سمير سعيفان يكتب: توقعات أستانا الغامضة


سمير سعيفان

بات عقد اللقاء حول القضية السورية بين “الحكومة” و”المعارضة” السورية، في العاصمة الكازاخية “أستانا”، في 23 من هذا الشهر، وخروجه ببعض النتائج الإيجابية، ممكنًا بسبب التقارب الروسي التركي، فقد قطع كل من روسيا وتركيا نصف المسافة ليلتقيا، ولكن لا يُعرف إن كانا قد قطعا المسافة ذاتها، أم أن الأتراك قطعوا مسافة أطول. لكن؛ من دون تغيير موقف تركيا لم يكن بإمكان الروس تغيير سياستهم تجاه الحل السياسي في سورية، على الرغم من أنه مازال من المبكر معرفة مدى التغيير في الموقف الروسي، ولكن يبدو أن حسابات الروس لمصالحهم في سورية قادتهم إلى التقارب مع تركيا القريبة الواقعة على الطريق بين روسيا وسورية، وأن تركيا يمكنها حماية مصالح روسيا في سورية، بحكم عوامل عديدة أكبر بكثير من إيران؛ إذ إن تأثير الأتراك في سورية، وفي قلب مجتمعها، بحكم الروابط المتشابكة التاريخية والعائلية والجغرافية والاقتصادية والحدودية، أكبر بكثير من تأثير إيران الطرفية والبعيدة. وبالطبع؛ فقد كان التقارب التركي الروسي مدفوعًا بمصالح البلدين أولًا، بحكم العلاقات الاقتصادية الكبيرة، فقد تضرر الجانبان كثيرًا من التوتر السابق. كما شكل خذلان الغرب ومحاولة الانقلاب في تركيا دافعًا لأنْ تتجه تركيا نحو موسكو.

هذا التقارب التركي الروسي انعكس على الجانب الروسي- الإيراني اتساعًا في الاختلاف في المصالح والمواقف تجاه شكل حل الصراع في سورية، ولا يُعرف حجم الخلاف؛ إذ يجري التكتم عليه قدر الإمكان، ولكن تظهر منه عدة مؤشرات؛ فمثلًا اتفاق وقف إطلاق النار وعقد لقاء الأستانا تم ويتم بدون مشاركة إيران الرسمية، والضامنان لاتفاقات النظام والمعارضة هما الروس والأتراك وحسب. ويبدوا أن إيران ليست مسرورة بوقف إطلاق النار، بل بدأت بوادر الخلاف تظهر بإعلان إيران عن بقاء حزب الله، وربما الميليشيات الأخرى في سورية، وهو الأمر الذي يمنع الوصول إلى أي اتفاق. ويُتوقع أن تكون هذه النقطة هي عقدة المفاوضات أكثر من قضية بقاء الأسد في موقعه.

مازال مؤتمر أستانا يحمل كثيرًا من الغموض والعقبات التي لا ترغب أطرافه بتسليط الضوء عليها، فثمة رغبة كبيرة صافية لدى معظم السوريين، ما عدا قلة، بأن ينجح لقاء أستانا، وأن ينتج عنه شيء إيجابي ولو صغير، وألا يكون مثل لقاءات جنيف السابقة التي كانت تولد ميتة، ولم يسبق لأي من دورات المفاوضات السابقة أن خلقت مثل هذا الأمل والتوقعات المبنية على وقائع، كما ترغب القوى الإقليمية أن ينتهي هذا الصراع، ولكن النهايات التي تريدها مشروطة بتحقيق مصالحها المتعارضة، بل المتناقضة غالبًا.

