‘علاء الدين أبو زينة يكتب: 2016.. عام للنسيان..!’
2 كانون الثاني (يناير - جانفي)، 2017
علاء الدين أبو زينة
لم تكن الأحوال العامة في العام 2016 الذي رحل أمس تسر الخاطر. لم ينهزم غول الإرهاب وما يزال يتهدد مواطني هذه المنطقة وبقية العالم. ولم تهدأ الحروب الأهلية الوحشية في أوطاننا العربية العزيزة، في سورية، والعراق واليمن. لم تستقر ليبيا، ولم يقطع الفلسطينيون خطوة على طريق الحرية والخلاص من الاحتلال الطويل.
المنافسات الإقليمية تعمقت، واتسع نطاق العداء بين الدول الجارة في المنطقة. وبدلاً من تركيز الأنظمة على النهوض بأحوال مواطنيها وأوطانها، أصبحت حصة الناس تُصادَر لصالح شراء أسلحة الموت بمليارات الدولارات، وأصبح أمنهم وأرواحهم عرضة للخطر، بإقحامهم مباشرة في الصراعات أو تركهم نهباً للقلق. وفي داخل الأوطان نفسها، أفلت مارد الصراعات الطائفية والعرقية والمذهبية والأيديولوجية من قمقمه، ولم يتمكن أحد من إعادته إلى الزجاجة في العام الماضي. كما أن الجماعات المتطرفة التي شغلت الفراغات الأمنية في أكثر من مكان ما تزال تعيث فساداً في جسد وروح هذه الأمة حتى اليوم.
في العام الماضي، تعمقت أيضاً حالة الشك وعدم اليقين في الروح العربية. أصبح الناس يشككون حتى في عروبتهم وهوياتهم، ويستنطقون عقائدهم الشخصية ومختلف الأفكار العالمية التي شكلت لهم ذات مرة موضوعاً للإيمان المطلق. كما ذهبت إلى طي النسيان أي مشاعر متفائلة تبقت من “الربيع العربي”، وفقد الناس الإحساس بالجدوى وإمكانية التغيير في أي وقت قريب. وفي العالم كله أيضاً، تقدم اليمينيون والقوميون المتطرفون والشعبويون على حساب الأمميين والليبراليين. وسادت حالة من القلق التي جسدت نفسها في استعادة دولة الأمن والمراقبة، وقبول الناس بمصادرة حرياتهم نتيجة الخوف. كما تعززت اتجاهات كراهية الآخرين والميل إلى العزلة والانفصال.
وهنا في الأردن الغالي، ما يزال الاقتصاد يعاني، ولم يلحظ مواطنونا تحسُّناً يذكر. بل إن تأثيرات الأزمة المباشرة على المواطن تصبح أكثر وضوحاً في ارتفاعات الأسعار والاتجاه إلى رفع الدعم عن السلع الأساسية. وعلى صعيد السلوك الاجتماعي، شهد العام الماضي أحداثاً مؤسفة غريبة على ثقافتنا الأردنية المتسامحة، مثل العنف في الجامعات، والمشاجرات، وجرائم القتل الغريبة أو الانتحار، وما يسمى “قتل الشرف”. كما شهدت محاولات تطوير التعليم الأردني جدلاً متوتراً فيه الكثير من العدوانية حول تعديل المناهج، والذي كشف عن اتجاهات رجعية قوية معادية لأي تغيير، ولأي شكل حضاري من الحوار الوطني حسن النية لتحقيق الأفضل.
وعلى صعيد الأمن والأمان الذي نتباهى به، نحن الأردنيين، شهد الأردن بعض الأحداث المؤسفة التي خسرنا بسببها كوكبة من الشهداء العزيزين على قلوبنا. وعلى الرغم من فشل الإرهابيين والظلاميين في النيل من عزيمة هذا البلد وأهله، كان لفقدان هؤلاء الشهداء طعم المرارة في العام المنقضي. وفي ظل تكاثر المجموعات المتشددة وأصحاب الفكر المنغلق في المنطقة، وصعوبة اجتثاث هذه الاتجاهات المدمرة، ندخل العام الجديد مصحوبين بالقلق نفسه. وللأسف، أصبحنا نجد ميلاً إلى استرجاع سنوات الماضي التي كانت تنطوي على الوعد، تهرباً من تصور الوجهات التي ربما تفضي إليها المؤشرات الراهنة.
بغض النظر عن الإنجازات الفردية التي قد يحققها بعض الأفراد، فإن الأفراد لا يمكن أن يعيشوا في معزل عما يحدث في مجتمعاتهم القريبة، فأطرهم الإقليمية وما يحدث في العالم بشكل عام. وعلى خلفية الحراك العام والمحلي، أصبحت الفكرة الأكثر تداولاً هي التحذير من أيام قادمة أصعب وأقسى. وسواء في الدول الغنية أو الفقيرة في منطقتنا، أصبح هناك نقص لا يخفى في معروض الأمل والفرصة، لحساب مطالبة المواطن بالتقشف والتحضير للتكيف مع الأسوأ. وقد ارتفع منسوب التوتر إلى مستويات غير معهودة، بطريقة تنعكس في الاتجاهات العدوانية والخلاف الاجتماعي، وصولاً إلى اشتباك الناس مع مواطنيهم في صراعات دموية، بلا أضواء في نهاية النفق.
في كثير من الأماكن، أصبح تعبير الفرد عن الاحتفال بمرور عام وقدوم عام طباقاً لقول الراحل محمود درويش: “ما زلتُ حياً.. ألفُ شكرٍ للمصادفة السعيدة”. ومع الحياة، يظل الحلم بتحقق معجزة الأمل حاضراً برغم المتناقضات، في انتظار شيء جميل قادم نرجو أن لا يطيل الغياب. أتمنى من القلب أن يكون 2016 عاماً للنسيان، وأن يكون الأردن وأهله والمنطقة والعالم بخير.
المصدر: الغد
علاء الدين أبو زينة يكتب: 2016.. عام للنسيان..! على ميكروسيريا.
ميكروسيريا –