موسكو تبارك خروق النظام السوري… ولقاءات أنقرة بلا “الائتلاف”


انتقلت روسيا من مرحلة التنصل غير المباشر من دورها كضامن لاتفاق أنقرة إلى جانب تركيا، تحديداً لجهة ردع النظام السوري والمليشيات التي تقاتل إلى جانبه، عن محاولة التقدم الميداني في محيط دمشق، إلى مرحلة المجاهرة علناً بهذا التوجه، من دون أن يمنعها ذلك من استمرار إطلاق تصريحات سياسية تؤكد نيتها الدفع باتجاه عقد محادثات سياسية في أستانة، فيما دفعت هذه التطورات شخصيات في المعارضة السورية إلى اتهام روسيا بأنها تخلت عن دور “الضامن” مقابل تمسكها بدورها الأساسي، وهو الشراكة مع نظام بشار الأسد وإيران في محاولات “الوأد المتوحش” للثورة، وتحويل سورية إلى منطقة نفوذ في إطار “حرب باردة” تخوضها مع الغرب. في موازاة ذاك، جاء إعلان عضو حزب الوحدة الديمقراطي الكردي، خالد عيسى، أمس الثلاثاء، أن لا الحزب ولا وحدات حماية الشعب الكردية ستتم دعوتهما إلى محادثات أستانة ليحقق أحد أبرز شروط تركيا في ما يتعلق بالمفاوضات السياسية. ونقلت وكالة “رويترز” عن عيسى قوله “قيل لنا إنه لن يكون هناك سوى عدد محدود من الجماعات المسلحة وليس الجماعات السياسية”. وأضاف “من أجل التوصل إلى اتفاق سلام شامل في سورية سيتعين في لحظة ما دعوة الأكراد إلى طاولة المفاوضات”. وكان لافتاً أن تسليم الحزب بعدم دعوته تزامن مع أنباء عن الاقتراب من إنجاز اتفاق بين “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، التي تعتبر “وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة” الكردية عامودها الفقري من جهة، والنظام السوري من جهة ثانية، برعاية روسيا، يقضي بإخلاء حي الشيخ مقصود والأحياء التي سيطرت عليها “قسد” في حلب الشرقية من التواجد العسكري.

دور روسي مزدوج
المجاهرة بعدم وجود نية روسية للضغط على النظام والمليشيات عكستها تصريحات رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، الجنرال فاليري غيراسيموف، في مؤتمر صحافي عقد أمس الثلاثاء في موسكو، قال فيه “إن تحرير ريف دمشق من الإرهابيين في سورية في مرحلته النهائية”، على حد وصفه. وهو ما يؤكد بالنسبة للمعارضة “مباركة” موسكو لخرق اتفاق وقف إطلاق النار من قبل النظام، وحزب الله، ومليشيات طائفية تحديداً في وادي بردى والغوطة الشرقية.

كما تعتبر المعارضة أن هذه التصريحات الروسية تمنح النظام السوري غطاء إضافياً يمكّنه من خرق الاتفاق للسيطرة على ريف دمشق لإضعاف موقف المعارضة في مفاوضات تؤكد الأخيرة أنها لن تذهب إليها، إذا استمر الأسد في تحديه للإرادة الدولية. وحاولت موسكو أكثر من مرة جسْر هوة بينها وبين المعارضة السورية، لكنها فشلت في كل مرة بسبب عدم ممارسة ضغط كاف على نظام الأسد يردعه عن ارتكاب المجازر والاستمرار في سياسة التهجير القسري للسوريين. وقد جاءت الخروقات المتواصلة لاتفاق وقف إطلاق النار كي تزيد الشرخ في العلاقة بين المعارضة السورية وموسكو، إذ لم تستطع الأخيرة إثبات حسن نيتها من خلال إجبار الأسد على الالتزام بالاتفاق.
وفي موازاة حديث رئيس هيئة الأركان عن “تحرير ريف دمشق”، تولى وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، خلال المؤتمر الصحافي نفسه التصويب على التحالف الدولي بقيادة واشنطن، بقوله إنه أدى “دوراً سلبياً” في سورية في مقابل تأكيده أن الجيش الروسي “أنجز” المهمة التي كلفه بها الرئيس فلاديمير بوتين، محاولاً الإيحاء بانتهاء العمليات العسكرية التي تقوم بها بلاده في سورية بعد عام وأشهر عدة من تدخل أدى إلى مقتل وتهجير عشرات آلاف السوريين، باستثناء توجيه الضربات إلى تنظيم الدولة الإسلامية، وجبهة فتح الشام (النصرة سابقاً).
وفي محاولة للتأكيد على أهمية الدور العسكري الروسي، قال وزير الدفاع إن جهود روسيا وشركائها “سمحت بالتوصل إلى اتفاق حول عقد لقاء في أستانة وإطلاق عملية سياسية للتفاوض حول وقف إطلاق النار”. بدوره لم يتردد المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديميتري بيسكوف، أمس، في القول إن بلاده تواصل استعداداتها لمباحثات أستانة، مشيراً إلى أن “مدة المباحثات غير معروفة بعد، ونواصل الاستعدادات بشكل مكثف”. وأضاف “لا أستطيع إعطاء تفاصيل أخرى، وروسيا تشارك في المباحثات على مستوى خبراء”.

