"التجارة السرية".. صفقات ضخمة لبيع النفط بين نظام الأسد و"تنظيم الدولة".. هكذا يدعم الطرفان بعضهما


يعتمد نظام بشار الأسد بشكل كبير على تنظيم "الدولة الإسلامية" في تأمين النفط ومشتقاته لتخديم المناطق التي ما يزال يسيطر عليها، سيما وأنه فقد السيطرة على عدد كبير من الآبار النفطية التي خسرها في المعارك المستمرة منذ 5 سنوات، خصوصاً الآبار الكبرى التي خسرها في دير الزور وأبرزها التيم، والتنك، والعمر، بالإضافة إلى شركة الغاز "كونيكو" الواقع شرق بلدة الطابية.

وتنشط تجارة النفط بين الجانبين بشكل خاص في ريف حماه الشرقي وريف حمص الشمالي، ويعود السبب في ذلك إلى أن لهاتين المنطقتين أهمية جغرافية، لكونهما نقطة وصل بين مناطق "تنظيم الدولة" شرق وشمال شرق سوريا، ومناطق قوات نظام بشار الأسد غرب ووسط البلاد.

ويقول مراسل "السورية نت" في حمص، يعرب الدالي، إن السماسرة يلعبون دوراً كبيراً في تنفيذ صفقات النفط بين التنظيم والنظام، وأضاف أن تجارة النفط بينهما إلى تنقسم إلى طريقتين، تختلفان بحسب طريقة الإستلام والتسليم، الأولى تقوم على نقل النفط بواسطة الصهاريج، والثانية من الآبار إلى المصافي بشكل مباشر عبر الأنابيب.

ويجري نقل النفط في الطريقة الأولى من خلال صهاريج وعبر تجار، وسماسرة من الطرفين، وتقدر قيمة الصفقات بمئات الصهاريج التي تخرج من مناطق "تنظيم الدولة" إلى مناطق النظام. 

وفي ريف حماة الشرقي على سبيل المثال، تلعب الفروع الأمنية دوراً أساسياً في إتمام صفقات النفط مع "تنظيم الدولة"، ويقدم الأخير للنظام حسومات في أسعار براميل النفط تصل إلى 15 %.

خالد البايرلي وهو تاجر محروقات من سكان ريف حماة الشرقي تحدث لـ"السورية نت" عن تفاصيل واحدة من الصفقات التي كان شاهداً عليها في العام 2014.

ويقول البايرلي إنه شهد على مفاوضات بين شخصيات من النظام، وعناصر من "تنظيم الدولة"، في منزل أحمد درويش عضو مجلس الشعب سابقاً، وهو من قرية الخوين في ريف حماة الشرقي، وهو حالياً قائد لأحد مراكز ميليشيا "الدفاع الوطني" في السلمية.

وأشار التاجر إلى أن الصفقة أنجزت بمبلغ مالي كبير، وأن الأموال حُملت بأكياس من النايلون دفعها النظام لـ"تنظيم الدولة"، مقابل الحصول على النفط، مشيراً أنه بعد انتهاء الصفقة ركب عناصر النظام مدرعاتهم وانطلقوا نحو مدينة  السلمية، فيما توجه عناصر التنظيم نحو الرقة.

كيفية إدخال النفط؟

بعد إتمام الصفقات بين النظام والتنظيم، تبدأ مرحلة جديدة من العملية، وهي كيفية نقل النفط إلى مناطق النظام، وهنا يبرز الدور الكبير للفروع الأمنية والميليشيات المحلية الموالية للنظام.

وقال أحد السائقين لـ"السورية نت" - طالباً عدم الكشف عن اسمه خوفاً على حياته - إن الحواجز الأمنية المنتشرة على الطريق تتلقَ الرشاوى مقابل السماح للصهاريج بالوصول إلى مناطق النظام في حمص وحماه.

وأضاف أن الطريق مقسم بين حواجز لعناصر من فرع الأمن الجوي، وآخرين من فرع الأمن العسكري، لافتاً أن أياً من الطرفين لا يتعدى على مناطق الطرف الثاني تجنباً للاشتباك، مشبهاً عملهم بـ المافيات، ولفت إلى أن عملهم لا يقتصر على تسهيل تجارة النفط مع "تنظيم الدولة"، بل يمارسون أعمال التهريب من أدوية، وأسلحة، بغض النظر عن مصدرها والوجهة المرسلة إليها، وقال إن ما يهم هؤلاء المال فقط.

