ما خسره بشار الأسد مقابل استعادة حلب.. ما الثمن الذي دفعه؟
4 يناير، 2017
مراد القوتلي – خاص السورية نت
حقق نظام بشار الأسد بمساندة من حلفائه ما كان يصبو إليه من 4 سنوات في استعادة السيطرة على كامل الأحياء في مدينة حلب التي بدأ بخسارتها منذ العام 2012.
وتمكن النظام الشهر الماضي بعد تهجير عشرات الآلاف من المدنيين وارتكاب المجاز وتضييق الخناق على أحياء حلب الشرقيةس، من إخراج فصائل المعارضة منها، لتعود خارطة السيطرة في تلك المناطق إلى سيرتها الأولى وتصبح بيد النظام من جديد.
وصحيح أن نظام الأسد وحلفاءه استعادوا منطقة حيوية في سوريا، نظراً لأهمية حلب المدينة وموقعيها الاقتصادي والعسكري، إلا أنه من ناحية أخرى، فإن ما يعتبره النظام “نصراً” يقابله من جانب آخر خسارة تتوضح معالمها أكثر فأكثر.
وفي أول تعليق له على استعادة حلب، كان الأسد قد اعتبر أن الأوضاع في سوريا قبل السيطرة على حلب ستكون مختلفة عما قبلها، ظناً في أن حلب بداية النهاية لفصائل المعارضة، إلى حين الوصول للقضاء الكامل على الثورة السورية، لكن ما الذي حصل بعد معركة حلب؟
فقدان المزيد من الأوراق
أدرك نظام بشار الأسد، كما أدركت المعارضة السورية، أن النظام لن يكون بمقدوره تحقيق أي تقدم عسكري في الأراضي السورية لولا دعم الدولتين الحليفتين له روسيا وإيران، ويبدو أن اعتماد الأسد على موسكو أكبر أهمية من اعتماده على طهران لوحدها.
ذلك أن النظام والميليشيات الإيرانية ومنذ بدء تدخلها على خط المعارك في العام 2012، كانت تواجه صعوبة كبيرة في مواجهة هجمات المعارضة، أو التقدم في مناطقها، واستمر النظام في خسارة مناطقه حتى بات يسيطر على نحو 17 بالمئة من مساحة الأراضي السورية.
لكن نهاية سبتمبر/ أيلول 2015، وهو تاريخ بدء الغارات الروسية غيّر جانباً في المعادلة، ورجحت كفة النظام وحلفاؤه في عدد من المعارك الكبرى.
وبمقدار تلقي النظام هذا الدعم، فإنه من ناحية أخرى أصبح مرهونا أكثر من أي وقت مضى لأجندات ومصالح موسكو وطهران في سوريا، وخسر بذلك مزيداً من الأوراق التي كانت تحفظ له بعض النفوذ في اتخاذ القرار، إذ يبدو واضحاً أن روسيا باتت تتحكم أكثر من إيران والأسد فيما ينبغي فعله بسوريا.
ولعل طريقة الخطاب الموجه من بوتين إلى الأسد عقب السيطرة على حلب، يعكس مدى تكبيل النظام في آلية اتخاذ القرارات، ففي 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، حدد بوتين للأسد ما ينبغي عليه فعله في حلب بعد استعادتها، وقال في اتصال هاتفي معه بحسب الكرملين: “ينبغي أن تكون الأولوية الآن للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية”. واكتفى الأسد في رده على شكر بوتين لوقوفه بجانبه.
لم يمضي أقل من أسبوع على “أوامر” بوتين لرأس النظام في سوريا، حتى أعلنت موسكو وتركيا يوم 29 نوفمبر/ تشرين الثاني وقفاً شاملاً لإطلاق النار في سوريا، وكان نظام الأسد غائباً تماماً عن المشاورات التي عقدت على عدة أيام بين الجانبين الروسي والتركي.
ولم يستطع نظام بشار الأسد الاعتراض على رغبة روسيا، رغم عدم موافقته على إيقاف القتال، في وقت يرى فيه النظام أنه يحقق مكاسب عسكرية.
