هل بيان موسكو حول سوريا بديل عن جنيف؟

28 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2016
8 minutes

منذ بداية الثورة السورية والحديث عن الدور الروسي لا يتوقف ولا يتم الإجماع عليه، بل يحدث منه مفاجآت متوالية، قد لا يكون آخرها إرسال كتيبة قوات شرطة عسكرية روسية إلى حلب يوم السبت 2016/12/24، بعد انسحاب المقاتلين والأهالي المدنيين من شرقها ضمن الاتفاق الذي رعته تركيا بين روسيا والمعارضة السورية المقاتلة في شرقي حلب، ولا يتوقع أن يكون من بين بنوده حضور هذه القوات الروسية إلى شرقي حلب، وقد تكون هذه القوات الروسية جزءًا من القوات الدولية التي صوت مجلس الأمن الدولي عليها يوم الاثنين الماضي 2016/12/19، ولو من وجهة نظر روسية على الأقل.

فقد اتخذ مجلس الأمن قرارًا يقضي بإرسال مراقبين دوليين للإشراف على عمليات الإجلاء من شرقي مدينة حلب المحاصرة من قبل قوات الأسد والتنظيمات الأجنبية الإرهابية الموالية له، ومن ثم فإن روسيا تكون قد وافقت على هذا القرار وعملت على تمريره مع فرنسا من أجل تنفيذ رؤيتها فورًا، وكأن روسيا هي الضامنة لتطبيق قرار مجلس الأمن المذكور أولًا، وتأخذ على مسؤوليتها ضمانة تطبيق الاتفاقيات السياسية القادمة بين أطراف الصراع في سوريا، ومن ثم تكون كتيبة الشرطة هي الطليعة لقوات روسية أخرى في المستقبل.

إن كان الأمر كذلك فربما يكون الحديث عن حقيقة إعلان موسكو حول الحل السياسي في سوريا، والذي أعلنته موسكو أيضًا بعد الاجتماع الثلاثي لوزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران في موسكو يوم 2016/12/21 هو اتفاق ناسخ لما قبله وإن اعتمد على بعض بنوده السابقة، مثل اتفاق جنيف1 الذي أشرف عليه الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة السيد، كوفي عنان، بيونيو/حزيران 2012، الذي تم إبطال بعض بنوده الأساسية في لقاءات جنيف2 ولقاءات فيينا وجنيف3 وغيرها.

وفي حال عزمت روسيا أمرها على الإمساك بكافة خيوط الأزمة السورية فإن ذلك يعني أن روسيا لم تعد تحتمل إضاعة مزيد من الوقت في لقاءات جنيف ومهاترات دي ميستورا، الذي دعا إلى اجتماع جنيف القادم بتاريخ 8 فبراير/شباط 2017؛ أي بعد شهر ونصف الشهر إن لم يتم تأجيله، ولا يعلم أحد كم سيقتل من الشعب السوري فيها أيضاً.

إن هذه الخطوة الروسية تعني أن روسيا لم تعد تحتمل هذه التأجيلات أولاً، وأنها مستعدة للتورط أكثر بوجودها العسكري، بدل أن تعالجها بطريقة أخرى، وربما تكون هذه الطريقة هي التي ترضى عنها إيران للحفاظ على مصالحها، وإن لم يكن الأسد ضمنها في النهاية، وإلا فلن يتم النظر إلى وجودها العسكري الجديد ولو كانت بشرطة عسكرية إلا على أنه مزيد من الاحتلال العسكري الروسي بعد التدخل الهمجي الوحشي بالطيران الحربي بتاريخ 2015/09/30، ولن يشفع لها أن الشرطة العسكرية الروسية في معظمها من شباب جمهورية الشيشان المسلمة، ومن شرطة عسكرية روسية متدينة وتطلق لحاها، فهذا لن يشفع لها، سواء كان لتقوية الوجود الإيراني وعزيمة الميليشيات الشيعية الطائفية، أو جاءت لتفرض حلًّا لا يرضى عنه الشعب السوري الذي قاد ثوة الست سنوات وقدم مئات الألوف من الشهداء.

ليس من المحتمل ألا تكون الحكومة الروسية قد أخبرت الأتراك والإيرانيين عن هذه التحركات العسكرية الجديدة، وبالأخص في الاجتماع الوزاري الأخير بموسكو الذي جمع لافروف بجاويش أوغلو مع جواد ظريف، ولكن لم يصدر حتى الآن ردود أفعال من الحكومة التركية ولا الإيرانية، ولو صدر شيء باسم الأسد فهو بالتأكيد سيكون تعبيرًا عن الموقف الإيراني بالدرجة الأولى، فمن المستبعد أن يكون هناك اتفاق لروسيا مع بشار الأسد خارج نطاق الحكومة الإيرانية وميليشياتها الإيرانية والعراقية واللبنانية؛ أي خارج نطاق الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني والميليشيات العراقية المتعددة التي تقاتل في سوريا.

