الشعوبية (بدايتها وجدلية أسبابها)

9 يناير، 2017

جيرون

بالإمكان تعريفها بدايةً بأنها حركة أو تيار فكري فارسي مُـناهِض للعرب. قال الإمام القرطبي في تعريفها: “الشعوبية تبغض العرب وتفضل العجم”. (تفسير القرطبي: 11/189).

بدأت الشعوبية في الظهور في النصف الثاني من القرن الأول الهجري، واستمرت طوال فترة العصر الأموي، حتى اشتدت وقويت في العصر العباسي، مع استقدام واستخدامهم الخلفاء العباسيين الموالي في شؤون الحكم، وإسناد كثير من المسؤوليات إليهم، ولا سيما الخلفاء الذين كانت أمهاتهم فارسيات، كالمأمون، وآخرين ممن استخدموا الموالي في حرسهم وجيوشهم لقمع الرعية، إذ كانوا يؤدون دورًا أشبه بدور الشبيحة في زماننا هذا.

ويقول الجاحظ في رسالته (فخر السودان على البيضان): “إن الشعوبية لم تكن تشيع بين الفرس فحسب، وإنما طالت بقية الأمم، كالأندلسيين والزنج من أهل افريقيا… إلخ، واجتمعوا -هؤلاء- على العداء للعرب والاستطالة عليهم والحطّ من شأنهم”.

يُـعزو أنصار الشعوبية ظهورها إلى أسباب عديدة، أولها اجتماعي يتمثل باستعلاء العرب على الموالي (غير العرب الداخلين في الإسلام) ونظرتهم إلى غيرهم من الشعوب نظرة السيد، فيزعمون أن العرب يحطون من شأن الموالي، حتى إنهم لا يمشون معهم في الصف نفسه، ولا يزوجون المولى من عربية، وإذا ما تزوج أحد الموالي من عربية يُطلق على اسم ابنه لقب “الهجين”، وغيرها من تصرفات العرب التي كانت تحط من شأن غير العربي.

ويمثلون السبب الثاني بالدور السياسي، إذ عمد الأمويون خلال فترة حكمهم على نبذ الموالي وإقصائهم عن المراكز الحساسة في الحكم. كما كان العرب يختارون الولاة منهم، وكذلك القضاة وأئمة المساجد، ويمنعون الموالي من الانضمام إلى الجيش العربي النظامي المؤلف على أساس قبلي، وإذا ما اقتضت الحاجة لهم فلا يقبلونهم إلا متطوعين ومحاربين راجلين.

بينما يرجعون السبب الثالث إلى الجانب الاقتصادي، إذ عاش الموالي حالة متردية من الفقر، واقتصرت أعمالهم على المهن البسيطة، في الوقت الذي كان العرب يتسلمون مفاصل السلطة ورتب الجيش.

على الطرف الآخر، يرى كثير من الباحثين، مستندين إلى التاريخ المدوّن، أن هذه الأسباب لم تكن الأساس في ظهور الشعوبية، إذ يرجعونها إلى سبب رئيس يتمثل بتأصل العصبية القومية، وتضخم النزعات القومية الاستقلالية في نفوس الموالي، الفارسية منها على وجه الخصوص.

ويبرر مَن يذهب في هذا المنحى رؤيتَه، إذ إن سياسية الأمويين في إقصاء غير العرب عن السلطة، نابعة من أوضاع العرب السياسية والفكرية في الدولة الأموية، فالعرب هم الفاتحون والمنتصرون، وهم من قدموا أكثر التقديم في سبيل انتشار الدعوة الإسلامية. وعلى الرغم من ذلك؛ فالموالي تسلموا الإشراف على ديوان الخَراج والرسائل، ووظائف الحراسة والحجابة، وفي ميادين فنية مختلفة.

أما على الصعيد الاقتصادي؛ فإن الضرائب التي فرضت على الموالي المسلمين، كانت بسبب الأزمة المالية في منتصف العصر الأموي، ويرون أن ما يقال عن إرهاق الموالي بالضرائب فيه مبالغة.

وذهبوا إلى أن الشعوبية، إذا كانت نشأت بسبب الأوضاع الاجتماعية والسياسية في الدولة الأموية، وبسبب ما يقال بأنه ظلم وقع على الموالي، لصح أن يتلاشى سخط الشعوبيين مع قيام الدولة العباسية، التي أنصفتهم وفتحت لهم أبواب الوزارة والجيش، وأصبح لهم فيها صوت مسموع ونفوذ واسع. إلا أن ما حدث كان العكس تمامًا، فالشعوبية اشتد عودها وقويت في العصر العباسي، وأسسوا حركات باطنية سرية، وعملوا على إضعاف تفكيك الدولة العربية الإسلامية، حتى تم لهم ذلك في النهاية، وهذا ما يؤكد “تأصل العصبية الجنسية وتضخم النزعات القومية الاستقلالية في نفوس الموالي”، وفق ما يرى الباحثون.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]