طموح إيراني الى «حشد شعبي» سوري عماده زعماء عشائر نقلوا ولاءهم

قبل يومين ظهر شيخ عشيرة البكارة نواف راغب البشير في لقاء على إحدى القنوات القريبة من إيران للإعلان عن عودته للاصطفاف إلى جانب النظام السوري ضد المعارضة بعد خمس سنوات من العمل في صفوف هذه المعارضة، ما طرح تساؤلات عن مستقبل محافظة دير الزور الواقعة في أقصى شرق سورية في ظل التطورات الأخيرة وتطورات أخرى غير بادية للعيان. إعلان البشير لم يكن مفاجئاً لعدد كبير من أبناء عشيرته بخاصة الناشطين، فقد تغير خطاب الشيخ الناقم على ممارسات المعارضة السورية والتي يتهمها «بتهميش دوره» منذ أشهر، وهو أدلى بتصريحات غير مألوفة عن ضرورة فتح باب الحوار مع النظام السوري بداية، ثم تلا ذلك تسريب صوتي له شن فيه هجوماً لاذعاً على المعارضة واصفاً نفسه بأنه «أقرب الى النظام منها» لينتهي به المطاف بالظهور على إحدى القنوات المقربة مما يعرف بمحور الممانعة، وقد تنكر في شكل كامل للمعارضة السورية، معترفاً بالنظام السوري تحت «قيادة الرئيس بشار الأسد» وفْقه، وكذلك داعياً إلى التمسك بمؤسسات الدولة السورية. إضافة إلى ذلك تسربت معلومات بأن الشيخ المذكور فتح باب الحوار مع النظام منذ فترة وكان يرتب للعودة من طريق وساطة «حزب الله» في لبنان ليسلك بعد ذلك طريقه من بيروت إلى دمشق، ويُعتقد أنه ما زال حتى اللحظة في بيروت وأن ظهوره على القناة السابقة الذكر قد تم في بيروت.   انعطاف الشيخ المعارض البشير يعتبر وجه الزعامة الأبرز لعشيرة البكارة، وهي من كبرى عشائر محافظة دير الزور، يعيش أفرادها على الضفة اليسرى من نهر الفرات قرب دير الزور وفي المنطقة الممتدة من غربي طريق ديرالزور-الحسكة حتى جبل عبدالعزيز في الحسكة، ولهم وجود في محافظتي حلب وإدلب وكذلك العراق. ويخشى ناشطون من أبناء القبيلة أن تكون عودة البشير وفق رغبة إيرانية أكثر من أن تكون رغبة النظام السوري، إذ إن القناة التي ظهر فيها البشير محسوبة على إيران ولم يظهر على قناة سورية رسمية كما هي العادة عندما يحتفي النظام بعودة أحد المنشقين عن خصومه. وتخوفهم مبني على أن إيران ستحاول خلال الفترة المقبلة استغلال البشير والذي يعتبر شيخ مشايخ البكارة دون منازع ضمن العشيرة، لنشر التشييع في صفوف العشيرة، وإلحاقها بالمحور الإيراني في المنطقة، خصوصاً مع الرغبة الإيرانية في وصل مناطق في العراق خصوصاً الموصل مع مناطق سيطرة ميليشياتها في حلب شمال سورية، ويمكن أن تؤمن مناطق العشيرة الممر الذي تبحث عنه إيران. ومناطق القبيلة في ديرالزور تخضع بالكامل لسلطة تنظيم «داعش»، شأنها في ذلك شأن جميع العشائر الأخرى، ويعتمد «داعش» على وجهاء القبيلة وشيوخها في ضبط تحركات العشيرة في إطار القوانين التي فرضها على المنطقة، وقد سلمت العشيرة كميات كبيرة من سلاحها الفردي للتنظيم، بعد الصدام الشهير مع عشيرة الشعيطات كما سائر العشائر الأخرى التي أجبرت على تسليم سلاحها في ريف ديرالزور، فيما أصبحت مناطق القبيلة في المنطقة بين محافظتي الحسكة وديرالزور بيد قوات سورية الديموقراطية. وخلال سيطرة «داعش» على ديرالزور في السنتين الأخيرتين، تصاعد دور ابن عم نواف الراغب البشير المدعو حاجم الأسعد ليتصدر المشهد باعتباره صلة وصل بين سلطة التنظيم وسلطة