمير. إن العلمانية الحقيقية وذات المبدأ من النوع الذي يحتاجه العالم العربي وأمن الأقليات ستعاني جداً من مسألة جَعلِ القتل الجماعي لعشرات الآلاف من السوريين *معظمهم من السُنة الفقراء والمحافظين* باسم الحفاظ على طائفية النظام المحتالة، الوحشية والنفعية أمراً عقلانياً. "النظام يقتل الكثير ولكن لأسباب مُحقة"، أو "يمارس القتل الجماعي ولكنه لا يسعى لإبادة طائفة كاملة بعينها"، هي نقاشات غير مُقنِعَة. إن تبرير القتل الجماعي الحاصل اليوم بهدف الحيلولة دون وقوع إبادة جماعية كُبرى غداً لا تضمن إلا النتيجة الأسوأ.  وإذا ما افترضنا كما الكاتب، أن المجموعات التي اعتنقت فكر تنظيم الدولة الإسلامية إنما تستحق أن تدفع تكاليفً اجتماعية وربما من نوع آخر, فإن هذه الفرضية تنم عن عقاب جماعي يناقض الأهداف المزعومة بالضمانات، وتتجاهل سبب سماح شرائح المجتمع أحياناً بظهور جماعاتٍ متطرفة. إنه لتعهد شجاع أن ننطلق نحو وجهات النظر الصحيحة الأُخرى وفهم صراعٍ معقد، ولكن إذا كان الأمر كذلك، فإنه من الأفضل للمرء أن يوفر تشخيصاَ ملموساً وحججاً بدلاً من هذا التقرير المغري والماكر بالمطلق والمُسيس والذي يقدمه الكاتب تحت اسمٍ مزيف.   أخيراً، إن أي ادعاءات بقول الحقيقة للسلطة، ربما الادعاء الأكثر جرأةَ للكاتب، ببساطة لا يمكن تقييمها من خلال الكتابة باسم مستعار.   
الكاتب الأصلي:
Emile Hokaym
تاريخ النشر:
27 كانون اﻷول (ديسمبر), 2016
اللغة الأصلية: