سوريا الخراب .. الغرف الحصرية لإدارة “النظام والدولة”


آلما عمران – ميكروسيريا

عادت نغمة الحفاظ على مؤسسات الدولة، أو عدم الخلط بين إسقاط النظام وإسقاط مؤسسات الدولة، إلى  تصدر الخطاب المتداول حول “المسألة السورية” سواء في  التعاطي الدولي، أو في خطاب غالبية تيارات “المعارضة ” تماشياً مع هذا التعاطي .. لكن السؤال الصادم “هل من وجود لدولة أم حتى لنظام من أصله في “سورية الأسد؟”.

الحقيقة أن لا وجود لا لهذه  أو لتلك، إذ لا يمكن الحديث عن دولة وفق مفاهيمها المتعارف عليها، ما لم ترتكز على سلطاتها الثلاث المفترضة “تشريعية، قضائية، تنفيذية” تحترم مبدأ الفصل التام بينها، وتعمم ثقافة “الحقوق والواجبات” بين مواطنيها.

ما قبل قيام البعث بانقلابه في 8 آذار 1963، خصوصاً في الخمسينات من القرن الماضي أي قبل قيام الوحدة مع مصر، كان يُمكن الحديث عن دولة وليدة تتشكل في سوريا بسلطاتها الثلاث، وبالتالي عن مواطنين وليس عن رعايا.

لكن ما بعد انقلاب 8 آذار، استبدلت الدولة بمفهوم  “النظام” الذي يسيطر على السلطات الثلاث ويقودها، بل يلغيها ساعة يشاء عبر قيادتيه القطرية والقومية، اللتين توزعتا بدورهما إلى مراكز قوى داخل البعث ذاته، سرعان ما تحولت إلى أجنحة سياسية وعسكرية متصارعة “قومية – جناح عفلق”  و”قطرية جناح جديد”، بيد أنها منعت حتى عام 1970 قيام سلطة فردية مطلقة.

كان انقلاب الأسد على رفاقه عام 1970 وزجهم في السجون وتصفيتهم خارجها ، بداية الطريق  إلى الخراب الذي تعيشه البلاد اليوم، إذ اتبعها بحملة لتقويض أسس نظام البعث ذاته الذي قوض الدولة أصلاً، ليدمجهما في شخصه وصولاً إلى إعلان سوريا الأسد، عبر محطات دموية من الاعتقال والقتل، أبرزها في الثمانينات،حيث وأد آخر بقايا المجتمع المدني والنقابات الأهلية والمدنية وفلول الأحزاب اليسارية، على خلفية المواجهة مع الإخوان المسلمين وبذريعتها، معلناً “سورية الأسد للأبد”.

في “سورية الأسد” هذه، أعاد  حافظ تفصيل السلطة على مقاسه متكئاً على الطائفة العلوية  بالدرجة الأولى، التي كانت بداية من أوائل ضحاياه، ثم من أكثر “المتماهين” معه بعد أن ذاقت نكهة السلطة، الآتية من فوهة بندقية تتلقى أوامرها مباشرة وحصراً من قصر المهاجرين في دمشق.

غرفتان متجاورتان، في ذلك القصر تختزلان الدولة بما فيها ولها من سلطات عسكرية ومدنية، واحدة يشغلها “السيد الرئيس” حيث تولد أوامره، فيما الثانية يشغلها  ما يسمى “مدير المكتب الخاص” الموثوق فوق العادة والمكلف بتلقينها إلى الجهات المعنية بتنفيذ الأوامر السامية بالحرف والتفصيل.

تلك الجهات، ممكن أن تكون رئيس حكومة أو وزير، أو  رئيس أركان، أو رئيس أحد الأجهزة الأمنية المتصارعة فيما بينها، أو قائد فرقة عسكرية، وممكن أن تكون في الوقت ذاته موظفاً بسيطاً في بلدية أو ضابط صغير الرتبة أو مخبراً، يتلقى الأوامر “بالبروشوت” كما يُقال، دون احترام أو اعتبار لتسلسل وظيفي أو قيادي أو “مؤسسات” افتراضية واضحة  بمعنى أن رئيس الوزراء يتساوى وظيفياً مع المُستخدم، كما الضابط مع الخفير، في نظر “سيادته” عند اللزوم. ما عداه، بغض النظر عن التسميات “مجلس شعب، قضاء، حكومة، إعلام، دفاع، رئاسة أركان الجيش  .. ” مجرد شكليات، ليس أكثر، مع حرص شديد على أن تكون لأجهزة الأمن وقيادات الجيش سطوتها وحصتها من الفساد والسلطة  النابعة من رضا السيد الرئيس، ولا تقترب من مكتبه  بالأحلام حتى، ولا تمس هيبته بكلمة أو نكتة أو مزحة.

باختصار هذه هي الدولة، وهذا النظام الذي ورثته عائلة الأسد وليس الابن وحده، ولو كان في “سورية الأسد” ثمة نظام أو دولة لما وصلنا إلى هنا، بل هذه هي المعضلة التي تواجه روسيا حالياً في سوريا، وهو محاولة إيجاد نظام أمني عسكري غير موجود بالأساس يحمي مصالجها ونفوذها. وهذا ما تحاول إيران منعه عبر فرض الأسد للأبد أو نظامها الميليشاوي البديل على نهج ما فعلته في العراق، وترسخه في لبنان واليمن، ثم يخرج من يزايد علينا بضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة، يقصد شركات الماء والكهرباء، والنقل الداخلي، أو ضمان حجز كرسي له على طاولات التفاوض تحت سقف “غرف” الأسد.