يو.إس. توداي: “الكارثة في سورية”


أحمد عيشة

تداعيات الحرب الأهلية في سورية يمكن أن تجعل منها أكبر فشل في سياسة أوباما الخارجية

لاجئون سوريون وعراقيون محتجزون عند الحدود اليونانية المقدونية في 28 شباط/ فبراير (صورة: لويزا غولياماكي، وكالة الصحافة الفرنسية/ صور غيتي)

أخيرًا، اعترف بيل كلينتون، بعد سنواتٍ من مغادرة منصبه، بأنَّ أكثر ما يأسف له هو عدم إرسال بضعة آلافٍ من القوات المقاتلة إلى رواندا لإنهاء الإبادة الجماعية في ذلك البلد الأفريقي الصغير الذي أسفرت الحرب فيه عن مقتل 800،000 شخص، وتابع قائلًا “لو أننا ذهبنا في وقت أسرع، أعتقد أنه كان في استطاعتنا أن ننقذ ما لا يقل عن حياة ثلث من قتلوا”. كان ذلك في حديث كلينتون لشبكة سي إن بي سي في عام 2013، عن المذبحة الناتجة عن الصراع القبلي في عام 1994 حيث جرى تقطيع الأبرياء أو ضربهم بالهراوات حتى الموت. وأنهى حديثه “كان لها تأثير دائم فيّ”.

مع المشاهد الأخيرة التي تفطّر القلب حول الدمار في سورية، وفي ثاني أكبر مدنها، حلب، لا بد من أن نتساءل عمّا إذا كان الرئيس أوباما سيعاني من ندمٍ مماثل على 470،000 قتيلٍ في الحرب الاهلية في ذلك البلد. خلال السنوات الخمس منذ بدء الحرب، رفض أوباما عددًا من الخيارات العسكرية، وتدور جميعها حول مشاركة القوات البرية الأميركية التي كانت ستغيَّر مسار الصراع.

مراجعة: اندلعت الحرب الأهلية في آذار/ مارس 2011 عندما أطلق الرئيس السوري بشار الأسد حملةَ قمعٍ وحشية ضد متظاهري الربيع العربي، وبعد خمسة أشهر، دعا أوباما إلى رحيل الأسد لكنه سرعان ما أعاق تسليح المتمردين، مدركًا استياء الشعب الأميركي من الحروب في البلدان الإسلامية، وواثقًا في البداية على الأقل من أن الأسد سيُطرد من منصبه بالطريقة نفسها التي كان قد سقط فيها الطغاة العرب الآخرين.

 

أمسك أوباما بالتوازن الصحيح.. وجهة نظر معارضة

بعد ذلك بعام، استرجع أوباما خطابه الشهير حول “الخط الأحمر” المتعلق باستخدام الأسد للأسلحة الكيماوية، لكن الأسد، محبطًا بسبب عدم تحقيق نجاحات ميدانية، تجاوزه على أي حال، وشنَّ هجومًا بغاز الأعصاب في ريف دمشق (الغوطة) أودى بحياة أكثر من 1400 شخصٍ، هجومًا هزَّ العالم.

قدمت وزارة الدفاع الأميركية إلى أوباما خيار إطلاق صواريخ كروز من طراز توما هوك ضد القواعد الجوية السورية ومراكز القيادة والسيطرة والوحدات المسؤولة عن الهجمات الكيماوية. حيث تلحق الضرر وتكون عقابًا للطاغية وجيشه. لكن أوباما تردّد، واختار فجأةً الحصول على تفويض من الكونغرس، حيث أعطى هذا التأخير الروس فرصةً للتفاوض حول إزالة الأسلحة الكيماوية والسماح لقوات الأسد العسكرية التقليدية الأسد في أن تبقى سليمةً.

بينما بدأ السوريون بالفرار من الحرب في أرقامٍ غير مسبوقةٍ، قاوم أوباما الخيارات العسكرية لخلق منطقةٍ آمنة مع غطاءٍ جوي لتكون بمنزلة ملاذٍ للفارين من العائلات، الأمر الذي لم يحدث، حيث اندفع اللاجئون إلى تركيا ومن بعدها إلى أوروبا.

ضاقت خيارات أوباما بحدةٍ مع وصول القوات الروسية والإيرانية، لمساعدة الأسد على استعادة زمام المبادرة في الحرب الأهلية في العام الماضي. حتى ذلك الحين، واصل وزير الخارجية جون كيري يحث أوباما على شنَّ هجمات بالصواريخ الموجهة، من شأنها أن تعطي الدبلوماسية بعض النفوذ خلال مفاوضات وقف إطلاق النار، لكن أوباما استمر في المقاومة، قائلًا لـ: الأطلسي في آذار/ مارس إنَّ “السلطة الحقيقية تعني أنك يمكن أن تحصل على ما تريد من دون الحاجة إلى استخدام العنف”.

رواندا وسورية، معالم توأمين من الرعب والسلبية الرئاسية، هما بالتأكيد ليستا متساويتين تمامًا؛ فقد كانت رواندا أقلَّ تعقيدًا، كانت قبيلة الهوتو ذات الأكثرية وذات التسليح السيِّئ لا تمثل تهديدًا يُذكر بالنسبة إلى قوة النيران الأميركية، أما في سورية، فعلى العكس من ذلك، لديها قواتٌ عسكرية مهنية، ونظام دفاع جوي وحلفاء أقوياء في روسيا وإيران.

ومع ذلك يمكن لسورية أن تتهاوى بسهولةٍ بسبب الفشل الكبير لإدارة أوباما في السياسة الخارجية. العواقب الواسعة للحرب مثيرةٌ، فهناك نحو نصف مليون قتيل، كما ساعد الفراغ الناجم عن الصراع في صعود جماعة الدولة الإسلامية الإرهابية، وجعلت الحرب الأهلية حياة 13.5 مليون سوري في أزمة، وأجبرت 4.8 مليون سوري على النزوح إلى البلدان المجاورة وأوروبا، حيث أثار وجودهم الحماسة المناهضة للمهاجرين، ومكّنَ الأحزاب السياسية اليمينية، وساهم في نجاح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. بعض من مخاوف الإرهاب التي ساعدت في دفع دونالد ترامب الى الفوز، يمكن أن تُعزى إلى ساحات القتال في سورية.

سيتناقش المؤرخون طويلًا فيما إذا كان يمكن الولايات المتحدة -أو يجب- أن تفعل المزيد في سورية، سواءً كان يمكن للتدخل أن يمنع بعضًا من هذه العواقب، أم أنه سيكون محض توريط الولايات المتحدة في مستنقع آخر. قد يكون أوباما، في لحظاته التأملية، مسكونًا جيّدًا بتلك الأسئلة نفسها.

اسم المقالة الأصليThe debacle in Syria: Our view
الكاتبهيئة التحرير، The Editorial Board
مكان النشر وتاريخهيو.إس. توداي، USA Today، 27/12/2016
رابط المقالةhttp://www.usatoday.com/story/opinion/2016/12/27/debacle-syria-our-view/95740634/
ترجمةأحمد عيشة




المصدر