ويخشى نظام الأسد من أن يتم التوصل إلى حل سياسي ينهي عمليات القصف ويضع حداً لاشتعال المعارك، على اعتبار أن أية عملية سياسية تشكل خطراً عليه، خصوصاً مع التفاهم الروسي التركي الأخير، ونظراً لقناعة النظام في أن استمرار المواجهات تعني بقاءه في السلطة.
تقارب غير محبب
وفيما استغلت روسيا انشغال الولايات المتحدة في التجهيز لتنصيب دونالد ترامب رئيساً لأمريكا، كي تفرض روسيا واقعاً جديداً في سوريا لا تترك فيه المزيد من الخيارات لإدارة ترامب، إلا أن ذلك فتح آفاقاً جديدة أمام التعاون مع تركيا، وأقرت موسكو أن العمل مع أنقرة أكثر جدية من العمل مع الإدارة الأمريكية.
وهذا التقارب التركي – الروسي لا يمكن فهمه إلا بالنظر إلى مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين، بدأت مع تولي يلدريم في 22 مايو/ أيار 2016 رئاسة الحزب الحاكم بتركيا، والبدء بصفحة جديدة من العلاقات مع روسيا، كانت أولى بوادرها حل أزمة الطائرة الروسية التي أسقطتها القوات التركية نهاية 2015 عندما اخترقت المجال الجوي التركي.
وانعكس هذا التقارب على الملف السوري، وتكشفت بشكل أوضح براغماتية روسيا – حليفة الأسد – حيث رمت وراء ظهرها عداء الأسد لتركيا، وبنت مع أنقرة تحالفاً يكتسب طابعاً استراتيجياً.
لم يستطع نظام بشار الأسد إقناع الروس بضرورة الابتعاد عن تركيا، وتكلل التفاهم الروسي التركي في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في سوريا يوم 29 ديسمبر/ كانون الأول 2016، ولا يزال مستمراً حتى الآن رغم تعرضه للانتهاكات مستمرة.
وفي هذا السياق أيضاً، يبدو أن روسيا وتركيا أصابتا بضم إيران إلى مشاورات انتهت بإعلان ما بات يعرف بـ”إعلان موسكو” في 20 ديسمبر/ كانون الثاني 2016، خصوصاً من ناحية إلزامها ببنوده التي تضمنت: التأكيد على أن الحل في سوريا سياسي، وعلى أهمية وقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات، والعمل لدعم محادثات بين النظام والمعارضة.
وتواجه طهران الآن انتقادات غير مباشرة من أنقرة على دور ميليشياتها في خرق اتفاق وقف إطلاق النار مع سوريا، كما أن روسيا أعلنت، أمس الثلاثاء، أنها ستشرع في عمل تحقيقات لتحديد مسؤولية الجهة التي تخرق الاتفاق.
وبذلك فإنه بعد معركة حلب أصبحت أنقرة لاعباً أساسياً وإن كان بطريقة غير مباشرة في تحديد ما على الأسد فعله وما ينبغي الابتعاد عنه، وذلك من بوابة المشاورات الروسية التركية المستمرة، والتي تتركز الآن على الترتيب لعقد مؤتمر أستانة يجمع المعارضة والنظام لبحث حل، في موعد مقترح يوم 23 يناير/ كانون الثاني 2017.
كما أنه من ناحية أخرى، فقد النظام ورقته في الادعاء بأنه يقاتل “الإرهابيين” في إشارة إلى كبرى فصائل المعارضة السورية، والتي اكتسبت اعترافاً شرعياً من روسيا، عبر جلوس مسؤولين روس معها في أنقرة طيلة الشهر الماضي، والتوصل معاً إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
تنافس على النفوذ
فتحت معركة حلب الباب أمام المزيد من التنافس على الوجود العسكري بين روسي وإيران، وهو أمر بقدر ما يمنح نظام الأسد فسحة من المناورة واللعب على أحبال البلدين، إلا أنه من ناحية أخرى مقلقاً له، إذ من غير الممكن أن يصل التنافس الروسي الإيراني في سوريا إلى مرحلة الصدام، وعليه فإن التفاهم على حساب الأسد يبقى الخيار الأكثر واقعية.
