أكراد سورية.. وخطورة الدعم الأميركي

13 يناير، 2017

الاتحاد

في أحد فصول مدرسة ثانوية سابقة بمدينة تل أبيض شمالي سورية، يقوم مدربون أكراد بتجهيز نحو  250 مجندًا عربيًا لتلقي التدريب العسكري من القوات الأميركية، وذلك للقتال في الحرب التي تدعمها الولايات المتحدة ضد تنظيم «داعش».

وكان معظم هؤلاء المجندين من القرى المحيطة بمدينة «الرقة» التي أعلنها تنظيم «داعش» عاصمةً له، وتشير التوقعات إلى أنهم سيتم نشرهم خلال المعركة على المدينة ذات الأغلبية العربية، التي تعد الآن الهدف الرئيس للجهود العسكرية الأميركية في سورية.

ولكن في البداية، بحسب ما قال المدربون، يجب على المجندين تعلم وتبني أيديولوجية «عبد الله أوجلان»، وهو زعيم كردي مسجون في تركيا، والتي تصف كلًا من واشنطن وأنقرة جماعته بأنها منظمة إرهابية.

وينطوي المشهد داخل الفصل الدراسي على بعض التعقيدات للحرب التي تدعمها الولايات المتحدة ضد تنظيم «داعش» في سورية، حيث صارت الحركة الكردية ذات الخلفية الأيديولوجية التي تتعارض مع سياسة الولايات المتحدة، أكثر حلفاء أميركا قربًا في حربها ضد المتطرفين.

وتعد وحدات حماية الشعب، أو «واي بي جي»، هي الجناح العسكري للحركة السياسية التي تحكم شمال شرق سورية منذ أربع سنوات ونصف، سعيًا لتطبيق رؤى أوجلان المستوحاة من الماركسية على المناطق ذات الأغلبية الكردية، والتي أخلتها الحكومة السورية في أثناء الحرب.

وخلال العامين الماضيين، أقامت «وحدات حماية الشعب» علاقات أكثر تقاربًا مع الولايات المتحدة، من خلال السيطرة المنتظمة على الأراضي التي كان يسيطر عليها تنظيم «داعش»، وذلك بمساعدة الغارات الجوية الأميركية، والمساعدات العسكرية، ومئات المستشارين العسكريين الأميركيين.
وقادت المكاسب المحققة المقاتلين الأكراد لتخطي المناطق الكردية التقليدية إلى المناطق ذات الأغلبية السكانية العربية، وهو ما ينذر ليس فقط بقيام صراعات عرقية طويلة الأمد، بل أيضًا بصراعات أكثر اتساعًا.

وقد أعربت تركيا، التي تعتبر «وحدات حماية الشعب» عملاء لحزب العمال الكردستاني التابع لعبدالله أوجلان، عن غضبها بسبب دعم الولايات المتحدة لأكراد سورية، كما دعت تركيا هذا الشهر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب لوقف دعم الولايات المتحدة لهذه الميليشيات عند استلام السلطة، ومع اقتراب كل من روسيا وسورية وتركيا من تسوية النزاع السوري، قد تجد الولايات المتحدة نفسها على خلاف مع روسيا على خلفية دورها العسكري في سورية.

«قوات سورية الديموقراطية»:

ولتخفيف حدة المخاوف التركية وتجنب التوترات التي قد تنشأ بين العرب والأكراد، يوجه الجيش الأميركي الأسلحة والذخائر إلى منظمة تدعى «قوات سورية الديموقراطية»، المعروفة اختصارًا بـ(إس. دي. إف)، والتي تضم مقاتلين عرب إلى جانب المقاتلين الأكراد، والهدف من هذه الخطوة، بحسب ما قال الجيش الأميركي، هو بناء قوة عربية قادرة على السيطرة على المدن العربية مثل الرقة، وبالتالي إضعاف نفوذ المقاتلين الأكراد.

وقد رفض مسؤولون أميركيون ومستشارون عسكريون في سورية مناقشة تفاصيل التدريبات التي يتلقاها العرب في «قوات سورية الديموقراطية»، لكنهم قالوا إنهم ليس لديهم أدنى فكرة عن تلقي المجندين العرب دروسًا في النظرية السياسية الكردية قبل تدريب القوات الأميركية لهم، كما قال أحد المستشارين العسكريين الأميركيين في سورية، والذي اشترط عدم ذكر اسمه أو رتبته العسكرية: «إننا لا نعلم ماذا حدث لهم قبل أن يأتوا إلينا».

ومع ذلك، يعترف المسؤولون الأميركيون بأن المقاتلين الأكراد يشكلون أكثر من ثلاثة أرباع ائتلاف قوات سورية الديموقراطية، كما يقودون الصفوف الأولى في المعارك، ما يجعلهم المستفيد الأكبر من المساعدات العسكرية الأميركية.

