محكمة الإرهاب في سوريا.. “فرع أمني” تحت ستار القانون


نحو ثلاثة أشهر وتدخل الثورة السورية عامها السادس، وهو ما يعني حوالي أكثر من 2000 يوم، في كل يومٍ من عمرها ثمّة معتقلون يُساقون من البيوت والشوارع والأماكن العامة، أحياناً بتهمةٍ محدّدة وأحياناً دون تهمة.

 

بعد الاعتقال، أهلاً بك في محكمة الإرهاب، فأنت مُدانٌ حتى تثبت براءتك، وفي بعض الأحيان تبقى مداناً حتى لو ثبتت براءتك، فلا قانون ولا دستور ينظّم سير عمل هذه المحكمة “الاضطرارية” التي تشكّلت بهدف سَوق السوريين إلى الزنازين.

توثّق “صدى الشام” في هذا التقرير دَور محكمة الإرهاب، وأبرز الانتهاكات القانونية وتجاوزات نظام الأسد عبر هذه المحكمة سيئة السمعة بين السوريين.

 

 

محكمة غير قانونية

تأسست محكمة الإرهاب في سوريا بمرسومٍ جمهوري صدَر عن رئيس النظام  بشار الأسد في عام 2012، وكان هدفُها المعلن “النظر في جرائم الإرهاب ومرتكبيها”، وكانت بديلةً عن محكمة أمن الدولة في سوريا، والتي أدانتها منظمة “هيومان رايتس ووتش” في عام 2009 بسبب “استخدام السلطات السورية القمع العنيف للمعتقلين فيها وتوجيه تهم فضفاضة لهم دون أدلّة واضحة” وفق ما جاء في الاتهام حينها.

يقول شيار خليل عضو مجموعة العمل لأجل المعتقلين السوريين، والمعتقَل السابق في سجون النظام لـ “صدى الشام”: “إن محكمة الإرهاب هي محكمة استثنائية تم تشكيلها بغرض قمع المعارضين للنظام السوري كغطاء قانوني يشرعن عمليات الاعتقال التعسّفية غير القانونية التي تمّت بحق عشرات آلاف السوريين”، موضحاً أنها تحتوي على 8 قضاة أغلبهم عسكريون، علماً أن القانون يشترط أن يحاكَم المتهم من خلال قاضٍ مدني وليس عسكري.

وأضاف خليل أن سلطة القضاة بالمحكمة مستمدّة من فرع الأمن السياسي والأمن القومي السوري، ويأخذون أوامرهم من هذه الأفرع الأمنية بشكلٍ مباشر، أي أنها تخضع بشكلٍ مباشر لسلطة الأفرع الأمنية، بقسميها الأساسيين، قسم التحقيق وقسم الجنايات داخل المحكمة.

واعتبر أنها في نهاية الأمر “محكمة غير شرعية ومخالفة للنظام العالمي والقانون الدولي ومعظم المعتقلين فيها لا علاقة لهم بالإرهاب”.

 

رحلة مع محكمة الإرهاب

اعتُقل شيار خليل مع 15 ناشطٍ وحقوقيٍ بارز في 23/4/2013، من أحد المقاهي بمنطقة ساروجا وسط العاصمة دمشق.

يقول خليل: “كنت أعمل مع المبعوث الأممي السابق إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي حينها والذي تدخّل في قضية اعتقالي ليتم نقلي بعد ثلاثة أشهر من فرع فلسطين الذي يشهد تعذيباً وانتهاكاتٍ كثيرة إلى سجن عدرا المدني، حيث سُمح لي بالزيارات هناك بعد أن كنت مختفياً في فرع فلسطين”.

ويضيف أنه وخلال استجوابه من قبل القاضي حينها أنكر ما اعترف به تحت التعذيب، إذ وجّه القاضي له عدّة تهمٍ أبرزها: تمويل الإرهاب والتصوير من داخل سوريا لصالح جهة إعلامية خارجية، وقد طلب منه القاضي أن يبصم على ورقةٍ فبصم دون أن يعرف محتواها آنذاك ليخبروه في اليوم الثاني أنه موقوف على ذمة المحكمة.

