التعليم في الجزيرة السورية… الأدلجة قبل المعايير


لؤي أحمد

باتت مسألة المدارس في مدن الجزيرة السورية معضلة حقيقية من جهة التحاق التلاميذ بها، أو انعدام رغبة ذوي التلاميذ بإرسال الأبناء إلى المدارس، وبدأت المعضلة منذ أن بدأت ما يُسمى “هيئة التربية” التابعة لــ “الإدارة الذاتيَّة” بتغيير المناهج وتأسيس مدارس تابعة لها بمقررات خاصّة، وكادر تدريسي مدرّب على التعليم باللغة الكردية، التي أعلنتها ما تسمى “الإدارة الذاتيَّة” لغة رسمية للتدريس في المدارس التابعة لها، على الرغم من رفض النظام لهذا الأمر وإغلاقه مدارس عدّة، وطبعت “الهيئة” المذكورة المناهج في إقليم كردستان العراق، غير أنّ أدلجة المناهج الكردية التي استحدثتها “الإدارة الذاتيَّة” قوّضت التجربة، وجُوبهت التغييرات بالمظاهرات، انتهت باعتقال قيادات مما يسمى “المجلس الوطني الكردي” في سورية وعدد من أعضاء الأحزاب الأخرى التي تعمل في مدن الجزيرة.

رفضت فاعليات مجتمعية، من خارج المكون الكردي، في الجزيرة السورية، المناهج الجديدة، وذلك منذ بدايات العام الدراسي 2015 – 2016، حينما أصدرت ما يسمى “هيئة التربية والتعليم” التابعة لـ “الإدارة الذاتيَّة” مناهجَ مُخصصة للصفوف الدراسية الثلاثة الأولى، ومن ثم تطويرها لتشمل المرحلة التعليمية الأساسيَّة كلها، وتعميمها على جميع المدارس في المنطقة، الخاصَّة منها والعامة، وباللغة الكرديَّة؛ ما دفع بقية المُكوّنات الأخرى إلى التوقّف عن إرسال أطفالهم إلى المدارس؛ احتجاجًا على هذه الخطّة الجديدة.

لم يقتصر الأمر على المجتمعات غير الكردية فحسب، بل دفع الأمر بعض الأكراد إلى التوقف عن إرسال أبنائهم إلى المدارس، خشية عدم الاعتراف بالشهادات التي تُمنَح من تلك المدارس.

دفع رفض المناهج المؤدلجة التي فرضتها “الإدارة الكردية” على المدارس السريانية الموجودة في المنطقة، إلى “طرد التلاميذ الأكراد؛ كي لا يُفرض عليهم التعليم باللغة الكرديَّة”، وهو ما فعلته المدرسة السريانيَّة في مدينة القامشلي، حيث جرى إرسال ورقة صغيرة إلى ذوي الطلبة الأكراد مكتوب فيها: “السيد ولي أمر الطالب: يُرجى منكم عدم إرسال ابنكم للمدرسة، ونعتذر منكم اعتبارًا من يوم غد بأي شكل كان ويرجى منكم التقيّد”.

وقال ناشط سرياني رفض الكشف عن اسمه، لــ (جيرون): “ما يسمى (الإدارة الذاتيَّة) تفرض اللغة الكردية للتدريس في جميع مدارس الجزيرة، في الوقت الذي تُنادي فيه بالتعدديَّة؛ ما دفع بإدارات تلك المدارس إلى طرد الطلبة الأكراد تحت الضغط الحاصل للتدريس باللغة الكردية”.

ارتباك المدرّسين

يبلغ عدد المدارس التي تتبع ما يُسمّى “هيئة التربية والتعليم” في مدن الجزيرة السوريَّة نحو 1394 مدرسة ابتدائيَّة، فيها حوالي 23339 تلميذًا من الصف الأول وحتى الثالث الابتدائي في القسم الكردي، بينما بلغ العدد في القسم العربي من تلك المدارس 588 تلميذًا، فيما بلغ عدد المدارس الإعداديَّة 195 مدرسة، بأعداد طلاب وصلت إلى 8000 طالبًا، ويوجد 110 مدرسة ثانوية، عدد مُدرّسيها 4362، وعلى الرغم من العدد الهائل من هذه المدارس، غير أنّ المعلّمين باتوا يضيقون ذرعًا بالقرارات المتتالية، فيما يخصّ عملية تغيير المناهج والتدريبات التي تأخذ وقتًا طويلًا، ما يُؤثّر في العملية التدريسيَّة، وبهذا الصدد قال مدرس ثانوي لــ (جيرون):” نحن نعيش حالة رعب، كيف يمكن لمدرسة أن يكون حولها حرّاس أمنيّون! والذريعة على الدوام هي تأمين الحماية للمدارس من الهجمات المحتملَة”، وأضاف: “الرواتب قليلة لا تكفينا، أضف إلى ذلك تلك الاجتماعات الحزبية الكثيرة والطويلة والدائمة، التي تمنعنا من مزاولة مهنة إضافيَّة”.

يتقاضى المدرّس في مدارس ما يسمى “الإدارة الذاتيَّة” بين 25 و30 ألف ليرة سورية، وهو الحدّ الأدنى للأجور ضمن نظام ما يسمى “الإدارة الذاتيَّة”.

مدارس النظام السوريّ

تقلّص أعداد المدارس التابعة للنظام السوريّ في مدن الجزيرة السورية، وذلك بعد أن امتنع الكثير من المواطنين عن إرسال أولادهم إلى تلك المدارس، واقتصر تواجد المدارس النظاميَّة السوريَّة في المربّعات الأمنيَّة التابعة لها بالنسبة لمدارس المرحلة الأساسيَّة، فيما تتوزّع مدارس المراحل الإعدادية والثانوية في أحياء المدن التي لا زالت تحتفظ قوات النظام ومؤسساته بمقرّاتها الأساسيَّة فيها، وهي فقط في مدينتي القامشلي والحسكة، كما أنّ العديد من المدرّسين تركوا التدريس في تلك المدارس خشية قرارات النظام، التي كان آخرها ضرورة التحاق المعلّمين بدورات تدريبيَّة عسكريَّة لمدّة أسبوع –وتزيد أحيانًا- أو التهديد بقطع الرواتب، بالإضافة إلى أنّ الالتحاق بتلك المدارس يكون مُعتمدًا على جمهرة المؤيدين فقطّ، والأمر ينسحب على مدارس (الإدارة الذاتيَّة).




المصدر