كتّاب ومثقفون سوريون يُقدّمون رؤيتهم لتصحيح مسار الثورة


باسم حسين

مع دخول العام الجديد، واقتراب الثورة السورية من دخول عامها السابع، وجّهت مجموعة من الكتّأب والمثقفين والمفكرين والإعلاميين السوريين نداءً نقديًا مفتوحًا، هدفه “تصحيح مسارات الثورة السورية”، شددوا فيه على ضرورة تصحيح مسار الثورة؛ حتى لا “تنحرف أو تضيع وتتبدّد طاقاتها وإنجازاتها”، وقدّموا نقدًا لـ “الأوهام” الأساسية التي خيّمت على القضية السورية، كما قدّموا رؤيتهم للمهمات التي تواجه السوريين في المرحلة المقبلة؛ لتصويب مسار الثورة.

وأشار النداء/ البيان إلى ضرورة تجاوز كثير من الأوهام والرهانات التي ثبت عقمها وإخفاقها، ويجب القطع معها، وعلى رأسها:

“أولًا، وهم المراهنة بأن العالم لن يترك شعبنا مكشوفًا أمام بطش النظام، وأن نوعًا من التدخّل الدولي سيحدث؛ ما يسهّل على الثورة إسقاطه”، عادّين أن ذلك أدى إلى مسألتين خطرتين: “أولاهما: التعويل على الخارج والارتهان لأجنداته، وثانيتهما: تصعيد العمل المسلح بطريقة غير محسوبة أو مدروسة”.

“ثانيًا، شيوع وهم أن إسقاط النظام، لن يتم إلا بالسلاح وحده، وأن العالم يمكن أن يسمح بإسقاطه بالصراع المسلح، فقط”، وهو ما ترافق -في رأيهم- مع إخراج أغلبية الشعب من معادلات الصراع مع النظام، بسبب التشريد والتهجير والحصار والقصف، ودخول إيران وروسيا، والميلشيات “الشيعية”، وميّزوا في هذا المجال بين تشكيل “الجيش الحر” والجماعات الأهلية المسلحة؛ للدفاع عن أحيائها وقراها التي رأوها نتاجًا طبيعيًا للصراع، وبين قيام بعض الدول بإنشاء فصائل عسكرية ذات خلفية أيديولوجية إسلامية، غالبتيها متشددة، وتقديم المال والسلاح لها، من الجهة الأخرى، التي عدّوها تلاعبًا خارجيًا بالثورة”.

“ثالثًا، وهم المراهنة على (جبهة النصرة – فتح الشام لاحقًا) وأخواتها”؛ لأن هذا الفصيل “نشأ نتيجة لتلاعبات خارجية، لم يحسب نفسه على الثورة، بل إنه ناهض مقاصدها، براياته وخطاباته ونمط تعامله مع البيئات الشعبية، فضلًا عن أنه لعب أدوارًا خطرة في قتال “الجيش الحر”، وتنكيله وملاحقته الناشطين” وعدوها مع “داعش” “شكلين من أشكال الثورة المضادة”.

“رابعًا، وهم المناطق المحرّرة”، لأنها تحولت إلى مناطق محاصرة من الناحية العملية، و”أضحت حقول رماية لقذائف النظام وبراميله المتفجرّة، وساحات لتجريب الأسلحة والقذائف، حسبما فعل الروس”، وفاقم ذلك “نمط إدارة الفصائل المسلحة (النصرة وأشباهها) لها، التي اتسمت غالبًا بالتعسّف والعنف والتطرف”.

“خامسًا، وهم المراهنة على الكيانات والخطابات الأيديولوجية والطائفية، إذ إن ذلك أدخل الثورة في مخاطر جمة؛ لأنه جرى دون مراعاة تنوّع مكونات الشعب، الدينية والمذهبية والاثنية، وبإزاحة الخطابات الأولية للثورة، المتعلقة بوصف سورية بلدًا لجميع السوريين، وإقامة دولة مدنية ديموقراطية تعددية، علمًا أننا لا نخطّئ هذه الكيانات والخطابات لأنها إسلامية، بل لأنها أيديولوجية ومتعصّبة ومغلقة وإقصائية”.

