إيران تحاصر دمشق لتفرض شروطها


جيرون

ما زالت الهدنة التي أعلنها الروس والأتراك نهاية الشهر الماضي، وأيدتها إيران ببرود، غير حقيقية على الأرض، فقد غدت الحدث الأهم الذي يتفاعل داخل أروقة السياسة الإيرانية.

لا يمكن عدّ عمليات الخرق التي تجري في بعض المواقع عابرة، كما لا يمكن وضعها تحت عنوان خروقات فحسب، وإنما هي تعبير عن رغبات إيرانية صرفة، يرتاح لها النظام، مُعتقدًا أنه سيحصل من خلالها على مزايا تجعله أكثر أهمية في أي حوار مرتقب.

ما يحدث في وادي بردى من حصار يزداد إحكامًا، هو أهم مؤشر ميداني إلى الضيق الإيراني بما يحدث بين تركيا وروسيا.

تعدّ إيران تقديم روسيا وتركيا نفسيهما ضامنين للاتفاق، إعلانًا واضحًا أمام المجتمع الدولي بأنهما الصوت الأقوى في سورية، وهما صاحبتا القرار فيها، وهذا ما جعل إيران تحسب مسألة الربح والخسارة في كل ما مارسته خلال السنوات الماضية.

حاولت الميليشيات الإيرانية تعطيل الاتفاق التركي – الروسي في البداية، من خلال قطع الطرق وخطف بعض الحافلات التي تقل مدنيين من أحياء حلب الشرقية، وإهانة الناس وسرقة ممتلكاتهم، وإطلاق النار على بعضهم، وكان الهدف جرّ الفصائل إلى الرد، والسعي لضم نفسها إلى فريق الضامنين.

من الواضح أن الروس أخذو موقفًا حاسمًا من ذلك، للتدليل على أنهم أصحاب اليد العليا في الشأن السوري، فمشى الاتفاق فيما بعد، ودخلت عناصر من الشرطة العسكرية الروسية التي سببت حرجًا لتلك الميليشيات التي تنهب البيوت والممتلكات أمامهم، وتناقلت وكالات الأنباء خبر طردهم الروس من الأحياء الشرقية، ويرى بعضهم أن هذا “المشهد” دفع روسيا للسؤال: هل يمكن للمرتزقة أن يحموا مصالح الدول؟

لا يمكن تقدير عدد المرتزقة الذين تمولهم إيران في سورية، فبعض المراقبين يذهب إلى أن الرقم قد يصل إلى مئة ألف مقاتل مرتزق، من جنسيات مختلفة، أهمها ميليشيا “حزب الله”.

يعتمد الروس -في المقابل- في سورية على قوتهم الجوية، ولكن على الأرض تمثلهم قوات النظام وأولئك المرتزقة، ومعلوم أن قوات النظام تهالكت بشدة، فلم تعد تستطيع الاحتفاظ بأي موقع بدون الدعم الجوي الروسي.

مسألة الضغط على العاصمة وحصارها من خلال قطع خطوط المياه الرئيسة التي تغذيها، تصب مباشرة في ملف الضمانات الروسية – التركية، الذي ابتُدئ العمل عليه في حلب، للقول بأن العاصمة، وهي العصب الرئيس لأي دولة، هي بيد إيران الآن، وهي وحدها من تُقدّم ضمانات، وليس الروس أو الأتراك؛ كونها طرف له أذرعه على الأرض.

تواصل إيران تصريحاتها التي تؤكد أن نظام الأسد لم يزل خطًا احمرًا بالنسبة لها، وأن لا قناعة في طهران سوى بالحل العسكري، وعليه؛ كانت تصريحات مسؤولين كبار في الآونة الاخيرة تصب لتغذي هذا الاتجاه.

مستشار علي خامنئي (المرشد الأعلى للجمهورية)، علي أكبر ولايتي، قال في مؤتمر صحافي قبل ثلاثة أيام: “إن خروج (حزب الله) من سورية بعد اتفاق وقف إطلاق النار، دعاية من الأعداء”، مؤكدًا أن “الحزب لن يخرج من سورية”.

ومثله قال علاء الدين بروجردي، رئيس ما يسمى “لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني”، في مؤتمر صحافي من دمشق(الخميس): “إن وجود الإيرانيين والمقاومة اللبنانية في سورية، هو بالتنسيق مع الحكومة السورية، وبطلب منها”، وأشار إلى القوات التركية التي تقاتل في ما يُعرف بـ “درع الفرات” بقوله: ” يجب على الذين دخلوا سورية دون إذن، أو تنسيق مع الدولة السورية، أن يخرجوا منها”.

وكان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، قد قال في 29 كانون الأول/ ديسمبر الماضي: “على جميع المجموعات المسلحة المقاتلة في صفوف الطرفين مغادرة سورية بما فيها (حزب الله)”.

هروب إيران إلى الأمام من خلال تصريح بروجردي بأن وقف إطلاق النار لكي “يكون ثابتًا ومستمرًا، أن يتم القضاء على (داعش) و(النصرة)، في كل الأراضي السورية”، وما أضافه حول مباحثات أستانا، بقوله: “من الضروري عدم فرض أي شروط على القيادة السورية”، يدلّ على أن طهران ستستمر في تحريك ميليشياتها على الأرض، لتقول للروس والأتراك بأنها تملك الأوراق الفاعلة، ولن تكون ضامنة من الخلف لوقف إطلاق النار، بل في مقدمة أي مفاوضات سياسية مقبلة؛ بناء على تلك المعطيات.

إيران التي تعتاش على الخراب في منطقة الشرق الأوسط، لا يُسعدها أي خطوة تسير نحو فرض شروط استقرار في سورية، يؤدي إلى انتقال سياسي، فأي وقف لإطلاق النار بالنتيجة خسارة لها.

في المقابل، تستطيع روسيا الاستثمار بفتح علاقة سياسية مع المعارضة السورية، في حال بدّلت شروط تعاملها مع النظام، ومن هنا تأتي أهمية الدور التركي في تقديم ضمانات أثبتت جدّيتها، وهنا يتوضح القلق الإيراني الذي تُعبّر عنه تصريحات بعض المسؤولين.

يمكن الوقوف على الوجع الإيراني من خلال ما ذكره موقع (تابناك) الإيراني، من أن “الوضع في سورية ليس في صالح إيران، وما يمكننا فهمه، هو أن أنقرة تتخذ بالتدريج دورًا أكبر في المحور الثلاثي”، وأن “الروس لا مانع عندهم من تحقيق أهداف تركيا في سورية”.

أشار الموقع، مُحذرًا، إلى أن التقارب التركي – الروسي سيمس بالمصالح الإيرانية في سورية، وأنه “لا بد من أن يُفهم هذا التحذير، وهو ألا تُجبر إيران على المساومة على أهدافها الأكثر أهمية”.




المصدر