فيلم الأمريكي رون هاورد: عرض بصري شائق لجحيم دان براون


يستيقظ روبرت لانغدون (توم هانكس) ليجد نفسه في حالة مزرية في أحد مستشفيات مدينة فلورنسا الإيطالية، لا يتذكر شيئا ولا يفهم ما حدث له، ثم يصاب بصدمة أخرى عندما يجد نفسه مطاردا من عدة جهات، تقوم الطبيبة سيينا بروكس بمساعدته على الهرب واستعادة ذاكراته لفهم السر وراء ما يحدث.
الفيلم معالجة سينمائية لرواية «الجحيم» لدان براون، وحاول سيناريو الفيلم استيعاب رواية براون التي تقترب من الـ 600 صفحة، دون أن يسعى إلى اختصارها أو إسقاط بعض من تفاصيلها، وهو الاستيعاب الدال لشكل الوسيط الذي تُحكى من خلاله الحكاية، وهي الاختلافات الضرورية لكل من وسيطي الأدب والسينما. إلا أن خلق معالجة سينمائية ليست بالأمر السهل، وحاول المخرج التكيف مع أكثر الكتب مبيعا في العالم، وبالتالي فالفيلم أخذ ما يناسبه من الرواية ويظل السحر يحتفظ برونقه للروائي دان براون وسعى رون هاورد لخلق الإطار المناسب وهو التبسيط وكذلك وضع بعض المواقف المضحكة والترفيه فمثل هذه الأعمال الغنية بالفكر والمشاعر والشعر والصراعات لم تكن ضمن اهتمامات هوليوود أو المرغوب والمرحب بها وبذلك يكون رون هاورد قد خاطر ويخاطر بشجاعة لتقديم هذا الفيلم.
الفيلم بطولة توم هانكس، فيليستي جونز، سيدس بابيت والممثل الفرنسي عمر سي. ومن إخراج رون هاورد، وهو عمله الثالث لسلسة روايات براون على الشاشة، بعد فيلميه «شيفرة دافينشي» و»ملائكة وشياطين».

جهنم الآن

يرد البطل عند سؤاله حول رؤيته لجهنم بأن «الجهل هو الخطر الرئيسي الذي تواجهه البشرية». الجهل بما حدث حولنا هو الجحيم الذي نعيشه. وقد يستيقظ أحدنا ليجد نفسه في مكان ما، دون أن يفهم أين هو ولماذا وماذا يحدث ما حدث! ومع تدفق لقطات لا تُحتمل، وخليط من تراكم بعض ذكريات الماضي المجزأة نتعرف على روبرت لانغدون وهو في حالة عجز وفاقد للذاكرة، ثم تحدث المنعطفات المرعبة بتعرضه إلى مطاردات عدة جهات، في هذه الحالة لا يكون له مخرج سوى الثقة بالطبيبة التي ساعدته وفعلا يفعل ذلك وفي النهاية يكتشف فداحة ما خططت له وأنه تعرض لخديعة وستكون عليه الثقة بصديقته القديمة والموظفة في منظمة الصحة العالمية، خاصة في وجود المليونير الشرير الذي يسعي لقتل نصف البشر بنشر فيروس الطاعون، وسيكون البروفيسور روبرت لانغدون هو الشخص الوحيد القادر على فك الألغاز ومعرفة أين مكان القنبلة التي تحوي هذا الفيروس.
وخلال هذه الرحلة إلى الجحيم الجديد، ووجود مدينة كفلورنسا، التي جسدت حكاية دانتي ألجيري في جحيمه الشهير، يجمع الفيلم العديد من الأشكال الفلمية كالتجسس والمغامرة والرعب، حتى يليق بطرح بعض الأفكار المقلقة حول خطورة أعداد البشر والحل غير الأخلاقي لهذه المشكلة، فالخلاص عن طريق تصنيع فيرس ينهي الأمر، يعد حلاً يتضارب مع كل القيم الإنسانية ويقدم كذبة مرعبة، وللأسف هنالك من يفكر بهذه الطرق، وما دعم الحروب والنزاعات والتقاعس في حل مشاكل المجاعات إلا دليل على وجود أفكار فاسدة، وهناك من يقتنع بها ويدعمها.

الشخصيات والأماكن

جمع الفيلم خليطا فوضويا من الشخصيات .. مثل البروفيسور روبرت لانغدون وشخصيات من منظمة الصحة العالمية، وكذلك شرذمة من القتلة والشاعر العبقري دانتي وشخصيات عادية وبسيطة وأخرى مخادعة ووقحة، هذا الخليط غير المتجانس لا يمكنه أن ينسجم في أحداث غير عادية تقع في ثمان وأربعين ساعة، ورغم هذه الصراعات الدموية وتأثيراتها الصادمة إلا أن هناك محطات تظهر فيها العلاقات العاطفية ــ تركيبة درامية معهودة في أفلام المغامرات ــ كذلك نجد أن هناك تعدد للأماكن، فالأمر يقترب من حالة كونية لا تقتصر على دولة بعينها، أو ظاهرة يختص بها مكان دون آخر، لذا توعت الأماكن ما بين الأماكن الرمزية والتاريخية من فلورنسا والبندقية وإسطنبول، سلسلة من المشاهد الرائعة من التاريخ، خاصة المشهد الأخير في خزان كنيسة آيا سانت صوفيا.

الجحيم

عنوان الفيلم وتسميته «الجحيم» ربما كان لغرض تجاري وتسويقي، فلسنا مع فيلم فكري وفلسفي لغرض التعمق مع فكر الشاعر دانتي، رغم محاولة المخرج جعله حاضرا بشكل محسوس، متمثلاً في ذلك القناع من الفخار لوجه دانتي، فرغم براعة المخرج لخلق الدهشة والتشويق، لكننا لسنا مع أسلوب سينمائي يجنح إلى الشعرية السينمائية.



صدى الشام