وينعكس هذا التنافس في أحد أهم جوانبه، على ما تبقى من مؤسسات في نظام الأسد، وأجهزة من الجيش والأمن، وما تشكيل “الفيلق الخامس” بدعم روسي إلا خطوة من موسكو لتحجيم النفوذ العسكري الإيراني في سوريا.
إذ وبحسب تقرير سابق لـ”السورية نت” فإن هذا الفيلق يستهدف ضم مقاتلين من متطوعين، وميليشيات أخرى تتلقى دعماً إيرانياً، وتقدم موسكو إغراءات لهم للتسرب من تلك الميليشيات والانضمام للفيلق الجديد.
وعليه فإن الأسد يواجه أزمة في ولاء الأجهزة الأمنية وكبار القادة العسكريين في قواته، الذين مع استمرار المواجهات في سوريا، يجدون أنفسهم أمام نفوذ عسكري روسي بإمكانه إحداث تغييرات داخل جسم “جيش النظام”، ما يدفعهم إلى تغيير ولاءاتهم حفاظاً على مناصبهم.
ومن جانب آخر، فإن روسيا فرضت أمراً واقعاً على الأسد تمثل في نشرها لعشرات المقاتلين من قواتها الخاصة البرية في حلب، مبررة ذلك في إعادة “الاستقرار” للمدينة، وتزامن ذلك مع دعوات من موالين للنظام إلى روسيا بإنقاذ أحيائهم من عمليات سرقة و”تعفيش” نفذتها قوات النظام في مناطقهم.
خسائر عسكرية
وتكبد نظام الأسد والميليشيات الإيرانية المساندة لها في معارك حلب الأخيرة خسائر عسكرية فادحة، وقال مصدر في “جيش المجاهدين” لـ”السورية نت”، إن عدد قتلى النظام والميليشيات الأجنبية، والميليشيات المحلية في حلب خلال الأسهر الست الأخيرة وصل إلى 1500 شخص.
ويضاف إلى ذلك أنه في الوقت الذي كان النظام يحقق تقدماً عسكرياً في حلب، خسر من جديد مدينة تدمر في ريف حمص، بعدما دخل إليها تنظيم “الدولة الإسلامية” في 10 ديسمبر/ كانون الثاني 2016.
وخسر النظام في هذه المعركة السيطرة على عدد من الحقول النفطية الهامة، وقتل من عناصره العشرات جراء الهجوم بالمففخات التي نفذها مقاتلو التنظيم على مواقعهم في تدمر.
وفي سياق غير بعيد عن الجانب العسكري، تسبب تقدم “تنظيم الدولة” في تدمر بحالة هلع في المناطق الموالية للنظام في حمص، وأصبح سكان هذه المناطق يشكلون ضغطاً كبيراً على النظام عبر محاولة الضغط عليه لحمايتهم من تقدم التنظيم، في وقت يجد فيه النظام صعوبة في تأمين المزيد من المقاتلين على طول الجبهات التي يسيطر عليها.
تضامن عالمي
ومن ناحية أخرى، أشعلت معركة حلب مشاعر العالم الذي تابع المجازر التي ارتكبت في المدينة على شاشات التلفاز، وكان الأسد – من خلال القتل الواسع – سبباً في إعادة التضامن مع القضية السورية، بعد فتور في وسائل الإعلام العالمية قل معه التأثير على الرأي العام حيال ما يجري في سوريا.
وخرجت مظاهرات في العديد من العواصم العربية والعالمية، ونُظمت حملات للكشف عن جرائم النظام، وإعادة تسليط الضوء على الأسد، والمناداة مجدداً بمحاكمته كمجرم حرب.
كما أن خسارة حلب دقت ناقوس الخطر من جديد لدى المعارضة، التي باتت هي الأخرى تواجه مطالب واسعة من – الشارع الثوري – بضرورة التوحد. ويدور حالياً حديث عن مشروعين كبيرين لاندماج فصائل المعارضة وفيما لو تحقق واحد منهم، فسيكون الأول من نوعه منذ 6 سنوات، من حيث ضخامة الفصائل المندمجة، ما قد يشكل خطراً جديداً على الأسد.
[sociallocker] [/sociallocker]