رنا الصباغ تكتب: ضحايا تهريج ترامب!


رنا الصباغ

صحافيو الولايات المتحدة يحبسون أنفاسهم حيال نوايا رئيسهم المنتخب دونالد ترامب و”فعطاته” غير المحسوبة، بينما يستعد لاعتلاء عرش البيت الأبيض في 20 كانون الثاني (يناير) الحالي. تشاطرهم موجة القلق وعدم اليقين، منظمات مجتمع مدني أممية، معنية بتعزيز الحريات السياسية والحوكمة الرشيدة، وحق الرأي والتعبير ودعم الصحافة الحرة باعتبارها ركنا رئيسا في بناء الديمقراطية.
في البال صليات ترامب النارية – قبل وأثناء حملته الانتخابية، وبعد فوزه- ضد صحفيين ومؤسسات إعلامية ومقدمي برامج سياسية ساخرة. إذ لم يتوان الرئيس الانفعالي غير النمطي عن إطلاق أبشع الصفات بحق هذه الشرائح، متوعدا بتشديد نصوص التشهير في قوانين بلاده، لتسهيل آليات مقاضاة من ينتقده من الإعلاميين، ووضع ضوابط للجم المنصات الإلكترونية.
وبدلا من ضبط إيقاعه والارتقاء بأقواله وأفعاله إلى أخلاق الزعامات، يسعى الرئيس الأميركي الجديد إلى تجفيف منابع الانتقاد إعلاميا، على غرار قادة العالم الثالث. وإذا لم تهب كوابح النظام الأميركي لإجهاض تهديداته، فقد يُحدث ترامب سابقة رقابية، في تناقض مع التعديل الأول للدستور (1791)، والذي “يمنع صوغ أي قوانين تحد من حرية التعبير، تتعدى على حرية الصحافة، أو تتدخل في حق التجمع السلمي، أو تمنع تقديم التماس للحكومة لنيل الإنصاف من المظالم”.
الأسابيع الماضية أثبتت أن أي موضوع يتطرق اليه الرئيس الجديد يؤول على الأغلب إلى موقف مثير للجدل أو تعليق مضحك، ما دفع عديدين إلى وصفه بالمهرج. آخرون أعربوا عن استيائهم من حملات التضليل الإعلامي التي كان يطلقها بحق منافسته هيلاري كلينتون والرئيس الحالي باراك أوباما، قبل أن تجترها ماكنته (ترامب) الإعلامية.
مجلس إدارة لجنة الدفاع عن الصحفيين في أميركا أصدر بيانا استثنائيا، حذّر فيه من أن ترامب يشكّل تهديدا غير مسبوق لحقوق الصحفيين، ومساساً بالدستور، وانتقاصا من دور اللجنة في الدفاع عن هذه الحريات حول العالم. وحذّرت اللجنة من أن ممارسات ترامب تهدّد حصانة الصحفيين، المستندة إلى “التعديل الأول”؛ ملهم الإعلاميين الشجعان في أميركا وحول العالم، ممن يواجهون مخاطر كشف الفاسدين والمستبدين وقمع الحكومات. فالنظام الأميركي بني على فلسفة من الانفتاح مفادها أن التبادل الحر للأفكار يشجع التفاهم المجتمعي، ويحض على تقصي الحقائق ويتيح الرد على الأكاذيب ودحضها.
على أن ترامب شتم إعلاميين قبل حملته الانتخابية وعقب فوزه، ووصف بعضهم بـ”كذابين” و”حثالة”. كما سخر من صحيفة “نيويورك تايمز”، وفتح النار على مقدم البرنامج الساخر جون أوليفر، بعد أن أعلن الأخير أنه غير مهتم باستضافته.
ويُجمع عديد صحفيين وسياسيين على أن نوايا ترامب مقلقة ضد روح الدستور ونصوصه التي تحمي حرية الصحافة واستقلاليتها. لذلك، توقع الإعلامي الاستقصائي والتر “روبي” روبنسون -في لقاء عقد في الأردن أخيرا- أن تخلق رئاسة ترامب أجواء من التعتيم لدى الإعلاميين الأميركيين على غرار نظرائهم العرب، كونه شخصا قمعيا يحتقر الصحفيين. وقال روبنسون بسخرية: “قد يأتي اليوم الذي يطلب فيه صحفيو الاستقصاء في أميركا المساعدة من نظرائهم العرب حول كيفية المناورة ضد ثقافة حجب المعلومات والتضييق المتوقع عليهم”.