اجتماعات أنقرة
واللافت أن هذه التصريحات العسكرية والسياسية الروسية ترافقت مع الاجتماعات التي تشهدها تركيا بهدف تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في سورية، لتمهيد الطريق إلى مفاوضات أستانة أواخر شهر يناير/كانون الثاني الحالي. ووُقّع اتفاق وقف إطلاق النار في التاسع والعشرين من شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي ودخل حيّز التطبيق منتصف ليل 30 ديسمبر ودُعم من قبل مجلس الامن الدولي، لكنه يتعرض لخروقات من قبل قوات النظام ومليشيات موالية لها، خصوصاً في منطقة وادي بردى، شمالي غربي العاصمة دمشق.

وشهدت أنقرة، أمس الثلاثاء، اجتماعات “تمهيدية” بين فصائل في المعارضة السورية المسلحة، والجانب التركي، أحد الضامنين لاتفاق وقف إطلاق النار في عموم سورية. وجاء الاجتماع بعد يوم من عقد لقاء بين خبراء روس وأتراك، للتداول حول اتفاق وقف إطلاق النار بعد مرور نحو أسبوعين على بدء تطبيقه، والتحضير لمؤتمر أستانة الذي لم تتضح معالمه النهائية بعد. ولم ترشح معلومات تفصيلية عن نتائج اجتماع الإثنين، لكن مصادر أشارت إلى أن الجانبين قررا اتخاذ إجراءات عقابية بحق من ينتهك اتفاق وقف إطلاق النار. من جهته، أكد رئيس الدائرة الإعلامية في الائتلاف الوطني السوري، أحمد رمضان، أن اجتماعاً تشاورياً سيعقد اليوم الأربعاء بين الجانب التركي وناشطين سوريين وممثلين عن الفصائل المسلحة “قد يستمر ليومين”، مشيراً إلى أن اجتماعات أنقرة “ستناقش كل شيء”. وأوضح رمضان أن الائتلاف الوطني السوري ليس طرفاً في اجتماعات أنقرة، مشيراً إلى أن الدعوات للمشاركة فيها “فردية”. من جهتها، أفادت مصادر في المعارضة السورية، تحدثت مع “العربي الجديد”، بأنّ ممثلين عن فصائل المعارضة السورية المسلحة يبدأون في أنقرة، اليوم الأربعاء، اجتماعات مع الجانبين الروسي والتركي. وأشارت إلى حضور شخصيات سياسية ومدنية معارضة من داخل وخارج سورية لهذه الاجتماعات. ووفقاً للمصادر نفسها، فإنه يوجد مشاركون جُدد في الاجتماع هم ممثلون عن فصائل المعارضة في حمص وحماة وغيرها من المناطق التي لم تكن ممثلة في الاجتماع السابق الذي أفضى إلى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار.
وعن طبيعة المشاورات، التي سوف تُعقد مع الروس في أنقرة برعاية تركية، أكّدت المصادر أنّها ستكون بمثابة اختبار مدى جدية موسكو في التعامل مع خروقات النظام المستمرة لوقف إطلاق النار. ولفتت المصادر إلى أنّ ذهاب المعارضة إلى مفاوضات أستانة، سيتوقف على مدى التزام روسيا بتعهداتها كونها الضامن لوقف إطلاق النار. وفي هذا الصدد، أشار المتحدث باسم ألوية “صقور الشام” الفاعلة في محافظة إدلب، مأمون حاج موسى، إلى أن الأسد أعلن عدم التزامه باتفاق وقف النار بتأكيده لوسائل إعلام فرنسية استمراره في الحملة العسكرية على منطقة وادي بردى رغم كونها مشمولة بالاتفاق. وشدد، في حديث مع “العربي الجديد”، على أن “موقف الفصائل المعارضة بات واضحاً بعدم الذهاب إلى أستانة طالما لم يلتزم النظام وحلفاؤه بالاتفاق”.

ثوابت تركية
في غضون ذلك، واصلت تركيا تأكيد تمسكها بمجموعة من الثوابت في ما يتعلق بالملف السوري، وهو ما انعكس أمس في تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ونائب رئيس الوزراء التركي، نعمان كورتولموش. وقال أردوغان إن التطورات في سورية والعراق تهم تركيا بشكل مباشر، وإنه من غير الممكن غضّ النظر عن الأزمات الإنسانية الموجودة في البلدين. وأشار إلى أن “بعض البلدان المؤثرة، لا تهتم إزاء إيجاد تسوية حقيقية تقود إلى توفير الحياة الكريمة للشعبين السوري والعراقي”.

من جهته رأى كورتولموش أن أحد الأسباب الرئيسية لما آلت إليه الأوضاع في سورية، هو غياب خطة لإحلال السلام فيها، لدى الغرب عموماً، ولدى إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، خصوصاً. ولفت خلال مشاركته في أعمال المؤتمر التاسع لسفراء تركيا، في العاصمة أنقرة، إلى أن “إدارة الرئيس أوباما لا تملك خطة لكبح جماح نظام بشار الأسد”. وشدد المتحدث باسم الحكومة على أن “الأزمة السورية غدت أزمة عالمية، تحولت فيها لحرب بالوكالة، منذ الأعوام الثلاثة الماضية”. وأوضح، أن الأزمة السورية، “تحولت أيضاً إلى مصدر تهديد عالمي كبير، يمكن أن يصل كافة أرجاء الأرض من خلال المنظمات الإرهابية”.



صدى الشام