صحيفة «برايتبارت نيوز» الإلكترونية صوت أميركا «المتعنصرة»


الشهرة والانتشار الواسع اللذان حظي بهما خلال الأشهر الأخيرة موقع (برايتبارت نيوز- Breitbart) الإلكتروني الأميركي يعودان إلى رئيس تحريره اليميني المتطرف ستيفن بانون الذي اختاره الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب ليكون كبير مستشاريه للشؤون الإستراتيجية. ويرى مراقبون «أن هذا الموقع سيكون له تأثير مهم للغاية في الطريقة التي سيتعامل بها ترامب مع دول العالم والسياسة الدولية خلال السنوات الأربع المقبلة».
قام موقع «بوليتكو» بفحص المئات من المقالات التي تتناول السياسية الخارجية التي نشرت في «برايتبارت نيوز» خلال الفترة من منتصف عام 2012 الى منتصف عام 2016 بهدف «تفهم نظرة بانون للعلاقات الدولية والسياسة الخارجية»، وخلصت الى تأكيد الاستنتاجات القائلة إن» بانون سيدفع ترامب نحو ما يسميه «الفاشية الإسلامية» حتى وإن كان ذلك سيعني استهداف المسلمين الأميركيين» كما سيحضّه على «زيادة الدعم الأميركي لإسرائيل وتجاهل انعكاسات ذلك على الفلسطينيين، اضافة الى تأييد القوميين المتطرفين والشعبويين وتقويض هيئة الأمم المتحدة والإساءة إلى المرأة».
ويواجه رجل الأعمال والناشر بانون ( 6 سنة) اتهامات بالعنصرية وتبني عقيدة تفوّق ذوي البشرة البيضاء. وبسبب سجل فانون الفضحائي وعنصريته، رفض مركز «ساذرن بوفرتي نيو سنتر» وهو منظمة غير حكومية معنية برصد المؤسسات والقيادات العنصرية تعيينه في المنصب الرفيع في البيت الأبيض»، وذكر في بيان على موقعه الإلكتروني، إن «بانون لا مكان له في البيت الأبيض» مشيراً الى «ان بانون فاخر بأن (برايتبارت نيوز) هو منصة لليمين». وقال الرئيس التنفيذي لرابطة مكافحة التشهير الحقوقية (غير حكومية) جوناثان غرينبلات: «إنه يوم حزين أن يتولى هذا المنصب رجل كان يدير موقعاً إلكترونياً يؤيد عقيدة تفوق ذوي البشرة البيضاء، ومعاداة السامية والمناداة بالعنصرية». وحذر السياسي الجمهوري جون ويفر هو الآخر في تغريدة له على تويتر من عواقب هذا التعيين قائلاً «الرئيس القادم يعين عنصرياً ومعادياً للسامية في منصب كبير المستشارين في البيت الأبيض».
يفتح الموقع ابوابه لشخصيات سياسية تثير آراؤها ومواقفها استقطابات سياسية في المجتمع الأميركي، ففي مقال عنوانه «الكياسة الثقافية تحمي ثقافة الاغتصاب الإسلامية» نشره الموقع كتبه السيناتور السابق توم تانكريدو المعروف بمواقفه العنصرية، ودعواته الى تقييد الهجرة وطرد اللاجئين غير الشرعيين تحدث فيه عن «إمكانية وجود اعداء اسلاميين في الداخل». ويوجه الموقع انتقادات حادة إلى إيران.

العنصرية باللون البرتقالي
لعب هذا الموقع الإخباري دوراً كبيراً في الترويج لترامب خلال حملاته الانتخابية من خلال نشره مواقف عنصرية معادية للنساء والمسلمين، وتدعم اليمين الإوروبي المتطرف. وتصدرت صفحاته عناوين جريئة وبراقة باللون البرتقالي موجهة ضد المؤسسات السياسية وضد الحزبين الديموقراطي والجمهوري على حد سواء، كما واستخدم تعابير جارحة ومسيئة للسود والمسلمين والنساء. فقد نشر مقالاً كتبه الكاتب والنجم السينمائي ميلو يانوبولس المعروف بمواقفه العنصرية وتحرشاته الجنسية يحمل عنوان «وسائل منع الحمل تجعل المرأة جذابة ومغرية» ويقول فيه «ما هو الخيار الأفضل، ان تنقل عدوى مساواة الرجل بالمرأة ام مرض السرطان لطفلك؟».
