مستلزمات الحل السياسي السوري

28 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2016
7 minutes

ماجد كيالي

[ad_1]

طرح الإعلان الثلاثي: الروسي – الإيراني – التركي، في اجتماع موسكو، تحديًا جديدًا على السوريين، ولاسيما المعارضة، بأشكالها السياسية والعسكرية والمدنية، يتعلق بإمكان فرض تسوية ما للصراع السوري، من دون تمكين أي طرف من تحقيق أهدافه، على نحو ملموس، أو متعيّن، وتحدي قبول حل كهذا أو رفضه، أو التعاطي معه بطريقة مرنة، علمًا أن لأي من هذه الخيارات الثلاثة تبعاته ومخاطره ومستلزماته على جميع الأطراف.

وفي الواقع فقد كان يجب توقع محطة كهذه، في أي وقت، بغض النظر عن نجاح هذا الاتفاق أو إخفاقه، إذ لا تدوم ثورات ولا حروب ولا صراعات سياسية إلى الأبد، فكل الصراعات، مهما كانت ماهيتها، أو شرعيتها، أو ضرورتها، لا بد لها من أن تصل إلى نقطة تتوقف عندها، سواء بانتصار طرف على آخر، أم نتيجة قناعة أطرافها، أو أحد أطرافها، بالكلفة الباهظة لاستمرار الصراع، أو بسبب التوصل بين الطرفين المعنيين إلى نوع من مساومة أو تسوية جزئية، يحقق فيها كل طرف من أطرافها بعضًا من المكاسب، وطبعًا ثمة وضع أخر مختلف يتعلق بقيام أطراف خارجية بفرض تسوية على الأطراف المتصارعة. وفي العموم، هذه هي مآلات الصراعات والحروب التي عرفتها تجارب البشرية، عبر التاريخ، ولابد من أن يشمل هذا حالة الصراع السوري الدامي والمدمر والطويل، إذ تمخضت منه كارثة دولية ومجتمعية للسوريين، وربما لعموم منطقة المشرق العربي.

الفكرة الثانية التي يجدر الحديث عنها هنا تتعلق بضرورة -وأيضًا بشرعية- بذل الجهد من أجل وقف القصف والقتل والتدمير والتهجير في سورية، بعد أن غدت هذه الأعمال بمنزلة غاية في حد ذاتها، في حرب يعتقد فيها كل طرف أنه يخوض حربًا وجودية ضد الأطراف الأخرى، ولا سيما بالنسبة إلى النظام الذي يتحمل المسؤولية عن كل ما جرى للسوريين ولعمرانهم، والذي لم يعد يملك من أمره شيئًا، بعد أن شرّع للتدخل العسكري والعدواني الإيراني والروسي في سورية.

بيد أن هذا وذاك ينقلاننا -أيضًا- من الحديث عن وقف القتال والقصف والتدمير والتهجير الذي لا بد منه، إلى الحديث عن مستلزمات حل سياسي انتقالي، قد يُمهّد لحل دائم للصراع السوري، بما يستجيب لمطالب كل السوريين، ويبدّد مخاوفهم، ويعيد الثقة إلى قلوبهم في مستقبلهم المشترك، بوصفهم شعبًا، على الرغم من تنوعهم واختلافاتهم. المعنى أن هذا يتطلب -أيضًا- الإفراج عن كل المعتقلين، ورفع الأطواق الأمنية عن كل المناطق المحاصرة، وإخراج الجماعات أو الميليشيات المسلحة الأجنبية من البلد، بغض النظر عن تبعيتها لأي طرف، بضمانة قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي، يستتبعه وجود قوات دولية.