“سادسًا، وهم الضربة القاضية، أو ساعة الصفر، أو ملحمة حلب، أو الثورة إلى الأبد؛ إذ إن جميعها تصدر عن عقليات قدرية ورغبوية، لا علاقة لها بالسياسة، ولا بموازين القوى، ولا تبدي أي حساسية للأرواح والتضحيات”.

“سابعًا، وهم التمثيل”؛ لأن مشكلة المعارضة، السياسية والعسكرية والمدنية، تكمن في أنها “مفتّتة، وتشتغل بمعزل عن حواضنها المجتمعية، ومن دون أي توسّطات أو شبكات متبادلة، كما تتمثل بضعف إدراكاتها لمكانتها ودورها وانضباطها للدور المرسوم لها، من الفاعلين الدوليين والإقليميين، وعجزها عن تطوير أحوالها بتوسيع هيئاتها على قواعد مؤسسية وتمثيلية وديمقراطية، وقواعد تنظيمية سليمة”.

وخلص الموقعون على البيان إلى جملة من الدروس والمهمات التي تواجه السوريين في المرحلة المقبلة لتصويب مسار الثورة، على رأسها:

“أولًا، استعادة ثورتنا لخطاباتها، أو لمقاصدها الأساسية التي انطلقت من أجلها، بتأكيد طابعها، بوصفها ثورة وطنية ديمقراطية، ثورة تهمّ شعبنا بمختلف مكوناته الدينية والمذهبية والإثنية والمناطقية، ثورة تقوم من أجل التحرر من نظام الاستبداد والفساد، وإقامة دولة مؤسسات وقانون ومواطنين أحرار ومتساوين في دولة مدنية، تنتهج النظام الديمقراطي وتوفر العدالة الاجتماعية في الحكم، وفي العلاقة بين سائر مكونات المجتمع والدولة”.

“ثانيًا، الاشتغال على بناء كيان سياسي جمعي جبهوي للسوريين، تعترف الأطراف المشكلة له ببعضها، بمشتركاتها واختلافاتها، وتجتمع على الهدف الأساسي للثورة، بغضّ النظر عن الخلفيات الفكرية، وبعيدًا عن العصبيات الأيديولوجية أو الهوياتية أو الدينية”.

“ثالثًا، بذل الجهد لبلورة تيار وطني ديمقراطي في الثورة السورية؛ لأن في ذلك ضرورة موضوعية، لمصلحة شعبنا وثورته، وأيضا تعبيرًا عن كتلة واسعة في المجتمع وفي المعارضة”. لكن قيام هذا التيار برأيهم “يحتاج إلى خطوات مدروسة ومتدرّجة، كما يحتاج إلى رؤى سياسية، تبرّر وجوده وتعبّر عن هويته. وفي هذا الصدد، فإننا نثمّن عاليًا كل المبادرات والتصورات التي تشتغل في هذا الاتجاه، بعقلية منفتحة، بعيدًا عن الاستئثار والاحتكار، وعن ادّعاءات المركز والأطراف، أو فوق وتحت، أو النخبة والقواعد، وكلها ستساهم في توليد هذا التيار، بطريقة سليمة”.

“رابعًا… التأكيد على أهمية إعادة تنظيم الشعب، وبناء كياناته السياسية والمدنية، لإطلاق موجة جديدة من الكفاح الشعبي، بما يُقلّل من أكلاف الصراع، وتحقق أفضل الإنجازات، ولو على المدى الطويل”، وكذلك “إنشاء جيش وطني، يضع حدًا للتشرذم والفصائلية، وينتهج استراتيجية كفاحية مدروسة، تتأسس على الإمكانات الذاتية، وعدم الارتهان لأجندات الخارج، ويأخذ في حسبانه قدرة الشعب على التحمل، ومراعاة الأوضاع السياسية الدولية والإقليمية”.

“خامسًا… بذل الجهد لإنشاء كيانات أو ممثليات شعبية في الداخل والخارج، عبر تنظيم مؤتمرات، ينبثق عنها ممثلون على أساس الكفاءة والنزاهة والروح الكفاحية”.

“سادسًا… حل المسألة الكردية والمسالة القومية لبقية المكونات حلًا عادلًا، في هذه المرحلة، يأتي ضمن الثورة الوطنية الديمقراطية، وضمن ذلك مثلا الاعتراف للكرد بحقوق المواطنة المتساوية، بوصفهم سوريين، وبحقوقهم الجمعية والقومية كـ (شعب) في إطار الوطن السوري”.

