سوريا ستلوث إرث أوباما ولا جديد في خطاب كيري


ينتهي عام 2016 بلعبة من توجيه الضربات وعودة مزاج الحرب الباردة، فقد وجه الرئيس الأمريكي باراك أوباما صفعة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عندما قرر فرض عقوبات اقتصادية على موسكو بسبب الهجمات الإلكترونية التي أثرت على الانتخابات الأمريكية، وأدت لفوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب.

وفي الوقت نفسه وجه الرئيس الأمريكي ضربة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مجلس الامن، فيما هدد ترامب بالانتقام وطالب إسرائيل بالصبر حتى 20 كانون الثاني/ يناير يوم تنصيبه.
في الاثناء، قام بوتين وبتعاون مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالتوصل لوقف إطلاق النار في سوريا استبعدت منه الولايات المتحدة. وفي اللحظات الأخيرة لإدارة أوباما يبدو أنه مصمم على تأكيد موقفه وإطلاق الرصاصة الأخيرة، مع أن مواقفه سواء في مجلس الأمن وما يتعلق بالقرار 2334 والذي شجب الاستيطان في الضفة الغربية وخطاب وزير الخارجية جون كيري تظل رمزية ولا معنى لها.

فقد كان على الرئيس الأمريكي اتخاذ الإجراءات هذه من قبل حتى تترك أثرا ذا معنى. وفي السياق نسفه وصف زعيم الغالبية الجمهورية بول ريان العقوبات على روسيا بـ «المتأخرة»، وأنها «نهاية مناسبة لسياسة خارجية فاشلة أضعفت الولايات المتحدة»، كما نقلت عنه صحيفة «ذا هيل» التابعة للكونغرس.

خطوات يائسة

وترى صحيفة «الغارديان» أن الخطوات الأخيرة في مجلس الأمن وخطاب كيري الذي انتقد فيه إسرائيل تظل رمزية، وهي أفضل من لا شيء. وبينت أن التحرك الذي قامت به الإدارة الأمريكية في الساعات الأخيرة من عمرها حول النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني تحمل علامات اليأس.
ومع ذلك قالت إن خطاب كيري يستحق التحليل وتقييم ميزاته. وأشارت لموقف نتنياهو ورموز الحركة الاستيطانية الرافض له، إذ اعتبروه عدوانيا تجاه إسرائيل. وهو الموقف نفسه الذي أبدوه من قرار مجلس الأمن الدولي.

وكما لاحظ كيري، فإن نمو المستوطنات يؤثر على منظور حل الدولتين الذي يعتبر الطريقة الوحيدة للدفاع عن إسرائيل. وتقول الصحيفة إن خطاب مسؤول الدبلوماسية الأمريكية يعتبر الأكثر قوة في نقده لإسرائيل، لكن هذا لا يعني تحولا في موقف الإدارة الحالية عن الموقف المعلن الذي تمسكت به كل الإدارات من قبل.
أوباما، على خلاف أسلافه من الرؤساء الأمريكيين تردد في السماح بصدور قرارات ناقدة لإسرائيل في مجلس الأمن وتعهد بـ 38 مليار دولار أمريكي كمساعدات عسكرية لإسرائيل على مدار 10 أعوام. وحسب الصحيفة، خطاب كيري يعكس التحول في الائتلاف الإسرائيلي الذي وصفه بأنه «الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل».

واعتبر أن الوقت قد حان للوقوف مع ما هو حق وعادل والمبادئ العقلانية للمفاوضات التي رسمها في آذار/مارس 2014. وكان يعتقد بضرورة تقديم المبادىء بشكل رسمي والتفاوض عليها ورغب في إلقاء خـطابه منذ عـام.

ولو فعل لكان أكثر صراحة وجرأة لأن تصريحات تصدر عن إدارة في طريقها للخروج من السلطة لا تحمل الوزن نفسه عندما كانت في مركز صناعة القرار. ومع ذلك تظل تصريحاته مهمة في ظل تغير الوضع على الأرض وتوسيع المستوطنات.

وتقول الصحيفة إن التزام كيري بالسلام وصناعته يمكن قياسه بالرحلات الجوية والأميال التي قطعها والساعات التي قضاها في لقاء الأطراف المتنازعة. لكن الإدارة كانت مترددة في هذا المجال وركزت على الملف النووي الإيراني كأولوية وكانت تخشى من الضرر الذي قد يتسببب به نتيناهو لها في داخل الولايات المتحدة. كما أن الحكومة الامريكية اهتمت بمتابعة تداعيات الربيع العربي الذي أخذ الكثير من وقتها خاصة سوريا التي لا يعطي اتفاق وقف إطلاق النار يوم الخميس إلا أملا قليلا في تسوية دائمة.