ولكن الأرجح أن هذا التدخل العسكري الروسي في شرقي حلب وبعد عملية الانسحاب لن يعجب الميليشيات الطائفية التي كانت تصور خروج المقاتلين من شرقي حلب على أنه انتصار لها، وهذا يعني أن هذه الميليشيات الشيعية قد تعمل على استهداف القوات الروسية بطريقة سرية، كما فعلت مع الجيش الأميركي بالعراق، سواء باسم داعش أو القاعدة أو غيرها؛ لأن تحويل ما أطلقوا عليه انتصار حلب إلى القوات الروسية لا يرضي الإيرانيين ولا أتباعهم من مرتزقة الميليشيات الطائفية العديدة.

أما الموقف التركي الذي تزامن مع وصول الدفعات الأولى من كتيبة الشرطة العسكرية الروسية إلى حلب فهو موقف الرئيس أردوغان يوم 2016/12/24 بقوله: “لن نسمح بإقامة دولة جديدة شمالي سوريا، ونعمل لإقامة منطقة آمنة خالية من الإرهاب”، أي إن هناك قضايا تأخذ أولويات الدولة التركية ممّا يحدث في سوريا، وهذه الأولويات ليست من صناعة السياسة التركية فقط، وإنما من صناعة الذين أرادوا إبعاد تركيا عن مساعدة الشعب السوري، وبالأخص المحور الإيراني الطائفي، وكذلك الجهات التي تتعاون مع المحور الإيراني في سوريا، بما فيها إيران وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وتوابعها.

فهذه الأطراف تسعى جاهدة لإقامة كيان يوصف بالكردي شمالي سوريا، ليفصل تركيا عن عمقها الاستراتيجي العربي جغرافيًّا أولًا، ولجعله سياجًا مهددًا للأمن القومي التركي ثانيًا، ويستغل لاحقًا لتقسيم تركيا أو إدخالها في أتون حرب أهلية مريرة ومدمرة.

ولذلك فإن الموقف التركي لا ينظر إلى اتفاق موسكو على أنه بديل عن مسار جنيف الغربي، وإنما بوصفه المسار الذي قد يؤمن للدولة التركية الأمان والاستقرار، ويمنع التهديد الداخلي والخارجي معًا أكثر من المحاولات الأخرى، لأنه لم يجد في مسارات فيينا أو مسارات جنيف المتأخرة إلا المخاطر، التي حاولت أن تجعل حزب الاتحاد الديمقراطي طرفًا في المفاوضات السياسية، وهو ما عارضته الحكومة التركية بشدة في ذلك الوقت، وهو ما ينبغي للحكومة الروسية أن تتفهمه أيضًا.

فكما أدركت موسكو أن حركة فتح الله غولن هي أداة بيد المخابرات الأميركية وأوقفت نشاطاتها في كل روسيا الاتحادية منذ سنوات، وقبل الحكومة التركية نفسها، فعليها أن تدرك أن ما يحدد السياسة التركية ومواقفها فيما يخص الأزمة السورية هو تحقيق مطالب الشعب السوري أولًا، وتحقيق الأمن القومي التركي ثانيًا، ومطالب الشعب السوري يحددها ممثلو الشعب السوري وليس الحكومة التركية، فهم الذين يتفاوضون عليها سواء في موسكو أو جنيف.

وأما حماية الأمن القومي التركي فإن الحكومة التركية هي التي تدافع عنه عسكريًّا وسياسيًّا، فليست العبرة بالمكان الذي تجتمع فيه الأطراف، وإنما العبرة بمن يستطيع أن يجلب السلام للشعب السوري الذي عانى كثيرًا، ودون أن يحمل تهديدًا للأمن القومي التركي أيضًا.

إن الخطوة العسكرية الروسية الأخيرة هي دليل على أن روسيا بدأت الشروع بالخطوات العملية لتطبيق بيان موسكو، بينما تأخرت أميركا كثيرًا في تطبيق جنيف1 وما بعده من اتفاقيات، وهو ما عبَّر عنه وزير الدفاع الروسي نفسه قائلًا حول بيان موسكو: “إن روسيا استطاعت القيام بعمل لم تستطع الولايات المتحدة الأميركية القيام به”.

وقد يكون في إحضار روسيا جنودًا أو شرطة عسكرية شيشانية مسلمة رسالة تطمين للمواطنين الحلبيين، بأن هذه الشرطة جاءت لمساعدتهم، بل وربما لحمايتهم من القتل الطائفي الذي عانوا منه كثيرًا، ولكن هذا سيكون محل سؤال ومراقبة من الشعب السوري عن دور هذه القوات في مساعدة الشعب السوري أو مساعدة القتلة والطائفيين.