ما هو المجتمع المدني .. التهمة التي لا تُغتفر؟


مروان حبش – ميكروسيريا

 قبل الحديث عن  المجتمع المدني وإشكالياته، لا بد من  معرفة  بأن مفهومه جزء من منظومة مفاهيمية مرتبطة به تشتمل على مفاهيم مثل: المواطنة، حقوق الإنسان، المشاركة السياسية….  ومن معرفة ما يرافق ظهوره من تطور في الحقول السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومن الاهتمام المتزايد بمناقشة المسائل الوطنية والتحول الديمقراطي، وحيث تتواكب حركة التفكير النظري مع وعي وحراك مجتمعي، ونمو علاقات اجتماعية مدينية بديلاً عن الأشكال التقليدية السابقة.

  وإن الحديث عن مفهوم المجتمع المدني يوجب بالضرورة الإقرار بأن نشوءه تلازم مع نشوء المطالبة بحرية الفرد في فضاءات نشاطاته جميعها، وفي وجود سلطة مستمدة من إرادة الشعب سياسياً.

 ظهرت كلمة المجتمع ابتداءً من القرن 13 م وفي القرن 17 تراكبت معها صفة (المدني). وظهر المفهوم في لحظة صياغته متقارباً ومتمايزاً في آن معاً، مع مفهومين آخرين، وهما: (الدولة، والحالة الطبيعية). وكان توماس هوبز 1588-1679 هو أول من صاغ المفهوم باللغة الإنكليزية وأورده في كتابه (في المواطن).

 وعرفه الفرنسي (بوسويه) 1627-1704 بأنه المجتمع المؤلف من أفراد متحدين في ظل حكومة واحدة وشرائع واحدة.

ارتكزت فلسفة التعاقد السياسية عند (هوبز – لوك – مونتسكيو – روسو) حين تناولت المجتمع المدني، على مبدأ حرية الفرد وحقه بأن يكون سيد نفسه و يمارس حقه في التعاقد الاجتماعي مع نظرائه المواطنين الأحرار، بغية تنظيم مجتمعهم في ظل مبدأ سيادة القانون، بما هو تعبير عن إرادة المتعاقدين أو الإرادة العامة، ولضمان عدم الإساءة لهذه السيادة أو لعدم إساءة السلطة من قبل فرد أو فئة. من هنا كان الفصل بين السلطات فعلَ حرصٍ على تأمين المشروعية المجتمعية للسلطة القائمة على الاختيار الطوعي بين المتعاقدين في اجتماعهم..
ولقد وجد هيغل أن وظيفة المجتمع المدني تكمن في ضمان الحرية الشخصية.والملكية. ، ويشكل برأيه أحد مستويات تمظهر الدولة حيث يحمي الحق المطلق للفرد ويزيد من حاجات الناس ووسائل إشباعها. والدولة عنده هي النظام السياسي القادر على صيانة المجتمع المدني.
ونظر ماركس إلى المجتمع المدني باعتباره الأساس المادي للدولة، من حيث أنه مجموع العلاقات المادية للأفراد في مرحلة محددة من مراحل تطور القوى المنتجة. وأن الدولة ليست هي التي تكيف المجتمع المدني وتنظمه (حسب لوك) أو أنها تحتويه وتتعالى عليه (حسب هيغل)، بل المجتمع المدني هو الذي يكيف الدولة وينظمها وهو ما يضعها على الطرف النقيض من غايتها الأخلاقية المطلقة.
ومن منظور سوسيولوجي حدد ألكسي دو توكفيل خواص المجتمع المدني في كتابه (الديمقراطية في أميركا) بعد أن رأى الحاجة للفصل بينه وبين الدولة على الوجه الآتي:
– الأنانية المتنورة، وهي مبدأ ثقافي يدفع بالفرد للاهتمام بمصالحه، ولكن من خلال أخذ المصلحة العامة ومصلحة الآخرين بعين الاعتبار. وفي هذه الحالة يصبح الحفاظ على النظام الديمقراطي مصلحة أنانية للفرد.
– إقامة الروابط والمؤسسات الطوعية على المستويات كافة، كقناة تتيح المجال للأفراد كي يتدخلوا في الشؤون العامة، وتحدد مركزية السلطة في الوقت ذاته.
– توفر الثقافة المتبادلة أو الشعور بوجود قيم مجتمعية مشتركة تشكل مرجعية يمكن الاعتماد عليها عند حساب سلوك الآخرين وتوقع تصرفاتهم.
في ضوء هذه الخصائص، يغدو المجتمع المدني عند توكفيل حاجزاً أمام مركزية السلطة وأمام تذرر الأفراد في آن واحد.

