القوميات تضيق ذرعًا بفساد الدولة الإيرانية


أحمد مظهر سعدو

لعل استمرار التدخل الإيراني في سورية واليمن والعراق وسواها، وما يجري من اشتغال إيراني محموم على خلخلة الوضع الأمني الخليجي، للسعودية والبحرين وباقي دول مجلس التعاون، ما جعل كثيرًا من السياسيين يبحثون مسألة بالغة الأهمية، وهي فهم واستيعاب الداخل الإيراني، والبحث عن مخرج موضوعي يلجم هذا الطاغوت ومشروعه الذي يتمدد، ويساهم في تخريب البنى المجتمعية العربية، بل والهيمنة على مجمل دول المنطقة؛ تنفيذًا لمشروعه الفارسي التوسعي والطائفي في الآن نفسه.

يشير الباحث في الشؤون الإيرانية، الدكتور جعفر الهاشمي، في حديث لـ (جيرون)، إلى أن آخر إحصاء رسمي عن السكان أجرته إيران عام 1996، زعمت فيه بأن غالبية السكان هم من القومية الفارسية 67 في المئة، من مجموع ثمانین ملیون نسمة، يليهم في الترتيب: الآذريين بنسبة 17 في المئة، فالأكراد بنسبة 7 في المئة، في حين تبلغ نسبة العرب والبلوش 3في المئة لكل منهما، في حين يشكل التركمان 2 في المئة، ونسبة 1 في المئة لسائر القوميات.

وأضاف الهاشمي أنه في مطلع تشرين ثاني/ نوفمبر عام 2016، تشكلت أول كتلة برلمانية على أساس قومي، تألفت من مئة برلماني تركي (أذري) من مجموع 290 نائبًا ايرانيًا. كما أن هناك أكثر من 133 صحيفة ناطقة باللغة الأذرية والفارسية تنتشر في إيران”. ويؤكد الهاشمي على أن: “هذه المعطيات، تؤكد عدم صحة ادعاء الجهات الساعية للتغطية على واقع نسبة القومية التركية التي يمكن تعميمها على سائر القوميات، ويرى بعضهم أنها زهاء 70 بالمئة من سكان إيران، وعليه؛ يمكن القول بأن مجتمع سكان الجغرافيا الإيرانية الفعلي، يتشكل من مجموعة من الأقليات العرقية، ولا توجد هناك أكثرية مطلقة بينها”.

وحول سياسات الدمج المتبعة في إيران، أشار الهاشمي الى أن “سياسات الدمج التي انتهجتها الدولة الحديثة في إيران مطلع القرن الماضي، غيّرت من ديموغرافية هذه المجتمعات، حتى بات من الصعب التمييز بينها في الأقاليم المركزية، كطهران، وأراك، وأصفهان وكرمان، أما في الحزام الجغرافي للقوميات، فقد بقيت عصية على الاجتثاث القومي، فكثير منها لازال يتموضع في جغرافيته، ويسعى للتشبث بما تبقى منها وإحيائها”.

يشكل الأذريون نسبة كبيرة من سكان العاصمة، وقد يكون عددهم أكبر من عدد القومية الفارسية. ویسکن غالبية الأذريين في شمال غرب إیران، في محافظات آذربایجان الشرقی والغربی، أردبيل، زنجان، قزوين قم وطهران. في حين يقطن الفرس في طهران وأراك وأصفهان وكرمان وفارس.

أما الاكراد، فموطنهم في غربي إيران، في محافظات كردستان، جنوب آذربايجان الغربي، كرمانشاه، وايلام. ويقطن البلوش في جنوب شرق إیران، والجنوب الغربي لأفغانستان، وشرق باكستان.

تسكن القومية التركمانية في محافظة كلستان، وفي خراسان وشرق بحر قزوين. أما قومية اللر فتسكن في غرب وجنوب غرب إیران.

لفت الهاشمي إلى أن التركيبة السكانية للعرب في الأحواز، ويُقدّر عددهم بأكثر من 5-6ملايين نسمة، يسكنون في موطنهم الأصلي في سهل ما يسمى بمحافظة خوزستان (وفق التصنيفات الإدارية في ايران)، أو الأحواز/ عربستان/ الأهواز/المحمرة، ويشكلون الغالبية فيها، ویمتد انتشارهم في کل من محافظتي عیلام، أو”أیلام” شمالًا، والساحل الشرقي للخلیج جنوبًا بدءًا بمحافظتي بوشهر وبندر عباس، مرورًا بوجود جزئي في بعض مناطق محافظتي فارس وخراسان. أما نسيجهم الاجتماعي، فهو شكل من التبدّل والتداخل القبلي (البدوي) العشائري (الريفي) يجرّب مرحلة العبور من مجتمع تقليدي، إلى مجتمع مدني ضمن سياسة الانصهار التي تعتمدها الدولة الإيرانية.

من الصعب تصنيف هذا المجتمع بأنه طبقي وفق نظرية ماركس، وإن كان قريبًا منها وفق نظرية ماكس فيبر، مع قليل من التسامح، أما المستوى المعيشي، فغالبه متردٍ جدًا، بفعل سياسات التهميش والتمييز التي يمارسها النظام الإيراني بحق هذا الشعب المضطهد، فعلى الرغم من تعدد الموارد الاقتصادية  في هذه المنطقة، ولا سيما الطاقة التي تتجاوز 86 في المئة من مجموع مصادر الطاقة في إيران، وموارد المياه التي تفوق 30 في المئة، وخصوبة الأرض والثروة الحيوانية والسمكية، إلا أن نسبة من يعيش تحت خط الفقر منهم، تقدر بأكثر من 65 في المئة، كما أن نسبة الإدمان والجريمة مرتفعة جدًا.

ويؤكد الهاشمي أن مستوى التعليم في المرحلة الأساسية، متدن جدًا، ذلك؛ بسبب الحرمان من التعليم بلغة العرب الأم، وفرض السلطات الإيرانية مناهج تعليمية وثقافة ولغة أخرى غريبة تهدف لترسيخ ثقافة عنصرية وطائفية بديلة، مضافًا إليها شح الإمكانات، وعدم توفر المدارس والكادر التعليمي الملائم.

أما على صعيد التعليم العالي، فعلى الرغم من دخول شريحة كبيرة من الشباب العرب للجامعات الأهلية وتخرّجهم، إلا أن معظم هذه الجامعات تسعى إلى تسييس المناهج وجني المال والمتاجرة بالشهادات العلمية فارغة المحتوى؛ ما أفرز ظاهرة ما يسمى (بأمية التعليم العالي) وتقزيم المستوى المعرفي”.

يرى الهاشمي أن “القوميات الأكبر، كالأذريين والفرس، ضاقوا ذرعًا بنظام الملالي، ويطمحون للخلاص من هذا الكابوس الذي جثم على صدورهم منذ عقود”. مشيرًا إلى أن حجم الاضطهاد والفساد السياسي والإداري والقضائي، الذي ينخر في جميع مفاصل الدولة والمجتمع، سيكون هو الكفيل بدفع هذه الجماهير للعمل سوية لتغيير هذا الواقع”.




المصدر