بعد أن عاد إلى سجن عدرا بـ 4 أشهر، داهمت قوى الأمن مقر مجموعة النشطاء الذين كان خليل يعمل معهم واعتقلوهم ووجدوا أجهزة تخزين ملفات إلكترونية عائدة لـ خليل فأعادوه إلى فرع الأمن الجنائي بدمشق، حيث تم تفريغ الملفات على حوالي 500 صفحة، وتعرّض هناك للضغط والتعذيب بغية الخروج بمقابلة على تلفزيون النظام لتقديم اعترافات على أنه يساند “إرهابيين”، ثم أحالوه إلى محكمة إرهاب جديدة بتهمة تمويل الإرهاب والترويج له، ليخرج منتصف عام 2015 مع مجموعة ناشطين آخرين بعد تدخّل منظمة العفو الدولية والمبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان ديمستورا.

 

اعتقال تعسّفي

في ظل غياب أي إحصاء رسمي حول عدد المعتقلين قسرياً في سوريا، أعلنت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” أنها وثّقت 10047 ألف حالة اعتقال خلال عام 2016 وحده، يتحمّل نظام الأسد المسؤولية عن 99% من هذه الحالات، بينهم 2500 حالة خلال شهر كانون الأول الماضي.

تقول نور الخطيب مسؤولة قسم المعتقلين والمختفين قسرياً في الشبكة السورية لحقوق الإنسان لـ “صدى الشام”: “إن سجلّات الشبكة تحتوي على أسماء 90697 ما زالو قيد الاحتجاز حتى اللحظة، بينهم 12046 محتجزًا يخضعون للمحاكمة في محكمة الإرهاب، بينما تشير التقديرات التقريبية إلى أن العدد الإجمالي للمعتقلين في سجون الأسد بلغ نحو 225 ألف معتقل.

وطالبت “الشبكة” مجلس الأمن الدولي بمتابعة وتنفيذ قراراتها لوضع حدٍ للاختفاء القسري، مؤكّدةً على تحمّل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي مسؤوليتهم تجاه مئات الآلاف من المحتجزين والمختفين قسرياً.

لكن هذه الحالات غالباً ما تأتي كنتيجة لمحكمة الإرهاب وبالتالي دون توجيه تهم واضحة للمعتقلين، ودون الحصول على أدلة دامغة وموثّقة.

ويلفت شيار خليل إلى أن: ” معظم المتهمين محكمة الإرهاب لا يوجد ضدهم أي تهمة واضحة، فيتم اعتقالهم على أساس هويتهم إذا كانوا ينحدرون من منطقة ثائرة، أو بناءً على تخمينات العنصر الذي يشك فيهم، مشيراً إلى أنه وبمجرّد وصولهم إلى الفرع الأمني والتحقيق معهم تحت التعذيب يتم نقلهم إلى السجن وإلصاق تهمة الإرهاب بهم ومن ثم تحويلهم إلى محكمة الإرهاب دون التأكد ودون أدلة، وهو ما يشكّل انتهاكاً واضحاً للقوانين الدولية”.

تشاطره الرأي نور الخطيب، “فجميع من يعتقلهم النظام تلتصق بهم تهم الإرهاب حتى لو كان سبب اعتقالهم ناتج عن تشابه الأسماء، مبيّنةً أن عملية الاعتقال التعسّفي هذه هي بالأصل غير قانونية وهي أشبه بالخطف ولا علاقة لها بالتوقيف القانوني الذي يتم بناءً على مذكرة قضائية صادرة عن جهة قضائية لا عن جهة أمنية كما هو الحال مع جميع المعتقلين”.

لكن في حال ثبت أن على المعتقل تهمةً ما، يوضح شيار أنه توجّه له مجموعة تهم ومنها: “تمويل الإرهاب والتحريض على الإرهاب ووهن عزيمة الأمة والهجوم على ممتلكات الدولة”، وتتراوح عقوبتها بين السجن لمدة ثلاثة سنوات وحتى المؤبّد والإعدام.

 

 لا حقوق ولا سلطة للمحامين

تمر أية عملية اعتقال ومحاكمة عادةً بعدّة مراحل أبرزها مرحلة الاستجواب والمحاكمة بشكلٍ مدني، وسماع أقوال المتهم وحقّه في توكيل محامي، إضافةً إلى أن المحاكمة تتم في مكان مفتوح ويحق للمحامي وأهالي المتهم حضورها، لكن ذلك ما لم يكن يحدث في محاكم النظام العسكرية في سوريا.

