جرابلس… بوابة حلب الحدودية


عبرها، يشقّ نهر الفرات طريقه نحو الأراضي السورية. إنّها جرابلس الواقعة على الحدود السورية التركية، على بعد 125 كيلومتراً شمال شرق مدينة حلب في أقصى شمال البلاد. في عام 2011، كان يأهلها نحو 40 ألف مواطن قبل أن يهجرها كثيرون عقب وضع تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) يده عليها في أوائل عام 2014. هذا ما يوضحه ابن المدينة الناشط كميل حمدولي، الذي يشير إلى أنّ عدد السكان عاد ليرتفع إلى نحو 50 ألف شخص بعدما سيطرت المعارضة السورية عليها قبل أكثر من أربعة أشهر. يُذكر أنّ نحو 20 ألف من هؤلاء هم نازحون من مختلف مناطق الشمال السوري.

ويخبر حمدولي أنّ “أهالي المدينة كانوا يعملون في التجارة والزراعة والتهريب، فيما كان بعضهم يعمل في وظائف رسميّة في مؤسسات الدولة. إلى ذلك، لطالما مثّل المغتربون، (إلى لبنان ودول الخليج وأفريقيا خصوصاً)، مورداً مالياً مهماً للأهالي”. من جهة أخرى، يلفت إلى أنّ “عدد الشباب المتطوّعين في القوات العسكرية النظامية، قليل نوعاً ما. ويعود ذلك إلى أسباب كثيرة، أبرزها أنّ أبناء المنطقة في حاجة إلى وساطة للانتساب إلى الكليات العسكرية. كذلك فإنّ مواقع القطع العسكرية بعيدة عن مناطقنا عموماً، بالإضافة إلى أنّ الرواتب منخفضة في هذا المجال”.

وعند سؤاله عن التهريب، يشرح حمدولي أنّ “الوضع في جرابلس يشبه الوضع في المناطق الحدودية السورية كافة. وكلّ واحدة من تلك المناطق تشتهر بنوع محدّد من المواد المهرّبة، تتراوح ما بين أسلحة ومواد غذائية”. يضيف أنّ “أهالي جرابلس كانوا يهرّبون السكر والشاي والمازوت والبنزين إلى تركيا، ويجلبون في طريق عودتهم منها الأدوات الكهربائية ومستلزمات الطبخ”. ويؤكّد أنّ “هذه العمليات كلها كانت تجري عبر شراء ضبّاط وعناصر من القوات العسكرية النظامية والأمن العسكري المسؤولين عن ضبط الحدود”.

ويتحدّث حمدولي عن الواقع التعليمي في المدينة، موضحاً أنّ “نسب التعليم كانت مرتفعة في جرابلس، إذ إنّ الأطفال بمعظمهم كانوا ينهون تعليمهم الإلزامي، في حين كان عدد حاملي الشهادات الجامعية يتخطّى 50 في المائة من السكان. أمّا اليوم، فإنّ التعليم يقتصر على مناهج هدفها تعليم القراءة والكتابة وبعض الأساسيات الأخرى. ويأتي ذلك من خلال مدرستَين معتمدتَين من الحكومة المؤقتة، بالإضافة إلى أربع مدارس أنشئت كمبادرات مدنيّة. يُذكر أنّ انقطاع التلاميذ بمعظمهم عن الدراسة، استمرّ سنوات عدّة بسبب الأحداث الأمنية وسيطرة داعش عليها”.

من جهة أخرى، على الصعيد السياسي، يقول حمدولي إنّ “المدينة لم تكن ذات هويّة سياسية محددة. كانت تضمّ مختلف التوجهات، وإن كان حزب البعث العربي الاشتراكي الأكثر حضوراً، إذ إنّه الحاكم والمتغلغل في كلّ شؤون الحياة”. يضيف أنّ “الشخصيات النافذة لدى النظام كانت قليلة في جرابلس وتعدّ على أصابع اليد الواحدة”، مؤكداً أنّ “المدينة لم تكن تضمّ تياراً دينياً سياسياً، على الرغم من وجود متديّنين. هؤلاء كانوا من البسطاء”.

من جهة أخرى، يتحدّث عن “واقع المدينة الحالي. لم يمضِ على وجودها تحت سيطرة المعارضة غير أشهر قليلة، وما زال أهلها يعانون من عدم توفّر أفران للخبز. ثمّة فرن وحيد ما زال يفتح أبوابه، لكنّه يقدّم الخبز إلى المقاتلين. أمّا المدنيون، فيحصلون على خبزهم من إعزاز. كذلك، ما زال التيار الكهربائي لا يتأمّن إلا ساعتَين يومياً. وهنا، يتحمّل الأهالي جزءاً من المسؤولية”. ويشرح أنّ “خط كهرباء استؤجر من تركيا خصيصاً للمدينة بأسعار رخيصة. فعمد الأهالي إلى تركيب سخانات كهرباء، بالتالي لم يعد الخط يتحمل الضغط. أمّا مياه الشرب فمقطوعة، من جرّاء قصف التحالف مضخات المياه أثناء سيطرة التنظيم عليها”. يضيف حمدولي أنّ “المعونات والإغاثة تكاد لا تذكر، وهي مقتصرة على المخيّمات فقط وتقدّم من تركيا فقط. فالمنظمات الدولية ما زالت غائبة عن مناطق شمال سورية التي استعيدت من التنظيم”.

وحول واقع التنمية في المدينة، يفيد حمدولي أنّ “الخدمات التي كانت متوفّرة من كهرباء وماء للشرب واتصالات وشبكة طرقات، كانت بمستوى مقبول قبل تدهور الأوضاع الأمنية”. أمّا الصناعة فكانت غائبة عنها، “وقد يعود السبب إلى قربها من حلب”.

تجارة أدوية غير قانونيّة
في جرابلس، مستوصف صحي تحت اسم مشفى جرابلس، بحسب ما يفيد الناشط، كميل حمدولي، الذي يوضح أنّه “مدعوم من وزارة الصحة التركية ويعمل فيه عدد قليل من الأطباء. أمّا العمليات التي تُجرى فيه، فبسيطة. وهو يؤمّن أدوية كذلك”. ويلفت إلى أنّ “ثمّة تجارة أدوية في المدينة يديرها أشخاص لا يحملون شهادة اختصاص”.



صدى الشام