التدفئة في إدلب… الكاز والفستق الحلبي


سونيا العلي

ما إن بدأ برد الشتاء يطرق أبواب محافظة إدلب، حتى بدأت معاناة الناس تكبر وتزداد؛ لأن توفير الدفء ليس أمرًا سهلًا في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشونها، والغلاء الفاحش الذي يفوق قدرة المواطنين على الشراء.

تختلف طرق التدفئة من أسرة إلى أخرى، بحسب المستوى المادي لكل منها، فبعض الناس لازالوا يُفضّلون استخدام المحروقات على الرغم من ارتفاع أسعارها، إذ يتراوح سعر البرميل سعة 200 لتر من 60 إلى 80 ألف ليرة، إضافة إلى مخاطر استخدامه؛ بسبب عدم تكريره بطرق صحيحة وسليمة، واحتوائه موادّ سريعة الاشتعال، في حين توجّه كثير منهم نحو شراء الحطب بديلًا، ومع تزايد الطلب عليه أخذت أسعاره بالارتفاع.

حذّر المهندس الزراعي، أحمد الكامل، من معرة النعمان، من أن لجوء الناس إلى الاحتطاب بهدف التدفئة من شأنه إحداث “كارثة بيئية ومناخية؛ نتيجة تحول قسم كبير من المساحات الخضراء إلى جرداء قاحلة”.

لكن أبا وائل، صاحب أحد مخازن بيع الحطب في قرية جرجناز، لفت إلى أن: “عمليات التحطيب تراجعت في الآونة الأخيرة؛ بسبب حماية كل فصيل الأحراش الموجودة في منطقته”، ولا يعني ذلك سلامة الاحراش، وفق أبي وائل، فقد يجري التجاوز بـ “إقدام التجار على رشو الحواجز، وهو ما ساهم في ارتفاع أسعار الحطب من 25 ألف ليرة للطن الواحد، العام الماضي، إلى 65 ألف هذا الشتاء.”

أمام هذا الواقع، ونتيجة غلاء الوقود والحطب، لجأ بعضهم إلى استخدام الفحم الحجري الذي يحتاج إلى مدافئ خاصة، تُستورد من تركيا، بسبب حرارته المرتفعة التي قد تصهر المدفأة العادية، وبعضهم يستخدم البيرين (العرجوم).

وقال عصام الكردي، من ريف إدلب، وهو صاحب إحدى المعاصر، إن:” البيرين ينتج من مخلفات عصر الزيتون، وهو حبيبات ناعمة؛ تُكبس تلك المادة بمكابس خاصة؛ لتصبح على شكل أسطوانات صغيرة، ثم تُستخدم للتدفئة بعد تجفيفها، وتتميز بدفء جيد عند الاشتعال لاحتوائها بقايا مادة الزيت، فضلًا عن طول فترة اشتعالها داخل المدفأة.”

تشكو غالبية الأهالي من رفع أصحاب المعاصر سعر البيرين من 30 ألف ليرة للطن الواحد العام الماضي إلى 40 ألف ليرة حاليًا، استغلالًا منهم حاجة السكان إليه، وإقبالهم الكبير على شرائه.

انضمت قشور الفستق الحلبي إلى وسائل التدفئة، وهي وقود حديثة العهد في إدلب، ولكنها مُنتشرة بكثرة في مناطق ريف حماة المعروفة بغناها بأشجار الفستق الحلبي.

يصل سعر المدفأة المخصصة لحرق الفستق الحلبي إلى 75 ألف ليرة سورية، بحسب ما يقول أبو عدنان، أحد النازحين من ريف حماة إلى مدينة كفرنبل، و”يصل سعر الطن الواحد من قشور الفستق إلى 75 ألف ليرة سورية أيضًا، وتحتاج هذه المدافئ إلى مُحرّك يعمل على البطارية؛ ليدفع القشور داخل المدفأة”، وعلّق: “لم نكن نُدرك أهمية تلك القشور في ما مضى، في هذه الأوقات الصعبة عرفنا قيمتها.”

اختار عمران الخديجة، من معرّة النعمان، مدفأة الكاز هذا الشتاء، مُستغلًا كلفتها البسيطة، غاضًا الطرف عن رائحتها الكريهة وأضرارها، إذ يتسرّب منها الدخان؛ “ما يُعرّض أولادي للإصابة بالأمراض التنفسية، كما أصيب ولدي البالغ من العمر سنة واحدة بمرض الربو، ولكن ليس باليد حيلة، فالمال الذي أجنيه من عملي بائعًا متجولًا، بالكاد أؤمن به قوت أولادي، ولا طاقة لي بدفع تكاليف التدفئة الصحية.”

أما الأرملة أم أحمد، من ريف إدلب، فتعتمد في تأمين الدفء لأولادها على جمع مخلفات المنازل القابلة للاحتراق، من أكياس النايلون والكرتون والقوارير والمطاط؛ حتى الألبسة والأحذية المهترئة وقشور البرتقال والرمان، وما تسقطه طائرات النظام من مناشير لا توفرها.




المصدر