تقول الخبيرة في شؤون الميديا فيسلافا انتونوفا «ان افضل وصف يمكن اطلاقه على هذا الموقع هو مساواته بمواقع مماثلة مثل «روسيا اليوم» وسبوتنيك». وأضافت «ان المقالات التي ينشرها الموقع تتميز بنشر الأخبار الكاذبة والصادمة في الوقت نفسه، من قبيل «ان مستشارة للمرشحة الرئاسية هيلاري كلينتون عميلة للمملكة العربية السعودية». وأكدت انه وعلى رغم طابعها الدعائي المفضوح والمتحيز سرعان ما تتناقلها الألسن وتتداولها وسائل التواصل الاجتماعي».
يعد الكثير من خبراء الميديا «برايتبارت» منبراً للحركة الأميركية اليمينية المتطرفة (Alt-Right) التي تمتلك جيشاً من المنصات الإلكترونية التي تنشر كل انواع الأخبار الكاذبة والتحليلات القائمة على نظرية المؤامرة». وتستند هذه الحركة في ترويجها لأفكارها وشعاراتها ومواقفها إلى تخويف فئات المجتمع المختلفة في الولايات المتحدة من غزو «الجهاديين الإسلاميين» للبلاد». وتفخر الحركة ببروز قادة مثل ترامب و الشعبوي البريطاني نايجل فارغ وزعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبين كزعماء، وتعتبرهم مثالاً وقدوة في مسيرتها لتحقيق اهدافها في احداث التغييرات السياسية في الولايات المتحدة.
يتجه موقع «برايتبارت نيوز» الى اصدار مواقع له في ألمانيا وفرنسا قبل الانتخابات البرلمانية في هذه البلدين للترويج لشعارات احزاب اليمين المتطرف والشعبوي وتأجيج الكراهية ضد المسلمين وترهيب المجتمع الألماني من نتائج سياسات المستشارة مركل وذلك في محاوله لمنع فوزها بولاية رابعة ومساعدة ودفع التيارات المناهضة للمشروع الأوروبي والليبرالية الديموقراطية في الوصول الى الحكم، وذلك بعد ان كانت اطلقت نسخة من موقعها في بريطانيا في عام 2014 اي قبل عامين من البريكزت.

نسج القصص المتخلية
وتقديمها كحقائق
ويعود تأسيس وإطلاق الموقع الى عام 2007 حيث اسسه أندريو برايتبارت وأداره شخصياً الى حين موته عام 2012. وكان الموقع آنذاك يحرص على نشر المقالات والتحليلات الرصينة ويلتزم أسس ومبادئ الصحافة الجدية عند توجيهه الانتقادات الى الحكام والقادة في واشنطن بالإضافة الى نشره الأخبار الكاذبة والمعلومات الملفقة بعناية وجهد، وأحدها عندما قام بالتلاعب بشريط فيديو وإجراء مونتاج لكلمة ألقتها موظفة سوداء بوزارة الزراعة هي شيرلي شيرود في اجتماع للرابطة الوطنية لتقدم الملونين يظهرها كما وكأنها تعترف بقيامها بتخفيض متعمد لمساعدة حصل عليها مزارع ابيض بسبب لونه. وبعد انتشار الشريط في وسائل التواصل الاجتماعي قرر الرئيس اوباما طردها من العمل، ولكن وبعد ايام قليلة انكشفت فضيحة تلاعب الموقع بنص الكلمة التي عند نشرها كاملة تبين ان شيرود كانت تدين مثل هذه السلوكيات العنصرية وتشجع على التفاهم بين الناس من مختلف الأعراق».
كان الموقع في بداية صدوره يعنى بنشر الأخبار فقط، ولكنه ومع تطور تكنولوجيا الإنترنت شرع في اضافة الصور وأشرطة الفيديو. وقال مؤسسه برايتبارت «ان موقع هافنغتون بوست ليبرالي مناكف، وموقع برايتبارت يميني مناكف». وفي مقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست» شرح فانون اوجه الفرق والاختلاف بين العنصرية والمتعنصر. وقال «انه وترامب ليسا من العنصريين، بل من المتعنصرين».