يرغب الروس في أن يجعلوا من “لقاء أستانا” مسارًا خاصًا بهم، وربما بديلًا عن مسار جنيف، إن أمكنهم ذلك، بعد أن تقاربوا مع تركيا، ويبدوا أنهم لن يدعوا ديمستورا لحضوره، ولا يتجهوا -حتى الآن- لعقده تحت رعاية الأمم المتحدة، على الرغم من أن وثائق الاتفاقات والتصريحات تنص على: “استئناف العملية السياسية في سورية، وفقًا لقرار مجلس الأمن للأمم المتحدة 2254” ولا يذكرون إعلان جنيف1 ولا قرارات مجلس الأمن الأخرى. لكن الروس لا يستطيعون الابتعاد كثيرًا عن جنيف؛ لأن جنيف تمثل -في النهاية- “الشرعية الدولية” ويعني ذلك الشركاء الآخرين في العملية، أوروبا وأميركا، الذين لا تستطيع موسكو تجاهلهم. وديمستورا من جانبه أعلن جولة مفاوضات تلي مؤتمر أستانا، في السابع من شباط/ فبراير 2017، ليقول إن مسار جنيف هو الأصل، وديمستورا في النهاية أقرب إلى وجهة النظر الغربية والأميركية بالدرجة الأساس.

تحدثت وثائق لقاء “أستانا” عن: “اتفاق يتعلق بتشكيل الوفدين لبدء المفاوضات بشأن تسوية سياسية تهدف إلى إيجاد حل شامل للأزمة السورية بالوسائل السلمية”. أي: يسعى الروس لجعل لقاء الأستانا جولة مفاوضات بين وفدين، دون استعمال كلمة مفاوضات، وفد يمثل “الحكومة” ووفد يمثل “المعارضة”. ويسعى الروس لتحقيق مكسب سياسي يضاف إلى المكسب العسكري؛ لتمتين موقفهم حين تبدأ مواجهتهم مع الإدارة الأميركية الجديدة في شباط/ فبراير المقبل.

تشكيل وفد المعارضة هو عقدة المنشار، فمن هي المعارضة الممثلة في الوفد، ومن يشكل هذا الوفد؟ في المرات السابقة كان الأمر واضحًا، ففي جنيف 2 -مطلع 2014- كلف الأمين العام للأمم المتحدة رئيس الائتلاف بتشكيل وفد المعارضة، وفي جنيف 3 -مطلع 2016- شكلت الهيئة العليا للمفاوضات وفد المعارضة. ونعلم أن لا شيء نتج عن جنيف1 أو جنيف 2؛ لأن شروط الحل لم تكن ناضجة بعد، ولم يكن الروس موافقين على تمثيل المعارضة؛ فسعوا إلى عرقلة جنيف 2؛ كي لا تخرج بأي نتائج، وسعوا في جنيف 3 إلى خلق تشويش حول تعريف المعارضة وتمثيلها، وضغطت روسيا في مجلس الأمن؛ كي يتضمن القرار 2254 منح ديمستورا حق التشاور مع أطراف أُخر، ثم ضغطت على ديمستورا الذي وسع مشاوراته، من جهة، ولم يجمع وفدي الهيئة والنظام معًا في قاعة واحدة، من جهة أخرى، أي: جرى تمييع عملية التفاوض، وتحولت إلى مشاورات واسعة مع أطراف كثيرة، وبات بإمكان كل بضعة سوريين التجمع تحت أي مسمى، والذهاب إلى جنيف للتشاور مع ديمستورا علنًا حول الحل في سورية، فقد كان جنيف 3 أشبه بدعوة عامة للسوريين للتشاور مع ديمستورا، ويقدر عدد من تشاور معهم ديمستورا بالمئات. وكانت النتيجة أن لا شيء خرج من جنيف، كانت تلك غاية الروس ضمن موافقة أميركية مضمرة. ولكن اليوم يختلف الوضع كثيرًا، ولكن لا يُعرف حجم هذا الاختلاف.

