هجرة السوريين والحمولات الاجتماعية


رلى العلواني

مازالت الهجرة والنزوح خيارًا قسريًا وأولوية حياتية لدى قطاع واسع من السوريين، يحفّزه موت واصل، وانعدام الأمل بحل جذري للأزمة، في تحدٍ لرحلة الموت بحثًا عن الأمن والحياة، فمنذ شهر آذار/ مارس 2011، شهدت سورية واحدة من أخطر التحديات في تاريخها الحديث، تمثّل بانتفاضة شعبية عارمة، ناتجة عن أزمة اجتماعية – سياسية عميقة، سرعان ما تحوّلت إلى نزاع داخلي مسلّح، كشف عن تعقيدات اجتماعية واقتصادية وسياسية على المستوى المحلي والإقليمي.

كان الحراك الاجتماعي المُعارض في سورية اجتماعيًا اقتصاديًا وسياسيًا بامتياز، نادى بالحرية التي تُعدّ مطلبًا لمعظم الأطراف في مختلف تجلياتهم، وأصبحت الحرية تعبيرًا عن جوهر الأزمة المتمثلة بالحرمان من الحريات السياسية، وغياب مؤسسات تمثيلية حقيقة شفافة.

هوة شاسعة بين الواقع الاجتماعي للسوريين قبل الثورة وبعدها، ففي سورية حدث ما يمكن عدّه أزمة هوية وطنية، حيث خرجت الأزمة من حيزها الجغرافي ونطاقها الوطني الخاص، وبات لها امتداد قومي وطائفي وعرقي، طال حتى بلاد المهجر واللجوء.

دفع استمرار الصراع في سورية، واستمرار تمدد الإرهاب داخلها؛ متمثلًا بتنظيم الدولية الإسلامية (داعش) والمليشيات الشيعية الطائفية، وسوق الشباب إلى الخدمة العسكرية الإلزامية قسرًا، السوريين إلى المخاطرة بحياتهم وأموالهم، واللجوء إلى طرق غير شرعية للهجرة إلى أوربا، أودت بحياة كثير منهم، ودفعت السوري للتضحية بانتمائه الوطني.

شهدت سورية موجة هجرة واسعة إلى الدول الأوروبية، وغامر السوريون بكل شيء للوصول إلى تلك الدول، ووصل الحال إلى وجود صفحات على المواقع الإلكترونية تعلّم الشباب طريقة الهجرة غير الشرعية، تعرّض خلالها كثيرون لعمليات نصب واحتيال، وتسببت بموت كثيرين أيضًا، وزادت الأعباء والمعاناة الخاصة بالأسر السورية التي مازال في داخلها أمل ضئيل بحياة أفضل من تلك التي في الوطن؛ حيث القتل والتدمير اليومي، والانتهاكات الأمنية الجسيمة، والملاحقة، والتهديد بالسلب، والنهب والفقر والبطالة والفساد.

من الصعب أن تُحدِثَ موجات اللجوء السورية هزات ثقافية كبرى في المرحلة الراهنة، ولا حتى خلال جيل واحد،  ولكن بالنظر إلى الآثار بعيدة المدى، يمكن أن يؤثر ذلك في جيل آخر مولود في البلد المضيف، في طريقة حياته اليومية، لا في هوية المجتمع، وهنا يجب الانتباه إلى أن اللاجئين السوريين هم عيّنة اجتماعية عشوائية، وليسوا نخبة ثقافية قررت الهجرة جماعيًا، وبالتالي؛ فهي عيّنة من عالم ثالث هاربة من الموت، ستحمل معها كثيرًا من المشكلات النفسية، وكثيرًا -أيضًا- من حمولاتها الثقافية والاجتماعية والفكرية، ومن تقاليدها وعاداتها، وليس من السهل عليها أن ترميها في البحر؛ ما إن تطأ أرض الأوروبيين.

لا يمكن الجزم بكيف ستؤثر المجتمعات الغربية الجديدة على هذه الشرائح من المجتمع السوري، خاصة تلك التي رأت أهوال الحرب وتأثرت بها، وعانت من ويلاتها ومصائبها، كما لا يمكن التأكّد من سلاسة انخراط وانسجام السوريين المكلومين مع المجتمعات الجديدة، ومستوى تقبّلهم للتغيير المفاجئ القسري في أسلوب حياتهم وطرق معيشتهم وتفكيرهم، ويبقى من الضروري بذل الجهد، على أكثر من صعيد، لتسهيل التعايش وتخفيف أعباء التغيّر النوعي والقسري في حياة السوريين، وتقديم كل معونة ودعم ممكن، سواء على الصعيد النفسي أم الفكري أو الثقافي، لتسهيل عملية الانسجام مع الواقع السوري الجديد في الشتات.

ويبقى السؤال مفتوحًا: إلى متى ستظل حالة التشرد والضياع والتهجير التي يعيشها السوريون وسط صمت عربي، وتراخ دولي، عما يرتكبه النظام السوري وميلشياته من مجازر وعنف وقتل ودمار.




المصدر