وقف النار في سورية ومؤشرات «واقعية» روسية


العرب

أن يُختتم العام 2066 بوقف لإطلاق النار في سوريا فهذا من المؤشّرات الإيجابية التي يجب تثبيتها والبناء عليها لتطويرها. أي هدنة كانت محبّذة دائمًا، تحديدًا منذ أصبح الشعب السوري في مواجهة تواطؤ «موضوعي» بين قوّتَين قوة عُظميَين، روسيا والولايات المتحدة، وبعدما عانى هذا الشعب عدوانية نظام بشار الأسد وحلفائه إيران وميليشياتها. كان سقوط حلب مؤلمًا لأن غزاتها استهدفوا كل ما عنته هذه المدينة من تعايش وتمازج بين الأديان والحضارات، قديمًا وحديثًا، ولأنهم أصرّوا على تدمير معظم معالمها وإخلائها من سكانها ونهب منازلها، ففي ذلك إصرارٌ على القطع مع تجربتها التاريخية المميّزة بغية تأسيس تجربة جديدة تخدم مشاريع تقسيمية لا تزال تراود أذهان الغزاة.

لا أحد يثق بأي وقف للنار من دون إجراءات ضرورية، مكمّلة ومواكبة، لا يبدو حتى الآن أن روسيا، صاحبة الأمر والنهي، تضعها في أولوياتها. ومن ذلك مثلًا تسهيل الإغاثات الإنسانية وإنهاء الحصارات للحؤول دون المجاعات أو شبه المجاعات التي تتسبّب بها، ومنها أيضًا جلاء مصير نحو مئتي ألف معتقل في سجون النظام، ومنها خصوصًا ترحيل الميليشيات التي استحضرتها إيران دعمًا لأجندتها الطائفية ومشاريع التغيير الديموغرافي التي توليها طهران أهمية خاصة لتثبيت وجودها في سورية وإعاقة أي مساعٍ لإعادة النازحين والمهجّرين… فهذه جميعًا مهمّات لا بدّ منها لأي عملية أمنية – سياسية هدفها إنهاء الصراع وبناء سلام واستقرار في سورية.

لا شك أن وقف النار، بمفهومه الواسع، سيحتاج إلى وقت وسيتعرّض لانتهاكات وانتكاسات، وربما فجّر صراعات جديدة لأن هناك خاسرين من وقف الصراع وإنهائه. ورغم الغموض الذي تعمل به موسكو على الدوام إلّا أنها توحي في هذه المرحلة بأن لها مصلحة في تطبيع الوضع، ولو جزئيًا، بإجراء تفاهمات مع فصائل المعارضة ومع تركيا، مثلما كانت لها مصلحة في مرحلة سابقة في إبعاد الخطر عن النظام والتعاون مع إيران لتغيير موازين القوى على الأرض. كانت موسكو نظرت باستمرار إلى المعارضة على أنها «جماعات متمرّدة على الدولة» ولا بدّ من هزمها عسكريًا قبل التعاطي معها سياسيًا، ولعلها تعتبر أن هزيمة حلب كافية لتفرض على المعارضة تسوية سياسية تُبقي على «النظام» وعلى «الدولة».

في المحادثات الأخيرة مع تركيا ومع فصائل المعارضة السورية أظهرت موسكو شيئًا من الواقعية التي كانت مفتقدة لديها في الشهور الماضية. أصبحت فجأة تعترف بأن هناك فعلًا فصائل معارضة غير إرهابية وكانت ترفض تمييزًا كهذا، وبأن هدنة شاملة مدخل ضروري لأي مفاوضات سياسية بعدما كانت تدعو المعارضة إلى الانخراط في التفاوض من دون شروط. لكنها لم تُظهر بعد إدراكها لما حصل في سوريا، وبمساهمتها، رغم أنها منذ التدخّل المباشر تعرّفت إلى الكثير من الحقائق الصادمة، بل رأت الفارق بين «النظام» و«الدولة» اللذين تدافع عنهما وكيف أصبحا مجرد كيانين هشّين ووهميين، بل كيف عملت إيران على تهميش الجيش وإحاطته بعشرات الميليشيات. والأهم أن روسيا اختبرت مباشرةً مدى سلبية هذا النظام حيال أي مسعى للخروج من الأزمة حتى أنها لم تعد بحاجة إلى مَن يقول لها إن وجود بشار الأسد معوّق لأي حل؛ لذلك فإن البحث عن الحل السياسي هو أيضًا فرصة لموسكو كي تبرهن أن لديها حسًّا بالمسؤولية وليست مجرد طرف في الأزمة يملك تفوّقًا ناريًا.

(*) كاتب لبناني




المصدر