العشيرة الداخلية، ويشير عدد من أبناء العشيرة إلى أنه بديل جيد عن نواف كشيخ جامع للبكارة، خصوصاً مع استمرار مكوثه بين أعمامه ورعايته مصالحهم في ظل سلطة «داعش» المطلقة والعنيفة، مما يشكل قيمة معنوية كبيرة بالنسبة للمجتمعات العشائرية، ومحاولته أيضاً التوفيق بين سلطة «داعش» ومصالح العشيرة الآنية بما يخدم العشيرة، إضافة إلى أنه حفيد أسعد البشير وهو أحد المشايخ السابقين للبكارة وكان ذا كلمة مسموعة بينهم. إلا أن أحد أقارب نواف قال خلال لقاء معه أن «إزاحة نواف من مشهد العشيرة صعب جداً» بخاصة أن المذكور تعرض لحملة مشابهة أثناء انضمامه لإعلان دمشق المعارض من جانب مشايخ البكارة الآخرين بدعم وتوجيه من مخابرات النظام السوري خلال العام 2005، وأدت تلك الحركة إلى ارتفاع رصيد الرجل في صفوف قبيلته، بينما تراجع دور المشايخ الآخرين الذين هاجموه في القبيلة. ولكن يبدو أن البشير هذه المرة سوف يواجه قيادات فصائل الجيش الحر والنشطاء من أبناء عشيرته، حيث صدر بيان عن ما يقارب 76 شخصية من العشيرة بينهم ضباط منشقون وقيادات فصائل ونشطاء، عقب ظهور نواف الأخير، أعلن التبرؤ منه. يعتنق أبناء العشيرة الإسلام على المذهب السني في شكل شبه مطلق، ولم تؤثر رواية النسب التي ترجع أصولهم إلى آل البيت في نمط تدينهم، لكن وخلال الشهر السادس من العام 2013 حدثت واقعة شهيرة، حيث اقتحمت فصائل من الجيش قرية حطلة بعد استهداف بعض المتشيعين فيها لعناصر الجيش الحر وبسبب اعتقاد هذه الفصائل أن المتشيعين في البلدة الواقعة عند مدخل مدينة ديرالزور الشمالي على صلات وثيقة بقوات النظام وأن الأخير يسعى لتسليحهم في شكل نوعي بغرض استهداف الجيش الحر. وينتسب المتشيعون إلى عشيرة البوبدران التي يقال عنها وفق مرويات شعبية لعشيرة البكارة أنها عشيرة انضمت للقبيلة الكبيرة بغرض الحماية ومع مرور الزمن أصبحت منها، ولكن ما زال لديهم هامش من الحرية العشائرية الخاصة بهم كـ «بوبدران» ولهم امتداد عشائري في الأراضي العراقية، وقد انتهت الواقعة بترحيل الجيش الحر في المنطقة لكل العائلات المتشيعة، والتي انتشر التشيع بينها في الثمانينات من القرن الماضي من طريق بعض الشخصيات من العشيرة ذاتها على صلة بإيران. ووفق الإحصاءات فإن عدد المتشيعين لا يزيد عن 600 شخص من أبناء البلدة وهذا العدد هو حصيلة عمل هذه الشخصيات على نشر التشيع خلال تلك السنوات. كانت هناك اتهامات وشكوك تُدين بعض المتشيعين بقيامهم بعمليات اغتيال وضرب حواجز للجيش الحر وتشكيل خلايا نائمة ضد الفصائل في تلك المنطقة، لكن لم تتوافر إثباتات تدين هؤلاء الأشخاص. وفي مساء يوم الحادي عشر من الشهر السادس من العام 2013 هاجم عدد من المسلحين المحسوبين على شيعة البلدة، حاجزا للواء القادسية التابع للجيش الحر كان متمركزاً على جسر السياسية (المدخل الشمالي لمدينة ديرالزور)، ودارت اشتباكات عنيفة استمرت نحو نصف ساعة بين المسلحين وعناصر لواء القادسية. سقط خلال هذه الاشتباكات 3 مقاتلين من لواء القادسية وجُرح 8 آخرون تم إسعافهم في مشفى السعيد بمدينة الميادين بريف ديرالزور الشرقي، وهرب المسلحون الى داخل القرية. على أثر ذلك، استنفرت كتائب الجيش الحر بدير الزور وحشدت العديد من المقاتلين في محيط القرية تجهيزاً لاقتحامها، وقبيل