في فرع الأمن العسكري ..تحرشوا بها فمَات زوجها

4 كانون الثاني (يناير - جانفي)، 2017

5 minutes

” تعمدوا التحرش بي أمام زوجي وكان هذا من أسباب وفاته” تحكي “هدى” قصة اعتقالها هي وزوجها أثناء أحداث القصير في حمص عام 2013 في فرع الأمن العسكري 227 بدمشق.

في بداية الشهر التاسع 2013 تم تحويل ستين امرأة من الأفرع الأمنية إلى سجن عدرا المركزي وتم توزيعهن على المهاجع، في المهجع الثالث كان يوجد عشرون امرأة بينهن هدى، يضحكن تارة ويبكين تارة، وأحاديث نساء لا تنتهي عن ذكريات وآمال بالحرية، إلا هدى.

أثار فضولي في المهجع خلال الأيام الأولى امرأة أربعينية تجلس في زاوية الغرفة لم أسمع صوتها أبداً، وهي في حالة من الشرود واليأس والحزن الشديد، ولا معلومات لدى الأخريات سوى أن اسمها “هدى” وهي من حمص.

حاولت أن أكسر حاجز صمتها بأن أقدم لها القهوة الصباحية بشكل يومي علنا تتبادل أطراف الحديث، لكن دون جدوى، إلى أن جاء يوم لأستيقظ علي صوت “هدى” يناديني لأتناول معها القهوة، وطلبت مني الخروج إلى باحة السجن لأنها تشعر أن على صدرها حمل ثقيل وتتمنى أن تزيله، كما تقول.

 

 

التحقيق مع هدى

تروي هدى حكايتها وتطلب مني أن أحكيها للعالم كله، وبصوت مرتجف وتوتر واضح تقول: “خلال جلسات التحقيق في الأيام الأولى في الفرع قام السجان بضربي بالأيدي وبالكرباج وطلب مني أن أعترف أن زوجي مسلح وأنني أنقل السلاح للمسلحين”.

وتضيف هدى أن المحقق أخبرها أن زوجها اعترف، لكنها أنكرت وأصرت على براءتهما لأنها متأكدة أن زوجها لم يحمل السلاح يوماً، وبالعكس تماماً هو من أنصار سلميّة الثورة وعدم تسليحها، فيزيد الجلاد ضربها وتعذيبها حتى يتعب ويعيدها لزنزانتها منهكة تماماً.

تتابع هدى أنها طُلبت للتحقيق هذه المرة بحضور زوجها المُدمّى على الأرض حيث سُمح لها برؤية ما حولها على غير المعتاد، وتضيف “بدؤوا بضربه بالكرباج المطاطي بشدة، وقال له السجان “لما أسألك عن مرتك شو بتشتغل؟  شو بتقول؟؟ بتقول مرتي عاهرة وأنا بجيب الزبائن إلها”.

لكن الزوج قال”: إن زوجتي أشرف خلق الله”،  فانهالت عليه الكرابيج، فصرخت هدى وهي تجهش بالبكاء: قل له ما يريد”.

وخلال تعذيبها وضربها على وجهها قال لها السجّان:” منين كنتي تجيبي الأسلحة لزوجك”.  أجابتهم:” زوجي صاحب محل صغير وأنا لا أعمل ومتواجدة في المنزل بشكل دائم”. واشتد الضرب على زوجها لكي تعترف ورغم هذا لم تعترف.

 

 

حينها قام السجّان بـ “شبحها” أي ربط يديها بحبل ورفعها للأعلى لتبقى واقفة على رؤوس أصابعها، وبدأ السجان يتلمسها مهدداً بالاقتراب أكثر فاعترف الزوج عندها أنه من عناصر “كتائب الفاروق” في حمص وأن زوجته تقوم بتهريب السلاح لهم، وأنه يعرض زوجته لتمارس الجنس مع بقية عناصر الكتيبة، وهي اعترفت نفس الاعتراف.

بعد انتهاء التحقيق فوجئت هدى بالسجان يتلو اسمها، فاعتقدت أنهم سيأخذونها للإعدام لتجد نفسها في سجن عدرا المركزي وهو سجن مدني، وبعد شهر تأتي أختها لزيارتها لتخبرها أنه بتاريخ تحويلها لسجن عدرا تم الإفراج عن زوجها بحالة يرثى لها ويعاني من العديد من الأمراض الجلدية وآثار التعذيب إضافة الى اضطراب نفسي حاد يَصِل لحدّ الهلوسة ليموت بعد عشرة أيام، وأخبرتها أنه قال قبل موته “أنا لا أستحق الحياة لأني لم أستطع أن أحمي زوجتي في السجن ولن أستطع أن أحميها لاحقاً من مجتمع لا يرحم”.

“هدى” تغيرت قليلاً بعد أن قصّت حكايتها فأصبحنا نرى ابتسامتها أحياناً وخاصة عندما علمت أن آلاف النساء السوريات تعرضن لنفس الشيء، وأصبحت أكثر اندماجاً مع الأخريات لكن لم يكن لديها أي أمل بالحرية، وكان أغلب حديثها عن محبتها لزوجها وتعامله الممتاز معها وكانت تأمل أن يحتسبه الله شهيداً.

 بعد فترة تم تحويل “هدى” إلى القضاء وأمر القاضي ببراءتها واعتبر أن اعترافاتها أُخذت بالقوة، لم تكن حينها متحمسة للحرية؛ بالعكس كانت خائفة من الواقع الجديد بغياب زوجها ومن نظرة المجتمع لها.

الجدير بالذكر أن”هدى” من المعتقلات اللواتي لم تعلم بهن مراكز التوثيق الحقوقية، بسبب العادات المجتمعية، حيث قدّرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان عدد النساء المحتجزات لدى قوات الأمن السوري بـ 7029 بمن فيهن ما لا يقل عن 318 فتاة تقل أعمارهن عن 18 عاماً وأكثر من 6000 امرأة مفرج عنها خلال السنوات الأخيرة.

 

 

 

 

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]