بطالة مرتفعة رغم توفر الفرص


تناقض يعيشه سوق العمل في سوريا، فرغم تعطشه لليد العاملة إلا أن نسب البطالة مرتفعة جداً فيه، كما أن تركيبة هذه السوق تغيرت كثيراً خلال سنوات الثورة السورية، فنسبة الرجال المنتجين أصبحت قليلة  لتتحول اليد المنتجة في كثير القطاعات الاقتصادية والحياتية إلى اليد “الناعمة” من خلال وجود النساء بشكل كبير.

ولهذه الظاهرة الجديدة أسباب كامنة وراءها يعلمها الصغير والكبير، إلا أن حكومة النظام تعامت عنها وأهملتها.

 

السبب والعجب

انطلاقاً من المثل القائل: “إذا عرف السبب بطل العجب” فإنه ينبغي الإشارة إلى أن هذا التناقض في سوق العمل يعود إلى هجرة اليد العاملة الشابة للخارج هرباً من المعارك وتبعاتها، حسب ما أكده باحث في الشؤون الاجتماعية – رفض الكشف عن اسمه- في تصريح لصدى الشام مشيراً إلى أن أكثر من مليون عامل هاجروا لخارج سورية خلال السنوات الماضية معظمهم من الفنييّن والمتخصصين والمهنيين، كما أن حركة النزوح الكبيرة التي شهدتها المحافظات السورية إلى المناطق الآمنة أدت إلى إحداث تغيير ديموغرافي كبير في تركيبة سوق العمل، فمعظم من نزحوا اضطروا للعمل في الظل، أي في المعامل والورشات وعلى البسطات، وذلك كونهم فقدوا مصدر رزقهم في مناطق معيشتهم السابقة، وهذا دفع إلى توسع اقتصاد الظل في سورية “الاقتصاد غير المنظم” إلى أكثر من 65% حالياً.

وزاد من معاناة هؤلاء -بحسب الباحث- الحملات التي قامت بها بعض المحافظات مثل دمشق واللاذقية لمكافحة البسطات، حيث أدرج أكثر من 6 آلاف عاطل عن العمل في قائمة البطالة، أي باتت 6 آلاف أسرة بلا مصدر رزق لها، وبالتالي إدراج أكثر من 30 ألف مواطن سوري ضمن قائمة الفقر دون تأمين عمل بديل لهذه الأسر.

 

فقدان الوظيفة الحكومية لميزاتها

الباحث أكد أن معظم المؤسسات في القطاعين العام والخاص تعاني من نقص حاد جداً في اليد العاملة على مختلف مستوياتها، سواء الخبيرة أو العادية، وهذا ما تؤكده الكثير من التصريحات الحكومية، وأيضاً المسابقات التي تعلن عنها للتوظيف في مؤسسات النظام. ورغم كل المسابقات التي تعلنها هذه الجهات إلا أن المتقدمين يمكن عدهم على أصابع اليدين، فلا يوجد إقبال على التوظيف على عكس السنوات التي كانت قبل الثورة، وذلك لعدة أسباب أهمها قضية التجنيد التي يعاني منها معظم الشباب السوري، والتي كانت الدافع الأول وراء هجرة الآلاف إلى الخارج، فالموظف في المؤسسة الحكومية عليه أن يلتحق بالجيش أو الميليشيات الرديفة وإلا سيتم طرده من العمل، كما أن الوظيفة العامة لا تسمح للموظفين بالسفر إلا بإذن حكومي، وهذا من شأنه أن يعرقل حركة الموظف في حال تم طلبه إلى الاحتياط، ما دفع بالكثير من الشباب للابتعاد كلياً عن فكرة التوظيف في القطاع العام، أما السبب الثاني فهو قلة الأجور التي باتت لا تتجاوز أكثر من 50 دولار شهرياً، وهي لا تكفي أجور المواصلات والغذاء. هذان السببان أفقدا الوظيفة العامة كل ميزاتها الأخرى سواء الراتب التقاعدي أو التأمين الصحي وغيرها من المزايا.

 

 

ولفت الباحث إلى أن هذا الأمر من شأنه أن يشكل تهديداُ حقيقياً لبنية العمل في المؤسسات العامة، فمعظم من يوجد حالياً في هذه المؤسسات والدوائر هم من النساء أو الرجال الذين أعمارهم فوق 45 عاماً، وهذا من شأنه أن يؤثر على الإنتاج في المؤسسات الإنتاجية كون اليد العاملة “مُسنة”، ولا يمكن أن تتحمل ضغط العمل، وحتى النساء لا يمكنهن أن يتحملن هذا الضغط، وما نجده حالياً أن المكاتب الإدارية ممتلئة بالموظفين النساء والرجال المسنين، في حين أن خطوط الإنتاج تعاني الأمرين من نقص اليد العاملة المنتجة والخبيرة.

ولفت الباحث إلى أن المرأة السورية باتت تحمل الهم الأكبر في العمل بظل غياب الشباب والأزواج، وباتت هي المعيلة للأسرة، حتى أنها أصبحت تدير شؤون الأسرة سواء بالوقوف على طوابير الغاز والمازوت والخبز أو في قضاء المعاملات في الدوائر، وشوارع دمشق وغيرها من المحافظات تشهد على ذلك، فلا يوجد شباب في الشوارع بل معظمهم نساء، وفي حال ألقينا نظرة على أي ورشة خياطة فإننا سنجد معظم العاملين فيها من النساء، وكذلك الأمر لبقية المعامل، وبالطبع النساء لا يمكنهن العمل كالرجال، أي أن نسبة الإنتاج ستنخفض أكثر فأكثر.