اقتحام القرية أعطت فصائل الجيش الحر المسلحين الذين هربوا الى حطلة مهلة لتسليم أنفسهم، لكنهم رفضوا ذلك وأصروا على المواجهة، في هذه الأثناء قام المسلحون بتهريب عائلاتهم من طريق المعبر المائي باتجاه قرية الجفرة (الواقعة في الجهة المقابلة من نهر الفرات ويسيطر عليها النظام السوري) كما هربت بعض العائلات خوفاً من ارتكاب مجازر، وتم توثيق إعدام عدد من المدنيين والمسلحين بينهم عائلة بأكملها لم يسعفها الوقت للهروب من مكان المعركة. وبعد خروج هؤلاء إلى مناطق سيطرة قوات النظام، شكلوا مجموعات مسلحة تقاتل مع قواته على عدد من الجبهات وما زالت صفحات تابعة لها على وسائل التواصل الاجتماعي تذكر بما حصل ببلدة حطلة وتجدد تأكيدها بأنهم عائدون للمحافظة ولمنطقتهم، وتزايد خطابهم حدة بعد اقتراب الحشد الشعبي العراقي من الحدود السورية، فيما تتماهى طموحاتهم مع مساعي النظام لتشكيل حشد شعبي آخر في الجزيرة السورية على شاكلة النسخة العراقية، يمكن أن ينضم إليه البشير وأطراف أخرى من المحافظة.   ملامح استقطاب في المستقبل تعتبر قبيلة العكيدات منافساً حيوياً وقوياً لعشيرة البكارة، وخلال العمل المسلح للثورة السورية تمايزت فصائل الجيش الحر بين ما هو محسوب على هذه العشيرة أو تلك، حيث أُسُست فصائل عدة على أساس مناطقي-عشائري بحكم توزع القبيلتين وتركزهما، وامتدت حمى العشائرية لتشمل حركة النشاط السلمي ولتطفو على السطح مفاهيم من قبيل «ثوار العكيدات أو ثوار البكارة.....إلخ». ومنذ تصريح نواف الراغب غير المسبوق حول فتح باب الحوار مع إيران قبل أشهر، بدأ نشاط متصاعد لفصائل محسوبة على عشيرة العكيدات لتجميع نفسها من أجل القيام بتحرير ديرالزور من قبضة «داعش»، وبالفــعل فقد وصل إلى مدينة أنطاكيا عدد من أبناء العشيرة بغرض التحرك لتحرير ديرالزور وعقدوا عدة لقاءات مع أبناء قبيلتهم. وتسربت معلومات مفادها أن الشيخ الشاب الذي تولى أمور العشيرة خلفاً لوالده تلقى عرضاً من النظام السوري للعودة إلى دمشق، خصوصاً أن والده لم يقف الى جانب نشطاء الثورة من أبناء قبيلته وبقيت العلاقة بين الطرفين يشوبها الكثير من انعدام الثقة، إلا أن أباه خليل الهفل رغم ذلك حافظ على موقعه في قبيلته مستنداً إلى توفيقه بين علاقاته مع النظام ونشطاء قبيلته وقيادات فصائلها وكذلك على ترسخ زعامة عائلته في رئاسة العشيرة والتي أصبح من الصعب تجاوزها. ويأتي التحرك الأخير بسبب اقتراب الحشد الشعبي في العراق من الحدود مع سورية مما يدعم في شكل كبير مشاريع النظام بإنشاء حشد شعبي في منطقة الجزيرة تم الإعلان عنه قبل فترة، حيث تبدو الفصائل المنتمية لقبيلة العكيدات ملائمة لوقف هذا المد وعزل الحشد عن الأراضي السورية خصوصاً مع انتشار القبيلة على الحدود. قبل ما يقارب السنة تقريباً قال البشير في أحد لقاءاته المتلفزة أن «الجزيرة السورية تشكل خاصرة رخوة للتدخلات الإيرانية مستقبلاً» داعياً أصدقاء الشعب السوري للتركيز على المنطقة، لكي تكون جزء من سورية المستقبل، والآن يتجه البشير إلى إيران طاوياً صفحة معارضته للنظام السوري، وفاتحاً صفحة جديدة في الصراع على الجزيرة الســوريـة مـن جانـب قـوى إقـليمية، بـاعـتـبـارها ممراً وصلة وصل لا تـكتمل المشاريـع العـابـرة للحـدود إلا بها.