وثائق سريّة بريطانية عن رفعت اﻷسد


كشفت وثائق حكومية بريطانية في الأرشيف الوطني، رُفعت عنها السرية قبل أيام معلوماتٍ جديدة عن علاقات رفعت اﻷسد بالغرب، وسعي بريطانيا لاستخدامه كورقة في سوريا.

وفي محضر عن "نائب الرئيس السوري" رفعت الأسد، فقد التقى اﻷخير بسياسي بريطاني في العام 1990، وكشف له أنه يأمل أن يعود إلى سوريا مستغلاً اضطرار أخيه حافظ الأسد إلى الانفتاح على الغرب، في إطار تأقلمه مع بدء انحسار نفوذ الاتحاد السوفيتي الذي كان لفترات طويلة حليفًا أساسيًّا لنظامه.

وينقل المحضر عنه قوله "إنه لن يعود إلى دمشق ما لم تتم إعادة تنصيبه في منصبه القيادي السابق، ويُسمح له بأن يعود معه عدد من الضباط الذين تبعوه إلى المنفى".

وبحسب تلك الوثائق لم يستجب حافظ الأسد، كما يبدو، لمطالب رفعت الذي كان جرّده منذ العام 1984 من قوّته العسكرية الأساسية "سرايا الدفاع"، ونفاه إلى خارج سوريا بمنصب "نائب الرئيس"، حيث تبعه عدد من قادة الوحدات العسكرية الموالية له.

وفي 3 نيسان/أبريل 1990 تلقَّى وزير الخارجية البريطاني دوغلاس هيرد وتشارلز باول (السكرتير الخاص لرئيس الوزراء مارغريت ثاتشر) رسالة من النائب في البرلمان جوليان أمري، تضمنت محضرًا لاجتماع عقده مع رفعت خلال عطلة نهاية الأسبوع (31 آذار/مارس - 1 نيسان/أبريل) في إسبانيا، وجاء في رسالة أمري: "ذهبت لرؤية رفعت الأسد خلال نهاية الأسبوع في البانوس، قرب ماربيا، حيث يملك عقارًا، كان يحاول منذ بعض الوقت أن يرتّب لقاء، أرفق طيّه ملاحظات عن مناقشاتنا، لا أعتقد بأن هناك الكثير الذي يمكننا أن نقوم به للتأثير في الوضع (السوري)، في المقابل، إذا سُمح لرفعت بأن يعود، وفق شروطه، فهذا يمكن أن يخفف من تشدد النظام البعثي الحالي في دمشق، وربما يُضعف المافيا المؤيدة للسوفيات التي ما زالت تحيط بحافظ، ربما علينا أن نشجّع الأمريكيين والمصريين والإسرائيليين المهتمين بأن يسألوا ما إذا كان سيساعد استدعاء الرئيس حافظ رفعت للعودة، بوصف ذلك بادرة على تغيير التفكير أو السياسة في دمشق".

وأُرفقت رسالة النائب البريطاني إلى رئيسة الوزراء ووزير الخارجية بمحضر حمل عنوان "ملاحظات بشأن لقاء بين نائب الرئيس السوري رفعت الأسد والنائب جوليان أمري يوم السبت 31 آذار 1990 في البانوس قرب ماربيا من الساعة 8 مساء حتى منتصف الليل".

وأضاف المحضر: "عقدت لقاء مع نائب الرئيس استمر ساعتين (محادثة مترجمة) تلاه عشاء، كان (رفعت) يطلب اللقاء منذ بعض الوقت، لم يكن لديه شيء جديد ليقوله، أعتقد بأنه ببساطة كان تواقًا لإبقاء خط الاتصال مفتوحًا، بدأ رفعت بالحديث عن آماله الكبيرة بحصول تغيير أساسي في سياسة سوريا في آب/أغسطس العام الماضي، لقد أُجهضت تلك الآمال، في رأيه الوضع لم يتغيّر تغيّرًا كبيرًا منذ ذلك الوقت باستثناء التحسن في العلاقات بين سوريا ومصر، يميل إلى الاعتقاد بأن هذا حملة علاقات عامة من كل من القاهرة ودمشق".