“سابعًا… تأكيد حق الثورة المشروع في استعادة الجولان السورية المحتلة، ومساندة حق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه، علمًا أن أحد أهم أسباب تعقد المسألة السورية ناجم عن وجود إسرائيل، التي ترى في النظام بمنزلة حام لأمنها، فضلًا عن كونها كيانًا استعماريًا واستيطانيًا وعنصريًا، يتناقض مع ثورة الحرية والكرامة والمواطنة”.

“ثامنًا… انتفاء الطائفية السياسية الموظفة في صراعات السلطة”.

“تاسعًا… التأكيد على أن أي حل ينبغي أن يتأسس على تلبية مصالح وحقوق كل السوريين، حتى مع تنوّعهم واختلافاتهم، بداية من الوقف التام لكل أعمال القتل والتدمير والتشريد، والإفراج عن المعتقلين، ورفع الأطواق الأمنية عن المناطق المحاصرة، وإخراج الجماعات أو الميليشيات المسلحة الأجنبية من البلد، بضمانة قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي، ومع وجود قوات دولية. هذا هو الشرط اللازم لأي بداية للحل السياسي، وتأتي بعد ذلك الخطوة التي لا بد منها، وهي صوغ دستور جديد يضمن حقوق المواطنة، وأهمها الحرية والمساواة بين جميع المواطنين، في دولة مؤسسات وقانون، والاحتكام إلى القواعد الديمقراطية في تداول السلطة”.

وأخيرًا، دعا الموقعون على البيان الكيانات السياسية والعسكرية والمدنية السورية الفاعلة لإجراء مراجعة نقدية ومسؤولة لأوضاعها؛ خطاباتها، مساراتها، أشكال عملها، وعلاقاتها بمجتمعها ومع الخارج؛ “لأن السير على الطريق ذاتها التي سارت عليها في السنوات الماضية، لن يؤدي إلا إلى تآكل صدقية الثورة، وانحسار دورها معارضةً، وتاليًا؛ تبديد معاناة وتضحيات شعبنا؛ ما يفيد النظام ويطيل أمد حياته”، وفق البيان.

ومن الموقعين على البيان: أحمد البرقاوي – أحمد الشرقاط – أحمد الرفاعي – إبراهيم محمد – إبراهيم هواش – إبراهيم إبراهيم -إسلام ابو شكير – آشتي أمير – أفنان التلاوي- أنور بدر – أندريه حيدر – باسل العودات –  بدر منصور – بشار عبود – تركي الدرويش – تميم صاحب – جمال حمور – جمال شيربو – جوان يوسف – جرجس مطر – جميل سامي ـ حازم نهار – خالد محاميد – خالد خسوف – خالد حسن العملة – راكان سليمان رجوب – ربيع الراوي – رديف مصطفى – رستم التمو – زكريا السقال – زرادشت محمد – سفيان إسماعيل – سميرة المسالمة – سحبان سواح – سعد فهد الشويش – سومر هابيل – عبد الرحيم خليفة – عبد الجليل رعد – عبد الله تركماني – عبد الرزاق أحمد الجيد – عقاب يحيى – عصام دمشقي – عدنان عبد الرزاق – عبد الباسط بيطار – عماد قصاص – عماد سلمان العشعوش – غالية قباني – فايز سارة – فايز قنطار – فاطمة الحاج عبد – فخر شلب الشام – فؤاد إيليا – مازن عدي – مازن الرفاعي – ماجد كيالي – محمد حمام – مروان خورشيد – مروان الأحمد – مريم أحمد محمد – مديحة مرهش – محمد عنتابلي – منى أسعد – موفق نيربية – منصور الأتاسي – منصور خزعل – مها غزال – مظهر ملوحي – مظهر الناطور – مروان عبد الرزاق (ابو بحر) – ميشيل كيلو – ناصر العلي – نجم الدين السمان – نغم غادري – موفق كنج حرب – محمود عادل باذنجكي – نواف الركاد – وسيم حسان – وائل التميمي – هيثم بدرخان.




المصدر