يوضح خليل أن المادة السابعة من قانون محكمة الإرهاب تجعلها لا تتقيّد بعلنية المحاكمة بل إنها تتم بشكلٍ سري، وبطريقة حقوقية لأن المحكمة تتمتّع بصلاحياتٍ مطلقة، مبيّناً أن معظم جلسات المحاكم تتم في مكتب رئيس المحكمة بعيداً عن أعين أهالي المعتقلين والمحاميين.

ويتابع أنه لا يُسمح للمحامي بالحديث مع المتهم ولا يُسمح له بتصوير القضية والحصول على نسخة منها، وإنما يطلع عليها لمدة خمس دقائق فقط ليفهم رؤوس أقلامها وهي مدة غير كافية بالنسبة للمحامي ليتمكّن من الدفاع عن موكّله بالحجج والبراهين القانونية.

بدورها بيّنت نور الخطيب أنه يجب قانونياً أن تكون إجراءات المحاكم واضحة ومتاحة للجميع ليتمكّنوا من الاطلاع عليها، إذ لا يمكن تصوّر وجود محكمة بدون إجراءات واضحة للتقاضي، موضحةً أن الغاية من قوانين أصول المحاكم هو بيان الخطوات والإجراءات الواجب على الخصوم وعلى المحكمة اتباعها لضمان حسن سير الدعوة، وضمان صدور حكم عادل فيها بعيداً عن المحاباة والتحيّز.

ولفتت إلى أنه ينبغي قانوناً أن تصدر الأحكام بصورة علنية بحسب ما ينص الدستور السوري وقانون أصول المحاكمات السوري، وكذلك المعاهدات والمواثيق الدولية وأبرزها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والتي صادقت عليها سوريا، مؤكّدةً أن معظم جلسات المحاكم في محكمة الإرهاب يكون فيها دور المحامي شكلياً ولا يُسمح له حتى برؤية ملف موكّله.

 

 تقاضي رشاوى

سألت “صدى الشام” أربع معتقلين سابقين خضعوا لمحكمة الإرهاب، فأجمعت الإجابات على وجود حالات عُرض فيها على المعتقلين أن يدفعوا مبالغ طائلة إلى القاضي في المرحلة التي تعقب تحويلهم من المعتقل إلى السجن المدني، مقابل إطلاقِ سراحهم، وهو ما حدث مع شيار خليل، غير أن الرقم الذي عُرض ليدفع ضخمٌ جدّاً.

يوضح خليل أنهُ عُرض عليه دفع 5 مليون ليرة حينها “لشراء قرار القاضي” بالإفراج عنه، لكنه رفض دفع المبلغ، ولا سيما أن حالته كانت استثنائية بسبب توجيه سلسلة تهمٍ له”، مشيراً إلى أن جميع من كانوا يتحضّرون للمثول أمام المحكمة كانوا يتلقّون عروضاً لدفع رُشى تصل حتى 2000 دولار أمريكي.

 

جهود مبذولة

تدعو الشبكة السوري لحقوق الإنسان دائماً لإيجاد جهة محايدة تراقب عمل المحاكم ونزاهتها، لكن هذا الأمر يبدو بعيد المنال حتى من خلال دعوة اللجنة الدولية للصليب الاحمر لزيارة السجون والاطلاع على وضع المعتقلين فيها الأمر الذي لم يتحقّق حتى الآن، على ما تشرح نور الخطيب.

وقلّلت الخطيب من أهمية مفاوضات الآستانة المرتقبة في الوصول إلى وقف معاناة المعتقلين تحت وطأة هذه المحكمة، معتبرةً أن المؤتمر سيكون كمفاوضات جنيف أي أن لن يؤثّر على قضية المعتقلين، مشدّدةً على أن تكون قضية المعتقلين إنسانية ومنفصلة عن أي تجاذبات سياسية، “فالنظام السوري يستخدمها كورقة ضغط على المعارضة”.

بدوره يوضح شيار خليل أن لجنة الصليب الأحمر عكفت عن زيارة السجون بعد رفض النظام، لكنها لم تضغط عليه. وقال: “نحن نعمل مع الاتحاد الأوروبي للنظر في قضايا المعتقلين وملفاتهم” مشيراً لوجود تقصير شديد في متابعة الأمر، وأضاف أن “مجموعة العمل لأجل المعتقلين السوريين تعرِض باستمرار بيانات حول المعتقلين”، في محاولة لإيجاد حلٍ لهم في عام 2017 حسب الوعود التي تلقّوها من جهاتٍ دولية.



صدى الشام