وأثارت عباراته هذه للصحيفة نقاشات ساخنة في الأوساط السياسية والأكاديمية في الولايات المتحدة، وطرحت تساؤلات عن معنى الكلمة الجديد «متعنصر» وإذا ما كانت صحيحة، وعن الفرق بينها وبين كلمة عنصري؟ وجاء في بعض التعليقات في وسائل الإعلام «ان الأولى تعني (ريسيزم) اي العنصري، فيما الثانية «ريشياليزم» اي الانتماء العنصري كالفخر بالانتماء الى مجموعة او قبيلة او لون او عرق من دون معاداة الآخر. في هذا السياق قال بانون في حوار اجرته معه قناة «سي سبان» التلفزيونية «ليوفق الله السود، والسمر، والصفر» وأضاف» لست في معركة معهم، ولكن ليس بمستطاع اي قوة على الأرض ان تنكر لوني الأبيض، انه سلالة افتخر بها» وشدد «نريد اميركا يتساوى فيها الجميع. لا نريد اميركا فيها حقوق خاصة لهذه الفئة او تلك، لينال كل شخص وفق عمله» محذراً من «ان تدخل الحكومة في اشكال وألوان الناس نتيجته النهائية اثارة المشاكل».
كتب الصحافي السابق في إذاعة «إن بي آر» شبه الحكومية كينيث شتيرن مستعرضاً اسرار تصويت الأميركيين لليمين» توجد اشياء كثيرة في صحيفة «برايتبارت نيوز» لا اؤمن بها، بل ربما احتقرها، لكنني لا استطيع نكران حقيقة انها تعبر عن رأي قطاع ليس صغيراً من الشعب الأميركي يؤمن بآراء تبدو لنا غريبة، او يمينية، او حتى رجعية». هذا فيما قالت الصحافية في مجلة «كولومبيا جورناليزم ريفيو» التي تصدرها كلية الصحافة في جامعة كولومبيا في نيويورك شيلي هيبويرث «كفانا عاطفية، كفانا هلعاً، لنكن واقعيين، هذه هي اميركا الجديدة».
من هو ستيفن بانون؟
تولى اليميني المتطرف ستيفن بانون منصب المدير التنفيذي للموقع بعد وفاة مؤسسه بريتبارت، وحوّله إلى منصة لحركة «alt-right» ما تسبب باستقالة أحد المعلقين السياسيين الكبار في الموقع بن شابيرو الذي اتهم فانون بتشويه السياسة التحريرية التي قامت على أسسها هذه الميديا». في كتابه الصادر في العام 2015 بعنوان» الثورة البنفسجية» يصف نايجل فاراج اللقاءات التي أجراها مع فانون بعد افتتاحه مكتب لموقعه في لندن. ولعب فانون دور الوسيط بين ترامب ورئيس حزب الاستقلال البريطاني الشعبوي فاراج الذي كان أول سياسي أجنبي يجتمع مع ترامب بعد إعلان انتخابه رسمياً رئيساً للولايات المتحدة وطالب بتعيينه سفيراً لبلاده في واشنطن. وعلى نهج «روسيا اليوم» و «سبوتنيك»، يجتاح «برايتبارت» أوروبا في سعيه لتغيير مزاج الرأي العام الأوروبي والتأثير في خيارات الناخبين بدفعهم عبر نشر الأخبار والمعلومات الكاذبة والتحريض ضد اللاجئين والمهاجرين المسلمين ونشر الإسلاموفوبيا وكراهية الأديان إلى التصويت لمصلحة القوى اليمينية المتطرفة والشعبوية، وتقويض الاتحاد الأوروبي من الداخل في سياق يخدم مشاريع الرئيس الروسي بوتين لتغيير المسارات السياسية في أوروبا.
يتحالف بانون مع شخصيات أميركية يمينية مشهورة مثل: روبرت ميرسار وهو من أوائل أقطاب الإنترنت وتقدر ثروته بأكثر من بليون دولار، وهو يدعم مركز «هيرتدج» اليميني للدراسات والبحوث في واشنطن، وكذلك مركز «كاتو» للدراسات الاستراتيجية شبه اليميني في واشنطن، ومركز «ميديا ريسيرتش» اليميني في رستون بولاية فرجينيا، إضافة إلى رئيس تحرير مجلة «أميركان رينيسانس» (النهضة الأميركية) غارد تايلور، ورئيس مركز «نيو سينتشري» (القرن الجديد) وعضو مجلس إدارة «المواطنين المحافظين» ومؤلف كتاب «وجهاً لوجه مع العرق» و كتاب «الهوية البيضاء» و «سباق مع الزمن».



صدى الشام