يبدو أن الروس، مع تركيا، أرادوا الابتعاد عن المسار السابق، وتوجهوا إلى تشكيل وفد من الفصائل المعارضة المسلحة، فهي القوة على الأرض، أما سياسيو المعارضة، فليس لديهم سوى القدرة على إطلاق التصريحات، إذ لا يمتلكون أي تأثير في الفصائل، وخاصة أن الدعم الذي يصل الفصائل لا يأتي عن طريق الائتلاف أو هيئة المفاوضات، أو غيرها من أطراف المعارضة السياسية. ويسعى الروس إلى الاتفاق مع الفصائل مباشرة؛ لسحب البساط من تحت أقدام الهيئة العليا للمفاوضات، ويساعدهم الأتراك في الاتفاقات مع الفصائل، وكان اتفاق خروج الفصائل المعارضة من حلب مثال على ذلك التعاون الروسي- التركي. لكن أي اتفاق في أستانا بين وفد الحكومة، ووفد المعارضة المشكل من الفصائل المعارضة المسلحة، كما هو منصوص، يفتقر إلى التمثيل السياسي. ومازالت الدول العربية الداعمة للمعارضة ومازال المجتمع الدولي يولي أهمية سياسية ودورًا تمثيليًا للائتلاف وللهيئة العليا للمفاوضات، ولا يبدون كثيرًا من الارتياح للقاء “أستانا”. ثم إن ممثلي الفصائل المسلحة لا يمتلكون الكفاية المهنية للدخول في مفاوضات ستكون معقدة لأبعد الحدود وإبرام اتفاق قابل للحياة.

في حال توجه الروس والأتراك -الآن- إلى تشكيل وفد يضم سياسيين إلى جانب ممثلين عن الفصائل؛ فسيكون السؤال: ممن يتشكل وفد المعارضة، فالهيئة العليا للمفاوضات هي الجهة المعترف بها دوليًا، ولكن الروس لا يرغبون بالهيئة، بوصفها ممثلًا للمعارضة، وإن كان ليس بمقدروهم تجاهلها، لذا؛ قد يسعون في هذه الحال إلى تمثيلها بدور ضعيف. ولكن من مصلحة الأتراك أن تكون الهيئة هي ممثل المعارضة الوحيد أو الرئيس، ولكن الروس لديهم منصة موسكو، ومنصة الأستانا ذاتها، ومنصة حميميم غير الممثلة في الهيئة، وسيسعون إلى تمثيلها لتمتين موقفهم، وسيضغط الروس لتمثيل بعض أطراف ما يسمى بالمعارضة الداخلية. هنا ستبرز مشكلة تجميع عدة أطراف للمعارضة في وفد واحد، مسألة معقدة وتجعل وفد المعارضة ضعيفًا ومشتتًا يغوص في خلافاته، مقابل وفد موحد للنظام بمركزية صارمة؛ ما يهدد بفشل اللقاء، وهو الأمر الذي لا يرغبه الروس هذه المرة. وقد يكون الحل هو وجود عدة وفود لـ “معارضات”؛ ما يحول لقاء أستانا إلى مؤتمر سوري تشاوري أكثر منه مؤتمر مفاوضات.

ومن الناحية العملية، سيقوم الأتراك والروس بالتشاور؛ لتشكيل الوفد ووضع برنامج عمله، وتحديد تقريبي للتوقعات منه، بل وصوغ مسودات نتائجه التي ستُعرض على المؤتمر لمناقشتها وإقرارها. وإن كان من الصعب التكهن -الآن- بشكل هذا الوفد، وبرنامج عمل هذا اللقاء، وما إذا كان سيتحول إلى جولة مفاوضات للخروج بحل يضع حدًا للصراع المميت الدائر، أم مجرد لقاء تشاوري يسوده جو جدي، فلا يؤمل أن يخرج هذا اللقاء بنتائج كبيرة، ولكن يؤمل منه أن يخرج ببيان -على الأقل- أو خريطة طريق تؤدي إلى حل يُنجَز تحت مظلة جنيف.

على الرغم من التعقيدات، ينتظر السوريون المغيبون دائمًا بعد أن باتت سورية واقعيًا دولة تحت انتداب متعددة أطرافه، منذ 2012 على الأقل، يأملون في أن يُشكّل لقاء أستانا هذه المرة “الخطوة الأولى” في طريق الوصول إلى حل سياسي للصراع المميت الدائر في سورية، وأن تكون بداية سنة 2017 بداية جديدة لسورية.

المصدر: جيرون

سمير سعيفان يكتب: توقعات أستانا الغامضة على ميكروسيريا.
ميكروسيريا -


أخبار سوريا 
ميكرو سيريا