طبعًا، هذا هو الشرط اللازم لأي بداية، وتأتي بعد ذلك الخطوة التي لا بد منها للحل النهائي، وهي صوغ دستور جديد يضمن حقوق المواطنة، وأهمها الحرية والمساواة بين جميع المواطنين، في دولة مؤسسات وقانون، والاحتكام إلى القواعد الديمقراطية في تداول السلطة، لأن هذا هو الحل الأمثل والمتوازن، إذ إن أي حل آخر لا يصبّ في هذه المسارات، ولو بالتدريج، سيعني استمرار الواقع الراهن، أو إعادة إنتاج المعادلات التي أدت إلى الانفجار السوري، مع علمنا أن إعادة إنتاج النظام القديم أصبحت غير واقعية، بعد أن فقد شرعيته الداخلية بقتل شعبه، وبعد أن فرط بسيادته بفتحه البلد للتدخلات الأجنبية، واعتماده على إيران وروسيا من أجل ضمان بقائه.

بيد أن اعتقادًا كهذا، بخصوص أي تسوية، يعتريه كثير من الشبهات الناجمة عن الصعوبات والتعقيدات والمداخلات في الشأن السوري، على ما بينت تجربة السنوات الست الماضية، وهذه يمكن تبيّنها: أولًا، في تعنّت النظام، مع روح الإنكار التي تتملكه، إذ ما زال يتصرف، على الرغم من كل ما جرى، بعدّ أن هذه “سورية الأسد إلى الأبد”، كأنها بمنزلة ملكية عقارية خاصة، ليس ثمة مواطنون فيها، أو كأن هؤلاء مقيمين وحسب، لا حقوق لهم. ثانيًا، هذا يتعلق بحلفاء النظام، ولا سيما إيران التي تتصرف وفق قناعة مفادها أن أي تغيير في سورية سيكون بمنزلة نهاية لنفوذها فيها، وبخاصة في ضوء تورطها عسكريًا في دعم النظام القائم ضد غالبية شعبه، وهو ما تظهره التباينات الروسية – الإيرانية. ثالثًا، هذا مرتبط بما يريده ما يُعرف بـ “أصدقاء الشعب السوري”، فنحن هنا أمام مصالح وسياسات ورؤى متضاربة، أثقلت على ثورة السوريين، وحمّلتها أكثر مما تحتمل، فضلًا عن أنها أخذتها إلى أحوال أنهكت مجتمع السوريين وأضرّت به، ونؤكد أن الولايات المتحدة الأميركية -هنا- هي المقرر، بشأن معادلات التسوية وطبيعتها وتوقيتها. رابعًا، لدينا واقع المعارضة السورية، فهذه بدورها لا تبدو على ما يرام، في تشكيلاتها السياسية أو في تشكيلاتها العسكرية، فضلًا عن تشرذمها واختلافاتها وضعف أهليتها، والفجوة بينها ومجتمع السوريين في الداخل والخارج، مع تقديرنا أن جزءًا كبيرًا من هذه المشكلات ينبغ من ضعف الإطار الدولي والعربي الداعم لها، أو من تردد موقفه في تقديم الإسناد لها، كما تنبع من تحوّل طبيعة الصراع، من صراع في سورية إلى صراع على سورية، ما يعني وجود مداخلات أو تخليق طبقات خارجية، تقيّد كفاح السوريين وتطيل من عذاباتهم، وتضرّ بصدقية ثورتهم، وتؤثر سلبًا في مسارهم التحرّري. وقد تكون معضلة السوريين الأساسية، في هذا السياق، أن بلدهم يجاور إسرائيل، وأن سورية ليست بلدًا نفطيًا، وأنها بلد مفتاحي في المشرق العربي.

وفقًا لهذا العرض، فإن المعارضة، بهيئاتها السياسية والعسكرية والمدنية، ولا سيما القوى الفاعلة فيها أو المشكّلة لها، معنيّة بإجراء مراجعة نقدية ومسؤولة لأوضاعها: خطاباتها، ومساراتها، وأشكال عملها، وعلاقاتها بمجتمعها؛ لأن السير على الطريق ذاتها التي سارت عليها في السنوات الماضية لن يؤدي إلا إلى تآكل صدقية الثورة، وانحسار دورها بوصفها معارضة، وتاليًا تبديد معاناة وتضحيات السوريين، وهو ما يفيد النظام، بل ويجعل من أي تسوية وسيلة لإعادة إنتاجه.

[ad_1] [ad_2] [sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]