سانتا كلوز في دمشق: “بكرا إلنا”


علاء كيلاني

جرت العادة أن يتكهَّن الناس بأماني وأحلام يتمنّون تحقيقها مطلع كل عام جديد. السوريون الذين قسمتهم الحرب جغرافيًا وسياسيًا، لم تكن قوائم رغباتهم على سوية واحدة، فالفئة التي واصلت حياتها تحت جناح السلطة الدافئ، رأت في استتباب الأمن وعودة الهدوء إلى أرجاء الوطن، وانتعاش نشاطها الاقتصادي والتجاري، أولوية دون غيرها. فيما الفئات الأخرى، وبعضها هُجّر داخليًا إلى جزر معزولة خارج جغرافية ذاكرتها وبيئتها، واجتاز بعضها الآخر الحدود نحو منفى موقت هربًا من آلة الموت، كانت تأمل أن تتخلق في عام 2017 جمهورية جديدة، ناهضة من ركام حكم وراثي، تستعيد ملامح الوطن الأصيلة، وفق حوامل أساسية، منها: تداول السلطة، الديمقراطية، المواطنة، والعدالة الاجتماعية.

اختلاف الأمنيات وتفاوتها الظاهر للعيان، بدءًا من جوهر النظام السياسي، وانتهاء بمسألة عدالة توزيع الثروة، لم يقتصر على رؤى 2017 الحالمة، بل شمل أيضًا طريقة التعبير عنها، فالرصاص الحي الذي انطلق من مراكز تجمع المؤيدين والميليشيات الرديفة ومقرات أمن النظام في مدن رئيسة كدمشق وحمص واللاذقية وحلب وحماة، مع اقتراب منتصف الليلة الأخيرة من عام 2016، لم يكن من قبيل الابتهاج، بقدر ما عبّر استخدامه عن محاولة تثبيت رواية روّج لها إعلام النظام، تقول إن تزامن احتفالات رأس السنة الميلادية مع دخول قوات الأسد الجناح الشرقي من مدينة حلب، هو بمنزلة هدية فائقة الثمن  قدمها” سانتا كلوز” للنظام وحلفائه.

أحد ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي، وصف ما جرى متهكمًا: “لقد عاشت دمشق ليلة رأس السنة في ظلام موحش وعطش، لا كهرباء ولا ماء. لا مازوت ولا غاز، ومع ذلك كان هناك من ينظر إلى الأمور بعين واحدة، فأطلق النار بكثافة، مبتهجًا بطريقة بدائية، تُعرّي ثقافة القوة و”البسطار” والتشفي، التي تحكم سلوك أناس تجردوا من المشاعر، وكأن المآسي التي يتعرض لها الشعب السوري من جراء هذه الحرب المدمرة، لا تعنيهم بقدر ما يعنيهم استمرار الولاء وحكم البلد بقوة النيران. ترى ألم ينتهك هذا الرصاص العشوائي اتفاق وقف إطلاق النار، الذي بدأ سريانه؟!”.

في منتصف الشارع الرئيس لـحي الشعلان، القبلة المفضلة للفئة التي ما فتئت تلهث وراء نمو مصالحها مُستفيدة من زاوج المال والسلطة وديمومة سياسة النظام على النحو الذي عاشته سورية قبل آذار/ مارس 2011، كان لدى أحد تجار الألبسة الرجالية، قناعة كاملة، برواية الحكومة عن المستقبل. وقد أشرك زجاج متجره الرئيس بهذه القناعة عندما رسم سانتا كلوز، وهو يتحدث مبتسمًا بعبارة: “بكرا إلنا”. وكان من الملاحظ في عاصمة قطّعت أوصالها بحواجز من الإسمنت المسلّح، تشرف عليها قوات تتألف من عناصر حكومية وأفراد ميليشيات مستقلة جرى الاستعانة بها لتوقيف المارة والتدقيق بهوياتهم، انتشار هذه العبارة بين المؤيدين على نطاق واسع. فبعد أن جرى – على الأغلب – تعميمها بطريقة ما، كي تتحول إلى “مانشيت” سياسي، في سياق ما يوصف برسائل الطمأنة التي يُوجهها النظام إلى مؤيديه بين مدة وأخرى. استخدمت محافظة دمشق، العبارة ذاتها شعارًا لمشروع مبادرة مجتمعية أطلقتها لأجل أن تزرع الثقة – المعدومة-  في نفوس الأطفال، أكثر الفئات التي تأثرت وتضررت بالحرب، بحسب تقارير “اليونيسيف”.

ومع أن المبادرة كانت تهدف إلى بناء جسور التواصل والتلاقي والمحبة، كما أعلنت المحافظة، بين أطفال دمشق، إلا أن إشارتها المقصودة – في أحد البيانات- إلى استقبال أطفال حي نهر عيشه ضمن فاعليات المشروع، وهو الحي المصنف استخباراتيًا بالعدو؛ لخروجه عن سلطة النظام في مقتبل الثورة، تترجم فعليًا نظرتها إلى الآخر، وتكشف ما ينطوي عليه شعارها “الوطن إلنا، وعليكم أن تعودوا إلى أحضاننا إذا ما أردتم العيش فيه” من مخرجات للحرب التي يخوضها الأسد ضد معارضيه.

في العام المنصرم (2016) لقي 16913 مدنيًا حتفه، وفق تقديرات “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، بينهم 3925 طفلًا قُتلوا على يد النظام الذي سبق أن وعدهم بمستقبل زاه. ويشكل الرقم حصيلة بشرية مروعة، لاتجاريها أي خسائر أخرى مُنيت البلاد بها في السنة المذكورة.

لقد كانت مشاعر الابتهاج أشبه بصور منتقاة لخشبة مسرح آيلة إلى السقوط. ومن المؤسف حقًا، أن يُنظر إلى الكوارث التي شهدتها البلاد من وراء ستارة مسدلة. لأن الذين أطلقوا الرصاص ليلة رأس السنة، فاتهم ماذا يعني أن تصل خسائر الوطن إلى 689 مليار دولار، وقد تصل إلى 1.3 تريليون دولار إذا ما استمرت الحرب، على حد بيان ” مركز فرونتيير إيكونوميكس الأسترالي للاستشارات”.




المصدر