منظمات المجتمع المدني تتوقع أيضا خسف ميزانية الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، وتغيير أولوياتها في عهد ترامب. صحيح أن الوكالة مستقلة من الناحية الفنية، إلا أنها الجهة المخولة بتنفيذ برامج المساعدات التنموية والاقتصادية والإنسانية في الخارج في إطار موازنة ضخمة، تصرف بموجب قانون المساعدات الخارجية.
فالرئيس الجديد رفع شعار “أميركا أولا”، ما يؤشر إلى بداية إقراره بتراجع بلاده عن قيادة العالم. وفي السياق، يتجه البيت الأبيض لتقويض قيم أميركا المبنية على التعددية والليبرالية، ذلك أنه ينضح بالعنصرية ضد الأقليات والمهمشين.
وهكذا ستكون حقوق الإنسان والديمقراطية وحرية الصحافة وقيم أميركا الليبرالية أولى ضحايا ترامب. وكذلك رسالة وكالة التنمية، المفترض أن تقدم الدعم لشعوب تكافح للتمتع بحياة أفضل وأجواء من الحرية.
تقدر ميزانية الوكالة بـ22.7 مليار دولار للعام 2017، يخصص منها 77 مليونا عبر أنبوب منظمات المجتمع المدني لتمويل مشاريع معنية بنشر السلام وإشاعة الاستقرار والديمقراطية حول العالم. وتندرج ضمن هذا البند منح مستدامة لدعم برامج تطوير الإعلام والديمقراطية.
التغيير الأوسع في أولويات الوكالة ورسالتها، سيظهر لدى رسم ميزانيتها للعام 2018، بحسب توقعات عاملين في منظمات أممية. ذلك أنه من الصعب المس بميزانية 2017 ومشاريعها المقترحة قيد الترسيم.
هؤلاء العاملون يتوقعون الأسوأ لجهة اعتماد مؤسساتهم على دعم الوكالة، ما يعني بدء البحث عن مصادر تمويل جديدة في أوروبا. على أن دول القارة العجوز تعاني أيضا من تحديات جمّة، ليس أقلها الانكفاء نحو اليمين وإغلاق الأبواب أمام تدفق لاجئين من مناطق الصراعات، فضلا عن انكماش اقتصادها وارتفاع معدلات البطالة فيها.
إعلاميا، يتوقع مسؤولو المنظمات الأممية حصول تغييرات في سياسات التحرير لإذاعتي “صوت أميركا” و”أوروبا الحرة”، عبر تسييس المحتوى، بعد أن صوت الجمهوريون في الكونغرس لتغيير قيادات هذه المؤسسات من مجالس إدارة مستقلة إلى مدراء تنفيذيين يعينهم الرئيس على أساس سياسي.
إذن، نحن أمام تغييرات جوهرية مرتقبة، من بينها اقتطاع مخصصات الوكالة الأميركية وحرف دورها من أداة لتعزيز التنمية والتطور البشري والاقتصادي، إلى وسيلة ضغط للوصول إلى اتفاقيات جديدة مجحفة بحق شعوب العالم.
كل ذلك يظل ضمن باب التخمينات حتى الآن، لأن ترامب أثبت خلال الأسابيع الماضية أنه من الصعب التنبؤ بمزاجه وأقواله وأفعاله. وثمّة أمل ضعيف في أن ينزع إلى بعض الرشد عندما يدخل البيت الأبيض زعيما لدولة لعبت دور شرطي العالم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
في الأثناء، يتفهم مدافعون عن حقوق الإنسان وأقطاب الصحافة الحرة أسباب غبطة أنظمة عربية بنجاح ترامب. فهو يؤيد قادة وأنظمة متشددة مثل القيادة المصرية التي رحّبت بفوزه، فيما سرّعت دول أخرى من خطوات التراجع عن الديمقراطية لأنها أدركت بأنه لن يسائلها.
لكن يخطئ قادتنا وكذلك ترامب إذا ظنّوا أن تكميم الأفواه وتقييد الحريات والانقلاب على مبادئ الديمقراطية، ستضمن استمرار الأمن والاستقرار. فهذه الشعوب المقهورة والمهمشة ستقف لهم بالمرصاد، وسيتذكرون يوما أن تصاعد الضغط يولد الانفجار، مهما استخدموا من سياسات الترحيل والتبريد.

المصدر: الغد

رنا الصباغ تكتب: ضحايا تهريج ترامب! على ميكروسيريا.
ميكروسيريا -


أخبار سوريا 
ميكرو سيريا