المعارضة الكرتونية


صبحي دسوقي

كثر الحديث والتساؤل عن جدوى الاعتصامات والتظاهرات والإضراب عن الطعام، والوقوف تحت الثلوج والمطر؛ للفت انتباه العالم إلى عدالة قضيتنا، بعضهم عدّها جهدًا ضائعًا، وصرخة في واد لا صدى له، وبعض آخر عدّها محاولة لتبييض صفحات من خرج من وطنه مرغمًا، وطالبوهم أن يكونوا على مستوى بطولاتهم وصمودهم ومعاناتهم وتضحياتهم وصمودهم وبقائهم على ثرى الوطن، والمظاهرات والاعتصامات ليست محاولة للتنصل من المسؤولية، لكنها جهد يروم لفت انتباه العالم، وإيقاظ الإنسانية في أرواح أدمنت النوم، والتعامل بحياد مع ما يجري من تدمير وقتل وتهجير.
بعض السوريين يصف أولئك بالمعارضة الكرتونية، لأنهم يكتفون بالتجمع في ساحات وميادين المنافي يحملون فيها كرتونات تندد بالمجازر والتدمير والقتل، وهذا نقد صريح ومحترم، ينبع من الرغبة في القيام بفعل أو جهد يُحدث تغييرًا في مجرى الأحداث المؤلمة.
من يقف في الساحات، يدافعون عن موقفهم ويعبرون من خلال إمكاناتهم المتواضعة التي لا ترقى -ولن ترقى في حال من الأحوال- إلى بطولات الشعب في الداخل ودماء الشهداء، وهم يرددون قولًا قديمًا (المرء يجود بما يملك)، ويؤكدون أن وقوفهم هذا إشارة إلى أنهم يتشاركون مع أهلهم جراحاتهم، وهم لا يملكون غير حناجرهم وأجسادهم وكرتوناتهم التي يحملونها دليلًا وإشارة إلى أن الجرح والهمّ واحد، وأنهم يقفون في الصف ذاته على تواضع ما يقدمونه، وهي إشارة متواضعة لإظهار معاناتهم في بلدان اللجوء، وأنهم يشاركون أهلهم في مأساتهم ومعاناتهم، وقد تكون هذه المعاناة متواضعة قياسًا على ما يعانيه الأهل في داخل سورية.
يؤكد المهجًرون في وقفاتهم أن أفراحهم وسعادتهم انتهت بمجرد خروجهم من الوطن، لأنهم لم يخرجوا للسياحة، وهم ليسوا مهاجرين بل مهجّرين، اقتُلعوا من وطنهم وأُبعدوا عن مدارج طفولتهم، وعن تراب وطنهم الذي يعشقونه ولا يبدلونه بكل المغريات.
يرددون دومًا أنه لا يوجد بينهم واحد إلا لديه قصة وغصة أرغمته على ترك وطنه، وهم يعانون ويتألمون ويتابعون بكل ثانية ما يحدث لأهلهم في كل سورية.
شدّت لافتات (كرتونات) كفر نبل الأنظار إليها، وأدهشت العالم بصدقها، لاعتمادها على البساطة ونقل أهداف الثورة السورية التي قامت من أجل الحرية والكرامة، ولم تقم من أجل حاجات دنيا (الخبز) كما يحلو لبعض المشككين إلصاقها بالثورة، هذه الكرتونات التي شكّلت بصمة وهوية، من خلال عزفها على إيقاع مسيرة الثورة، وانتقادها لكل محاولات البعض تشويهها وحرفها عن مسارها وغاياتها العظمى. ومن هذه اللافتات الرائعة:
– (الإرهاب أخطبوط، رأسه الأسد وأذرعه تمتد وتضرب كل مكان في العالم إلا إيران وروسيا).
– (ستعجزكم حناجرنا، عزمنا قميصك يوسف سنلقيه عليها لترتد عمارًا سوريا بألوانها بلا أسد).
– لا تنحني! لا تفرط! لا ترضخ! بريق عيون أطفالنا يستحق سورية بلا أسد وقد دفعنا الثمن دماء.
هي معزوفات معبرة عن حال السوريين ورفضهم بقاء الطغاة، هي أيقونات للثورة التي تعاني من الخذلان وتصمد في وجه المستعمرين لتحقق غاياتها في الحرية والكرامة والتحرر من المستعمرين.
وهي محاولات بسيطة وتدل على ضعف قدرات وإمكانيات المتظاهرين، بعد تخلي العالم بأجمعه عن دعم الثورة والوقوف إلى جانب الشعب السوري لتخفيف معاناته.
أمعن النظام المجرم في فتكه وطغيانه، ولم يجد من يقف في مواجهته أو يدينه على هذا، صمت دولي مطبق كصمت الموتى، واستماتة من روسيا، الدولة الاستعمارية وإيران الفارسية، وعشرات الميليشيات والمرتزقة، يصطفون إلى جانبه ويدافعون عنه بما ملكت أيمانهم من سلاح ومال وحتى بالأرواح، فقط ليبقى الطاغية؛ ولتعلن إيران سطوتها، وها هي الحسينيات واللطميات تطغى على المشهد في سورية.
المهجًرون يتوقون إلى ذلك اليوم الذي يعودون فيه إلى سورية المحررة؛ لتتجمع الأيدي من جديد وتعيد إعمار وبناء سورية وإنسانها الجديد.




المصدر