أين هو حل الدولتين؟

وفي الوقت نفسه لم يعط نتيناهو إلا تصريحات كلامية لحل الدولتين الذي تدعمه الولايات المتحدة. وترى أن طموح نتيناهو كئيب على خلاف سلفه بن غوريون الذي يعتبر من أطول رؤوساء الوزراء خدمة والذي حاول تسوية حدود إسرائيل. وتعتقد أن رد فعل نتنياهو الغاضب ربما ارتبط بالتحقيق الجنائي الذي يواجهه في إسرائيل فيما وعد الرئيس الفلسطيني بالرد على مقترحات عام 2014، ولكنه لم يفعل أبدا.

وتشير الصحيفة إلى رد مبعوث الشؤون الخارجية لمجلس «يشع» الذي يمثل المستوطنات، ومؤسس «إليكترونيك انتفاضة» الفلسطيني على خطاب كيري، حيث وصفاه بانه تأبين لحل الدولتين.

وتظهر الاستطلاعات ان غالبية ضيقة من الفلسطينيين والإسرائيليين لا تزال تدعم حل الدولتين. فهناك عدد متزايد يرى أن تحقيقه لم يعد ممكنا. وتشير الصحيفة إلى رد الرئيس الأمريكي المنتخب، الذي دعا في تغريدة له إسرائيل للصمود حتى 20 كانون الثاني / يناير، وذلك بعد خطاب كيري بقليل.
ووعد ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ورشح سفيرا معروفا بتأييده للمستوطنين وضم الضفة الغربية. كما أن الشخصية التي اختارها لمنصب وزير خارجيته وهو ريكس تيلرسون، ليس لديها سجل بمعرفة مشكلة المنطقة أكثر من معرفته بالدول المنتجة للنفط في الخليج وروسيا.
ويتعامل الرئيس المنتخب مع صفقة سلام في المنطقة «كأم الصفقات» وسيشعر بالنشوة لو حقق انتصارا بهذا الاتجاه. مع أن العملية السلمية العبثية تحتاج إلى أشهر من الصبر والتصميم ولا يتمتع ترامب بأي منهما. فتاريخه السياسي قائم على التخريب لا التصالح.

ووفق الصحيفة، خطاب كيري أحسن من لا شيء، وأثره الرمزي أفضل من العدم، وعلى المجتمع الدولي أن يعيد تأكيد التزامه لحل الدولتين عندما سيلتقي وزراء خارجية دول 70 دولة في مؤتمر للسلام في العاصمة باريس في 15 كانون الثاني / يناير ولا يملك أحد خطة واضحة أو يتوقع إحياء العملية السلمية وكل ما يريدون عمله هو منع تدهور الوضع للأسوأ، فمن المهم القيام بعملية إنقاذ في مرحلة ما بعد ترامب.
هذا فيما يتعلق بملف النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني والذي ظل أوباما صامتا ومترددا بشأنه طوال الثماني سنوات الماضية. وسواء كانت الخطوات الأخيرة مدفوعة بتأكيد إرث أو الوقوف مع ما تراه الإدارة الحق العادل إلا أنه كما أسلفت الصحيفة يعتبر لعبا في الوقت الضائع. فسيخرج أوباما من السلطة ولم يحقق وعوده التي تعهد بها في عام 2009 عندما ألقى خطابه في جامعة القاهرة والذي تحدث فيه عن بداية جديدة مع العالم الإسلامي. إلا أن فشل أوباما يتجاوز القضية الفلسطينية إلى طريقة التعامل مع الملف السوري.

مزاج رثاء

ويعتقد ديفيد غرينبيرغ، استاذ التاريخ ودراسات الإعلام في جامعة رتغرز الأمريكية، أن «سوريا ستلوث إرث أوباما». وفي مقال تحليلي نشره موقع «فورين بوليسي» جاء فيه إن رحيل آوباما القريب من البيت الأبيض يجعل الكثير من الأمريكيين يعيشون بمزاج حزن.

ورغم شعبيته التي تراجعت إلى 48% وهي الأقل من بين آخر خمسة رؤوساء إلا أنه كان الرئيس المحبوب دائما. فعلى خلاف جورج دبليو بوش الذي كان الرئيس الأسوأ هناك من يحاول تكريس أوباما بالرئيس الأعظم، وكان على الأقل هذا الطموح حتى سقوط حلب.

