مع صديقي أبي شادي

3 كانون الثاني (يناير - جانفي)، 2017
4 minutes

فوزات رزق

صديقي أبو شادي له حضور جميل، كلما شكوت له أمرًا بادرني بطرفة تذهب بكآبتي، وتعيدني إلى حالة من التوازن النفسي. التقيته اليوم، وشكوت إليه علاقتي مع الحكومة؛ فكلما بادرت لمصالحتها بادرتني بالجفاء، لا أدري لماذا، مع أنني أسير مع الحائط وأطلب السترة كما يقولون.
أحاول بشتى الوسائل أن أقنعهم أنني مع توجهات الحكومة في قمع المتظاهرين؛ من أجل المحافظة على الأمن.
أتعمد أن أفتح حديثاُ أمام الناس أدافع فيه عن غلاء الأسعار وتدهور قيمة الليرة السورية؛ نتيجة الحصار المفروض على البلد، أسوغ لهم حصار المدن وتهجير الناس، وتغيير البنية الديمغرافية، وذلك لضرورات أمنية.
إذا صادف وجمعتني جلسة مع أحد المخبرين أبدأ بالإشادة بما يقوم به الجيش العربي السوري بملاحقة العصابات المسلحة.
لا أفوّت أي فرصة في الإشادة بالدور الروسي الكبير في دعم النظام وحمايته. ودور الطيران الروسي الباسل في معركة حلب.
حتى العصابات التي تقاتل مع النظام من حزب الله تبع حسن نصر الله إلى لواء القدس تتبع قاسم سليماني، مرورًا بكل العصابات الشيعية جميعها أثنيت على دورها المشرّف في إبادة الشعب السوري.
إذا صادف وخرجت مسيرة تأييد للرئيس أحاول أن أكون في المقدمة وأتعمد أن أقف أمام كاميرات التصوير ويداي تشتعلان بالتصفيق، وأشق حنجرتي بالهتاف بالروح بالدم.
لم أترك مكانًا في البيت ألا علقت فيه صورة؛ في الصالون، في غرفة المعيشة. في المطبخ، في المكتبة، في الحمّام، وفي أماكن أخرى.
كل ذلك لم يشفع لي، ولم يغير شيئًا في استمارتي الأمنية. كلما مرَّ اسمي أمامهم، قالوا هذا الذي سرق العنزة، وفعل الأفاعيل. وأصروا على تفييشي.
ضحك أبو شادي حينما سمع مرافعتي هذه وقال:
والله يا صاحبي علاقتك مع الحكومة كعلاقتي مع جاري أبي العبد. قلت هات أتحفنا. فقال:
لا أدري ما الذي أغضبه مني. وأنا كما تعلم لا أرضى أن تبقى علاقتي مع الجيران متوترة. فحق الجيرة فوق كل اهتمام. ومن لا يراعي حق الجار وحرمته يقع في سوء أعماله.
مساءً ذهبت إليه، فاستقبلني مكرهًا، ووجهه يكب سمًا. قلت يا ولد ابلعها، وفتحت معه الحديث:
نحن يا أبا العبد جيران، وكما يقولون الجار موصى بالجار، والجار ولو جار، وجارك القريب ولا أخوك البعيد. ومن هذه الأمثال التي تؤكد على حق الجار. لكن أبا العبد “تنَّح”. لم يعطني وجهًا، بقي عابسًا وينظر إلى الأرض دون أن يرفع بصره بوجهي، كأنني أكلم حائطًا. فأردت أن أكسر حدة المشهد، وأخذت أسرد له بعض الحكايات التي تؤكد أن الجيران أقرب من الأهل، وكيف أن بعض الجيران يحرصون على كرامة جيرانهم لأن كرامة جارك من كرامتك.
ولم أكتف بذلك بل نهضت، وأخذته بين ذراعيّ، وقبلت شاربيه، وقلت له: افردها أبو العبد. “نص الألف خمسمية”. وبدلًا من أن يقابلني بالود نفسه قال لي:
والله كأنك بست هالصرماية.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]