وتابع المحضر ناقلاً عن رفعت: "في سوريا نفسها الوضع يتدهور لأسباب عدة، الوضع الاقتصادي يسوء ولا يمكن تحسينه من دون الابتعاد عن (سياسة) التحكّم في السوق، لبنان يستهلك قدرات (سوريا) ورجالها، عودة الأردن إلى الحكم البرلماني تطرح أسئلة محرجة في دمشق، التأييد السوفيتي يتراجع بشكل واضح، ما زالت موسكو ترسل السلاح لكنها قلّصت بشكل كبير الدعم المادي والمعنوي، وهذا أمر يصبح جلياً، الدعم السعودي يبدو أيضاً أنه في تراجع، ما زال هناك أمل بالدعم الأمريكي".

وشرح المحضر ما يعنيه بالدعم الأمريكي: "رفعت لا يعتقد أن المبادرات الأخيرة للرئيس السابق (جيمي) كارتر تمت بناء على تعليمات من واشنطن، كان لكارتر دومًا علاقة شخصية جيّدة مع حافظ الأسد، هو (أي كارتر) يعتبر كامب ديفيد أكبر إنجازاته، ويريد أن يستكملها بترتيب اتفاق بين سوريا وإسرائيل، لا شك في أنه تشاور مع كل من مصر وإسرائيل، بالإضافة إلى واشنطن، قبل ذهابه إلى دمشق".

وتابع التقرير: "بالانتقال إلى وضعه الخاص، قال رفعت إنه أوضح (لحافظ الأسد الذي اعتقد أنه ما زال على اتصال به) أنه لن يعود إلى دمشق ما لم تتم إعادة تنصيبه في منصبه القيادي السابق، ويسمح له بأن يجلب معه عدداً من الضباط الذين تبعوه إلى المنفى، إذا ما كان له أن يعود فإحدى أولى خطواته ستكون الدعوة إلى حوار فوري مع إسرائيل، في تقويمه، حافظ الأسد في وضع لا يختلف كثيراً عن وضع تشاوشيسكو (رئيس رومانيا السابق) وقادة آخرين مؤيدين للسوفيات في أوروبا الشرقية وإثيوبيا، ربما يريد الانعطاف وتبني اتجاه مؤيّد للغرب، لكن ذلك سيكون صعبًا عليه ويتطلب اقتناعًا من الدول الأخرى المعنية، رفعت، إذا ما سُمح له بالعودة، وفق شروطه، سيكون في وضع أفضل لإقناع دول أخرى في المنطقة بأن تحوّل حافظ حقيقيٌّ، حتى الآن، لا يبدو أن هناك تغييرًا في هذا الاتجاه من دمشق، في ظل هذا الوضع ليس أمامه (رفعت) من خيار سوى انتظار التطورات".

وتابع أمري: "حديثنا خلال العشاء كان أكثر عمومية، رفعت يعرف السوفيات معرفة جيدة، يعتقد أنهم لا بدّ أن يتراجعوا نحو عمقهم السلافي (الكلمة الأصلية كانت «السوفياتي» لكنها مصححة بخط اليد إلى "سلافي") حيث سيبقون قوة عسكرية لا يستهان بها، يفترض أنهم قد يُبقون أيضًا على علاقات مهمة مع تلك الأراضي "المستعمرة" التي سيكون عليهم تركها"، في إشارة إلى الدول المتحالفة معهم.

واختتم أمري محضره: "جاء إلى رفعت بعد ظهر اليوم التالي لتوديعي، سألني عن علاقتي بياسر عرفات، عندما قلت له إنني لم أقابله قط، قال إنه سأل فقط لأنه اعتقد أنني يمكن أن أطلب إرسال تحياتي له كونه سيأتي لرؤية رفعت في مساء اليوم ذاته (فهمت أن حافظ يدعم جماعة فلسطينية منافسة لمنظمة التحرير الفلسطينية لذلك فإن منظمة التحرير تحاول خطب ود رفعت)، جوليان أمري".

وحاول رفعت اﻷسد الانقلاب على أخيه حافظ بعد مجزرة حماة الدامية مطلع الثمانينات، إلا أن محاولته فشلت، فقام حافظ بطرده بعد إعطائه مبالغ ضخمة من خزينة الدولة، افتتح بها مشاريع اقتصادية في دول أوروبية.