ويشير الكاتب إلى أن الشعب الأمريكي تعامل مع الانتفاضة السورية التي اندلعت عام 2011 ككارثة إنسانية. أما بالنسبة لأوباما الذي كان يفكر في إرثه السياسي فالأمر متعلق بكيفية حكم الناس على رئيس اتسم بالسلبية وعدم الفاعلية في وجه القتل الـجماعي. وربما كان أوباما يتوقع العفو من خلال التجاوز عن هذه المرحلة خاصة أن كتب التاريخ والكتب المدرسية وحتى الذاكرة الجماعية لم تهتم كثيراً بوقوف جورج دبليو بوش متفرجاً على ما جرى في دارفور أو موقف بيل كلينتون من رواندا وجورج بوش الأب من البوسنة وجيمي كارتر من كامبوديا أو واقعية جيرالد فورد الباردة من تيمور الشرقية وتواطؤ ريتشارد نيكسون في بنغلاديش.
ويذكر الكاتب بما قاله هتلر عام 1939 «من سيتحدث اليوم عن إبادة الأرمن» في محاولة منه لتبرير ما ستفعله قواته لاحقاً وبدون أن يتعرض لانتقاد. ويعلق الكاتب إننا قد نتذكر هذه الكلمات عندما ننظر لتركيز كتب التاريخ القليل على دور الرؤوساء الأمريكيين المحدود في الوقوف ضد المجازر التي حدثت في الخارج. وفي الوقت الذي تقترب فيه مرحلة أوباما من النهاية ويبدأ وقف لإطلاق النار في سوريا فالسؤال الأول الذي سيبحث فيه المؤرخون هو كيفية تعامل الولايات المتحدة مع الحرب الأهلية السورية؟

الموقف من الحرب الأهلية

في الوقت الذي يتسم فيه المؤرخون بالكرم مع الرؤوساء الذين يفشلون بوقف مذبحة فإنهم لن يكونوا كرماء مع من أسهم في تراجع التأثير الأمريكي في العالم. وبدا هذا واضحا في الهجوم الوحشي الذي دعمه الروس على معقل المعارضة السورية في حلب، مما يثير أسئلة حول قدرة المعارضة على القيام بحركة تمرد جديدة.
ويتحدث الكاتب هنا عما قامت به روسيا وتركيا وإيران من ترتيبات لوقف إطلاق النار بدون مشاركة للولايات المتحدة.
ويشير إلى رؤية أوباما حول سوريا التي قال إنها لا تمثل أهمية استراتيجية كبيرة للمصالح الأمريكية. ويبين أن تفكير الرئيس يعبر عن مقامرة تحمل مخاطر كبيرة. فلو ثبت أن تفكيره غير صحيح وحلت روسيا محل الولايات المتحدة كقوة عظمى في المنطقة فستواجه الولايات المتحدة مشكلة في الحصول على ممرات نحو مناطق الطاقة في المنطقة وستتأثر قدرتها في مكافحة الإرهاب وحماية إسرائيل وستكون علاقلاتها مع تركيا والسعودية وإيران على المحك.
والأهم من كل هذا هو أثر سياسة أوباما السورية على أزمة المهاجرين التي تواجه أوروبا. ويمضي الكاتب للقول إن القارة الأوروبية كافحت ولعقود من أجل دمج المهاجرين الذين جاءوا من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحملوا معهم قيما غريبة عن قيم القارة. وعليه وصول موجات المهاجرين السوريين الذين فروا من الحرب الأهلية أدت لأزمة على قاعدة غير مسبوقة لدول الاتحاد الأوروبي.
وشهدت دول مثل تركيا والمجر وفرنسا اضطرابات بسبب الأزمة وتصاعد التوتر الثقافي الذي سلح أحزاب اليمين المتطرف وقواه وقاد إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ويربط الكاتب بين صعود الشعبوية المتطرفة في العالم خاصة في الولايات المتحدة التي استغل فيها ترامب المخاوف من المهاجرين المكسيكيين وقلق الطبقة العاملة البيضاء.
ويضيف الكاتب أن صعود تنظيم «الدولة الإسلامية» يعتبر أحد الآثار التي نتجت عن سلبية أوباما. وهو بالقطع ليس مسؤولا عن ولادة هذا التنظيم الإرهابي وعلى خلاف ما ورد في تشهيرات ترامب أثناء الحملة الإنتخابية. إلا أن رد الإدارة لم يكن قويا للقضاء عليه. وظل والحالة هذه قادرا على القيام بعمليات إرهابية في أوروبا والهم بطريقة غير مباشرة عمليات أخرى في الولايات المتحدة بشكل يجعل من التهديد الإرهابي مشكلة في القارتين ولسنوات مقبلة. ويرى الكاتب أن فشل مواجهة التتظيم في بدايته أجبر الولايات المتحدة على تغيير سياستها في سوريا. فمن الدعوة لتغيير نظام بشار الأسد تحول اهتمام واشنطن إلى مواجهة الخطر الجهادي. ونتيجة لهذا لم يعد اوباما قادرا على تحقيق مطلبه الذي أعلن عنه في آب (أغسطس) «يجب على الأسد الرحيل». بل وخرج الأسد اكثر جرأة خاصة عندما فشل الرئيس أوباما في تحقيق ما وعد به من عقاب حالة استخدم النظام السلاح الكيميائي.

