منار الرشواني يكتب: الهوية مدخلاً إلى التعصب الديني


منار الرشواني

فيما ينصب الاهتمام على حضور الدين في العالم العربي، يتم تجاهل الظاهرة التي يمكن الجزم بأنها حاضرة بالقدر نفسه في كثير من أرجاء العالم غير “الإسلامية”. طبعاً، سيبدو التفسير (أو التبرير) الأول، ولربما الوحيد، لهذا التباين، في اتخاذ بروز تأثير الدين (الإسلامي تحديداً) شكلاً متطرفاً؛ عنيفاً وإرهابياً، على يد تنظيمي “داعش” و”القاعدة” خصوصاً. لكن الحقيقة أن هذا الشكل إذ لا يلغي حتماً عالمية الظاهرة، فإنه يعبر عن تباين الأساليب المتاحة للتعبير عنها، في مواجهة سببها المشترك، وهو التهديد الذي يتعرض له الدين، أو يُظن أنه يتعرض له، باعتباره أحد أركان الهوية.
ولعل أكثر من عبر ويعبر عن رفض التهديد للدين باعتباره تهديداً للهوية، هو أوروبا العلمانية الحداثية، وعلى امتداد زمن طويل.
آخر تجليات ذلك، كما هو معروف، رفض دول أوروبية، علناً و”رسمياً”، استقبال اللاجئين المسلمين القادمين من الشرق الأوسط في العام 2015، باعتبار أن ذلك “يهدد الجذور المسيحية للقارة الأوروبية”، بحسب ما جاء في مقالة لرئيس وزراء هنغاريا فيكتور أوربان، في صحيفة “رانكفورتر ألجماينه تسايتونغ” الألمانية، في أيلول (سبتمبر) من ذلك العام. وإذا كان مغرياً ادعاء ارتباط المسلمين بالإرهاب الآن، فإن عدم دقة أو حتى عدم صحة ذلك، تبدو في الموقف الرافض لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي قبل سنوات طويلة من ظهور الإرهاب “الإسلامي”، وبسبب دين أغلبية سكانها. إذ وصف فاليري جيسكار ديستان، الرئيس السابق لبلد العداء للكنيسة؛ فرنسا، “الاتحاد” بأنه “ناد مسيحي”. وهو الوصف الذي أكد عليه، ضمن شخصيات أوروبية عديدة، بابا الفاتيكان السابق بنديكت السادس عشر في العام 2004، بحسب الوثائق المسربة عبر موقع “ويكيليكس”.
والحقيقة أن الحرص على الهوية، وليس التعصب الديني (بدليل تسامح أوروبا، قانونياً واجتماعياً، مع الملحدين مثلاً)، هو بدوره ما يفسر تزايد حضور الدين في منطقتنا. لكن فيما تملك أوروبا القنوات الديمقراطية لحماية الهوية (ومنها الدين) بأقل عنف ممكن؛ يكون مفهوماً اللجوء إلى العنف، وضمنه الإرهاب، بدعوى الدفاع عن الهوية في العالم العربي، وأحد أركانها الدين. فعدا عن انتفاء قنوات التعبير والتغيير السلميين، وإشاعة “ثقافة الموت” خلال عقود على أيدي أغلب الأنظمة الحاكمة، تبدو المنطقة اليوم ساحة حرب طائفية معلنة، تؤكد إيران على ضرورة تواصلها في كل مناسبة، ولا سيما وهي تجد في إذكائها دعماً أميركياً في العراق، وآخر روسياً في سورية؛ ومن ثم، يتم تصوير الواقع على أنه هجوم عالمي لاستئصال “هوية” شعوب المنطقة، عبر مكونيها الديني والطائفي.
ولذلك، يبدو منطقياً أنه حتى في الزمن الذي يشهد أعلى درجات الانفتاح على العالم والافتتان بالغرب، حد حديث البعض عن مؤامرة “الأمركة” ضد مجتمعاتنا؛ وكذلك زمن جرائم “داعش” التي فاقت الخيال ببشاعتها باسم الدين، ما تزال أغلبية المجتمعات العربية والمسلمة تؤكد نظرتها الإيجابية للدين، بحسب كثير إن لم يكن جميع استطلاعات الرأي العام، الغربية والعربية.
باختصار، مدخل الهوية هو الأنسب لتفسير الكثير في واقعنا، ولاحتواء التعصب الديني. فكلما كانت الهوية –بعناصرها كافة، والدين أحدها- خارج نطاق التهديد، كانت المجتمعات أكثر انفتاحاً وتسامحاً. وهنا يصير من الضروري القول إن التهجم غير المادي –ناهيك عن المادي- على الدين أو السخرية منه –صراحة أو تورية- يؤدي إلى العكس تماماً حتى لدى غير المتدينين بأي درجة كانت، طالما أنهم يؤمنون بحرية الجميع بممارسة قناعاتهم ضمن القانون العادل الذي يسود على الجميع.

المصدر: الغد

منار الرشواني يكتب: الهوية مدخلاً إلى التعصب الديني على ميكروسيريا.
ميكروسيريا -


أخبار سوريا 
ميكرو سيريا