ونوه الباحث إلى أن هذه العوامل أدت لإحداث التناقض الذي ذكرناه، فارتفعت معدلات البطالة وزاد الفقر، بالرغم من توافر فرص العمل.

 

 

الجيش أو البطالة أو السفر

وأضاف الباحث: القطاع الخاص أيضاً حاول أن يقلل من هذه البطالة عبر إعلانه عن فرص عمل كل فترة، فغرفة صناعة حلب مثلاً قامت بافتتاح معرضين للتوظيف وكذلك انعقدت الكثير من الملتقيات الخاصة بتوفير فرص العمل بدمشق، إلا أنه إلى هذه اللحظة لم تساهم هذه الخطوات في توفير البيئة المناسبة للعمل، ألا وهي الشعور بالطمأنينة.

فالشاب السوري حالياً مشتت الفكر، فهو يخاف أن تطاله براثن المعارك ويزج فيها، في حال أقبل على العمل في المؤسسات العامة، ومن جهة أخرى لا يستطيع العمل وهو مجبر على البقاء عاطلاً إلى أن تنتهي المعارك، أو عليه أن يسافر للخارج ليبحث عن عمل إما بأجر زهيد أو بظروف غير إنسانية، كما هو الحال في معظم العاملين السوريين في لبنان وتركيا والأردن.

وأكد أحد الصناعيين في تصريح خاص، أنه حاول إحداث مشروع صناعي يمكنه من تشغيل اليد العاملة في ريف دمشق، إلا أن ما أوقف مشروعه، هو غياب العاملين والأهم من ذلك المهندسين المشرفين عليه، مؤكداً أن السبب وراء ذلك هي قضية الاحتياط والتجنيد، متسائلا: “كيف يمكن إعادة إعمار سورية واليد العاملة السورية مهاجرة للخارج؟.. بأيّ أيدٍ سيُعاد إعمارها؟.

 

نفاد القوى العاملة بالمؤسسات العامة

لا يمكن أن نغفل ما تم إعلانه سابقاً بأنه يتم تدريب نحو 14 موظفة لكي تقوم بقيادة باصات النقل الداخلي في دمشق، وهذا يُعتبر دليلاً على أن فئة الشباب باتت خارج نطاق الإنتاج، ووفقاً للتصريحات الرسمية فقد أكد تقرير اقتصادي صادر عن اتحاد العمال ارتفاع نسبة البطالة، والأغرب من ذلك ما طلبه حاكم مصرف سورية المركزي دريد درغام في وثيقة سربت ونشرت في العديد من المواقع الالكترونية السورية، وفحواها أنه اقترح على حكومة النظام إيقاف التوظيف بشكل تام لتدارك مسألة النفقات أي لكي لا تصرف الحكومة على الموظفين الجدد، رغم أن الوثيقة أكدت وجود أكثر من مليوني عاطل عن العمل في سوريا، وبحسب الإحصاءات الرسمية فإن 53% من السوريين أصبحوا عاطلين عن العمل خلال عام 2015.

في الشهر الحالي أعلنت شركة النقل الداخلي بدمشق أنها تعاني فعلياً من نقص الكادر الفني وفي عدد السائقين مما ينعكس سلباً على آلية العمل وبالتالي ضعف في تخديم الخطوط، وفي عملية الإصلاح والصيانة لا سيما أن أغلب الكادر خاصة في فئة السائقين هم من الفئات العمرية الكبيرة ومنهم من قدم استقالة أيضاً، ولفتت الشركة إلى أنه لسد النقص الحاصل في عدد السائقين بالشركة فانه سيتم الإعلان قريباً عن مسابقة لتعيين  150 سائقاً و150 فنياً إضافة إلى عدد من الإداريين.

 

 وفي الشهر نفسه أيضاً أكد رئيس نقابة عمال النقل البري بدمشق أن الشركة العامة للنقل الداخلي بدمشق تعاني من نقص اليد العاملة وخاصة السائقين والفنيين على الرغم من وجود 1300 شاغر وظيفي، كذلك أعلنت وزارة التعليم العالي عن حاجتها لتعيين مؤهلين من حملة شهادة الدكتوراه أو المؤهل العلمي المطلوب للتعيين كعضو هيئة تدريسية في جامعات (دمشق- حلب– تشرين– البعث- الفرات– حماة– طرطوس). كما أعلنت هيئة التخطيط الإقليمي عن إجراء اختبار لتعيين عشرة عاملين من الفئتين الرابعة والخامسة للعمل في مقرها بدمشق.

وفي شهر تشرين الثاني الماضي أعلنت وزارة التربية عن أكبر مسابقة لها، حيث طلبت إجراء مسابقة لتعيين 3100 معلم من حملة الشهادة الجامعية في التربية اختصاص معلم صف، وفي الشهر ذاته أيضاً أعلنت الشركة العامة لكهرباء دمشق عن إجراء مسابقة للتعاقد على تعيين 50 عاملاً بصفة مؤقتة من حملة الشهادات الجامعية والمعاهد والثانوية والتعليم الأساسي من الذكور حصراً.

وقبل ذلك كان هناك إعلان عن مسابقات توظيف أخرى لكن دون أن تعوض النقص الحاصل فعلياً أو ترمم الخلل في مؤسسات النظام فالمشكلة أصبحت أكبر من حلول تتجاهل الجذر الأساسي للمشكلة وشيئاً فشيئاً اتّسع الخرق على الراتق وأصبحت حكوة النظام تدور في حلقة مفرغة.



صدى الشام