مكاسب ومخاوف

ويستفيد النظام من العناصر التي تسهل تنفيذ الصفقات مع التنظيم، لكنه في نفس الوقت يخشى منها، خصوصاً وأنها حشدت حولها أعداداً كبيرة من المقاتلين لحماية أنفسها، ما دفع النظام إلى استغلال الفرص ما استطاع لتصفية أبرز الشخصيات التي يراها خطراً عليه، وفقاً لما أكده مصدر مقرب من قائد ميليشيا "الدفاع الوطني" في ريف حماه الجنوبي، خيرو شعيلة، لمراسل "السورية نت".

وقال المصدر ذاته: "يقوم النظام بتصفية رؤوس هذه الصفقات، وقد فعل ذلك بقدري جدوع وهو ابن عشيرة النعيم في الريف الجنوبي لحماه وكان هو المسؤول المباشر عن التواصل مع داعش، إلا أنه تمرد على النظام وقطع مخصصات قرى النظام ليبيعها لقرى المعارضة طمعاً بسعر أكبر، كون مناطق المعارضة محاصرة وأسعار المحروقات فيها تكون مرتفعة أكثر".

من ناحية ثانية، ووفقاً للمعلومات التي حصلت عليها "السورية نت" فإن عناصر التنظيم الذين ينفذون صفقات النفط مع النظام، يحيطون أنفسهم بسرية تامة، ويستخدمون أسماءً وهمية، كما أنهم يحضرون جلسات التفاوض وهم ملثمون كـ "أبو البراء المهاجر، وأبو حيان الأنصاري"، ومعظمهم أمراء مناطق تابعة للتنظيم  وقرى منتشرة في المنطقة الممتدة بين الرقة والسلمية.

مصدر آخر أكد لـ"السورية نت" عقد صفقات النفط بين النظام و"تنظيم الدولة"، وهو ضابط منشق عن قوات النظام، التحق فيما بعد بعناصر التنظيم وهو من سكان ريف حمص الشمالي، ومعروف باسم "أبو جليبيب الأنصاري"، ومع انسحاب التنظيم من الريف الشمالي لحمص، بقي هو في الريف وانشق عن التنظيم.

ووفقاً لما تحدث به "الأنصاري" فإنه كان أحد أهم الموردين للنفط الذي مصدره "تنظيم الدولة"، وقال إنه "قبل أن يبدأ بتجارة النفط من خلال وجوده مع التنظيم كانت مهمته قتالية وعسكرية، وكان دائماً يطرح على الأمراء في التنظيم أسئلة حول لماذا لا يشنون المعارك على طريق السلمية رغم وجود مقاتلي التنظيم في محيطه".

وأضاف: "بقي هذا الاستفسار لديه قائماً حتى علم مؤخراً أن السبب هو الحفاظ على الطريق من أجل نقل تجارة المحروقات بين الطرفين (النظام والتنظيم)".

وأشار إلى أنه بدأ بتجارة المحروقات وكان بمثابة وسيط بين النظام والتنظيم، وتكمن مهمته في تسلم الصهاريج في ريف حماة الشرقي عن طريق وسيط من طرف التنظيم يدعى "أبو حيان مالية"، لتدخل بعدها الصهاريج إلى مناطق النظام في حمص المدينة، عبر الطريق الدولي حمص - السلمية دون أن تعترضها الحواجز العسكرية.

ولفت المصدر ذاته إلى أن "الصهاريج محملة بالفيول اللازم لتشغيل المعامل، والمازوت، والبنزين المكرر في المصافي البدائية التي التي انتشرت شمال وشرق سوريا".

ويشار إلى أن مراسل "السورية نت" حصل على معلومات تفيد بأن الطريقة الأخرى لنقل النفط من مناطق التنظيم إلى النظام، تتم عبر أنابيب لنقل النفط من الحقول إلى المصافي مباشرة، إلا أن هذا الجانب من التعامل بين النظام والتنظيم لا تزال تفاصيله غير معروفة بشكل دقيق، نظراً للسرية التامة المفروض عليه.

ويعاني نظام بشار الأسد من فقدانه لموارد الطاقة في مناطقه، وخلف ذلك مشكلات عدة أبرزها انقطاع الكهرباء لساعات طويلة في مناطقه، ويصل الانقطاع في بعض الأحيان إلى 18 ساعة يومياً، كما ارتفعت أسعار المحروقات بأنواعها المختلفة إلى مستويات غير مسبوقة.




المصدر