وفي ظل غياب الدعم البريطاني ومن الكونغرس وافق على المقترح الروسي القاضي بتفكيك أسلحة سوريا الكيماوية تاركًا الأسد في السلطة. ولا شك ان تردد الرئيس كان سببا في خيبة أمل حلفائه في دول الخليج التي كانت تعول على القرار الأمريكي للتخلص من الأسد. ومع أن أوباما لا يقيم وزنا لفكرة «المصداقية» إلا أن قراره في 13 أيلول / سبتمبر 2013 أحدث هزة في عواصم دول الحليفة وجرأ أعداء الولايات المتحدة خاصة روسيا لفحص قدرة الرئيس الأمريكي أكثر. ففي عام 2014 قام بوتين بضم شبه جزيرة القرم ودعم الانفصاليين شرقي أوكرانيا ولعب دورا في الهجمات الألكترونية هذا العام للتأثير على الانتخابات الأمريكية. ويتساءل الكاتب عن تأثير كل هذا على سمعة أوباما. ويجيب أنه من الصعب التكهن، خاصة أننا لا نعرف أي ملمح من سياسة أوباما سيركز عليه المؤرخون في المستقبل. وبناء على التجارب الماضية فلن يتم الحكم على أوباما لفشله وقف المذبحة في سوريا.

وركز صحافيون ومؤرخون مثل سامنثا باور وبن كينان وغاري باس على المذابح والمجازر الأخرى فيما ناقش دعاة حقوق الإنسان على الدور الذي يجب أن تضطلع به أقوى أمة على وجه البسيطة. ولكن هذا الوعي الذي وصل ذروته في التسعينات من القرن الماضي تراجع منذ فشل غزو العراق.

قد تتأثر السمعة

وسيجد أوباما عزاء من أن سمعة الرؤساء السابقين لم تتأثر لأنها لم تتحرك في وجه المذبحة. وهذا لا يعني عدم نقدهم، فهاري ترومان نال ثناء لوقفه التهديد الشيوعي في أوروبا إلا أنه لوحق بسبب فشله في الصين وانتصار ماوتسي تونغ عام 1949 وظل السؤال «من خسر الصين؟» وهو ما دفع خلفاءه للتدخل في فيتنام ولاوس ومناطق أخرى في جنوب شرق آسيا.

وأسهم فشل جيمي كارتر في الرد على غزو الاتحاد السوفييتي واحتلال السفارة الأمريكية في طهران بعد الثورة الإسلامية بهزيمته أمام رونالد ريغان عام 1980. ويعرف أوباما جيدا أن سمعة الرؤوساء تتأثر لو تغير مسار الحرب. فقد ظل ليندون جونسون بعيدا عن طبقة الرؤساء العظام لأنه خاض حربا في فيتنام كان يعرف أنه لا يمكن الانتصار بها. وسيظل غزو العراق عام 2003 العنصر الرئيسي في الحكم على فترة جورج دبليو بوش.

وبالتأكيد وصل أوباما إلى البيت الأبيض على بطاقة معارضة الحرب. ولكن درس العراق ظل المحرك الرئيسي له لتجنب توريط الولايات المتحدة في حرب كارثية جديدة في الشرق الأوسط. وفي النهاية لن تكون سوريا هي العامل الوحيد الذي سيشكل إرث أوباما، فهناك محاولاته تخفيض القوات في أفغانستان وسحبها من العراق ثم نشرها وعلى قاعدة صغيرة هناك والاتفاق النووي مع إيران وتطبيع العلاقات مع كوبا وجهوده المتعثرة في التسوية السلمية بين الإسرائيليين والفلسطينيين وتحوله نحو آسيا وبناء علاقات مع دولها بعيدا عن الحلفاء التقليديين في منطقة الشرق الأوسط، وكلها ستضيف إلى السجل المعقد الذي لن تظهر تداعياته إلا في وقت لاحق. ومع ذلك فالنتيجة التي لا يمكن تجنبها هي أن حذر أوباما الشديد ومحاولته تصحيح أخطاء مرحلة بوش فلم يستطع الحفاظ على وضع الولايات المتحدة كلاعب مهم في السياسة الدولية ولا بناء عالم أكثر أمنا واستقرارا.



صدى الشام