   ورأى إميل دوركايم إن المجتمع المدني يعبّر عن الحاجة إلى شبكة أمان من المؤسسات المدنية بين الدولة والفرد من أجل تأمين التعاون المتبادل والتصدي لحالة الاغتراب لدى الأفراد، كما لأمراض مجتمعية أخرى ناجمة عن انهيار البنى التقليدية في ظل الحداثة.

 وفي نظر غرامشي: المجتمع المدني هو مجال الهيمنة الثقافية، أو ذلك المجال الذي يتشكل من الاتحادات المدنية والمؤسسات الطوعية المجتمعية، والذي بواسطته تحقق البرجوازية هيمنتها الثقافية، أي أنه نطاق الهيمنة الثقافية خلافاً لعملية السيطرة التي تميز المجال السياسي.
وأراد آراتو في بحثه عن المجتمع المدني ضد الدولة، في ظل وضع كانت فيه بقية عناصر المفهوم: الاقتصاد ـ الاتحادات – دور النشر ـ الشرطة، مسيطراً عليها من قبل الدول الشمولية في المعسكر الاشتراكي. ولذلك، فإن تركيزه على بناء المؤسسات الوسيطة بين الدولة والعائلة، أو بين الدولة والبنى التقليدية كان له معنى كبير في فعل المواجهة مع أنظمة أوروبا الشرقية..وانطلاقاً من التجربة البولندية، فإن المجتمع المدني عنده هو حيّز مجتمعي عام مقابل شمولية الدولة وتسلّط العسكر.

   مما تقدم يمكن تعريف المجتمع المدني كتعريف أولي إجرائي لغاية توضيحه وضبط الأسس التي يقوم عليها، بأنه (المؤسسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة في استقلال عن سلطة الدولة لتحقيق أهدافها). أي أنّ المجتمع المدني هو مجتمع المؤسسات والتجمعات ذات البرامج المتنوعة في أهدافها حسب القطاعات المختصة والمتوجهة إلى جميع المواطنين والتي تمارس عملها على نطاق الوطن سواء كانت:

 عامة (الأحزاب والحركات السياسية).

قطاعية (النقابات – الجمعيات المهنية-  المنظمات النسائية- حماية البيئة – منظمات وجمعيات المواطنة…….).

حصرية (النوادي الرياضية والموسيقية. الجمعيات الاقتصادية و الفنية والثقافية……).

   وهناك سمات مشتركة تسم المجتمع المدني،فهو:

  • مجتمع طوعي يشكله الأفراد بإرادتهم لكي ينعتقوا من “حالة الطبيعة” التي تسودها شريعة الغاب.
  • مجتمع سياسي لأنه يحيل إلى دولة بعينها تضمن لأفراده الأمن والسلام وحماية الملكية الخاصة.
  • مجتمع مواطنين بما لهم من حقوق اقتصادية وحقوق قانونية ومنها الحقوق الأساسية التي لا يجوز المساس بها.
  • مجتمع ينضبط فيه الصراع المجتمعي على قاعدة غلبة وحدته على انقسامه.
  • مجتمع تسامح وقبول وجهات النظر السياسية الأخرى والمواقف الاجتماعية المتخالفة. أي الأخذ بالقول المعروف (ليس هناك جواب واحد صحيح).
  • مجتمع هو إطار للعقل، ورغبة في العيش وترك الآخرين يعيشون.
  • مجتمع شرط وجوده يكون بتمثُلٌ القيم ذاتياً.
  • مجتمع يتواشج مع السلطة بالتعاون والتنسيق.

 – مجتمع ينطوي جوهره على أربعة عناصر رئيسية : الطواعية – المؤسسية- الغاية.

 – مجتمع علماني بما يشكله من فضاء ثقافي تتعزّز فيه العقلانية، من حيث أنها تحرر العقل من الأوهام والمسبقات والأحكام المطلقة، وتؤكد اعتباره مصدراً للمعرفة.

– مجتمع  يشكل أحد الأعمدة التي تقوم عليه المواطنة، حيث فيه حرية الفرد تحوّله إلى معطى سوسيولوجي وقانوني مفرد أمام القانون  وفي المجتمع مباشرة  .وحيث الديمقراطية تجسّد إرادة الأغلبية وتحفظ حق الأقلية في التحول بدورها إلى أغلبية. وحيث الدولة هي في موقع انفصال ما عنه.

وزير سوري وسجين سياسي سابق