تحركات تقلق الجوار:

والرؤية الكردية لمستقبل سوريا هي التي تمتد إلى المناطق العربية التي يتم السيطرة عليها، على الرغم من صدور تصريحات متكررة من الحكومة الأميركية تعارض الخطط الكردية لإنشاء أي شكل لمنطقة جديدة في سورية.

وفي هذا الصدد، قالت «ماريا فانتابي»، من مجموعة الأزمات الدولية، إن «الدعم العسكري عزز ثقة وحدات حماية الشعب للتحرك إلى ما وراء مناطق الوجود الكردي، حيث امتدت طموحاتهم حتى إلى خارج الحدود السورية»، وأضافت أن «هذا هو ما يؤدي إلى آثار سياسية هائلة، ليس فقط بالنسبة لسورية، بل أيضًا للبلدان المجاورة».

وخلال زيارة نادرة لصحفيين أجانب لشمال سورية، كان الأكراد متلهفين لشرح نظرية أوجلان السياسية، وهي خليط من الماركسية والأحلام المثالية لليساري الأميركي الراحل «موراي بوكتشين» من ولاية فيرمونت الأميركية.

وتهدف هذه النظرية إلى إلغاء الدول والحد من الحاجة للحكومات من خلال جعل المجتمعات هي المسؤولة عن القيام بشؤونها الخاصة، وفي إشارة غامضة إلى «الكونفيدرالية الديموقراطية» و«الأمة الديموقراطية»، تركز هذه النظرية تركيزًا شديدًا على المساواة وحقوق المرأة والرفق بالحيوان.
خطورة رؤية أوجلان:

وبعيدًا عن السعي لإعادة رسم الحدود لإعطاء الأكراد الكيان الخاص بهم، على طول حدود المنطقة التي اقتطعها الأكراد في العراق المجاورة، يسعى الأكراد السوريون إلى تطبيق رؤية أوجلان في عالم بلا حدود في سورية وخارجها، بحسب ما قال «نصرت أمد زيليل»، الذي يشرف على التدريب الأيديولوجي للمجندين العرب.

وأضاف: «إننا لا نريد كونفيدرالية للأكراد فقط، بل أيضًا لكل سورية، وحتى كل الشرق الأوسط». واستطرد: «نحن لا نعترف بالحدود الجغرافية بين هذه المنطقة وتلك».

وفي أحد الفصول الدراسية بمدينة تل أبيض ذات الأغلبية العربية التي تقع على الحدود التركية، والتي استُردت من تنظيم «داعش» في عام 2015، جمع المدرب الكردي «أجيت إبراهيم حسو» مجموعة من الأسئلة التي سألها الشباب العربي الحائر، والذين يرتدون زيًا موحدًا أخضر اللون، ويجلسون في مكاتبهم داخل الفصول.

وسأل أحد المجندين: «ما دور الدولة في أمة ديموقراطية؟». فرد «حسو» قائلًا: «ليس هناك دولة. إن الدولة ما هي إلا أداة للقمع».

وسأل مجند آخر: «ما الفرق بين الدولة الديموقراطية وشعارات حزب البعث؟»، في إشارة إلى حزب الرئيس بشار الأسد، والذي حكم سورية خلال العقود الأربعة الماضية.

وأوضح المدرب قائلًا إن الفرق هو أن حزب «البعث» يفضل العرب في حين أن نظريات أوجلان يتم تطبيقها على جميع الجماعات العرقية والدينية.

وفي المقابلات التي تمت عقب التدريب، قال الرجال إنهم سعداء بتبني أيديولوجية «وحدات حماية الشعب»، أو «واي بي جي». وقال «لؤي الشمري»، الذي فر من مدينة «الرقة» التي سيطر عليها تنظيم «داعش» الصيف الماضي «إنها تشبه أمًا ديموقراطية لا تفرق بين أحد من أطفالها». وقال «مصعب عيسى شيخ»، الذي فر أيضًا من الرقة: «إذا لم نوافق، لم نكن لنلتحق بالتدريب الآن، يجب أن نتعلم».
ومن ناحية أخرى، يشكك محللون ومعارضون لوحدات «حماية الشعب» في حقيقة ديموقراطية ومساواة فكر هذه الجماعة، إذ لا يوجد تسامح مع المعارضة. كما أن صور أوجلان تنتشر في كل ميادين المدينة وفي المكاتب العامة بشكل يفوق انتشار صور الأسد في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.
على الرغم من وجود مجالس محلية منتخبة تدير الشؤون اليومية للمجتمع المحلي، تتركز السلطة الحقيقية في يد القادة العسكريين الذين حاربوا مع حزب العمال الكردستاني (بي كي كي) في تركيا، وفقًا لما ذكرته «رنا خلف»، التي أعدت تقريرًا عن حكم أكراد سورية لمؤسسة «تشاتام هاوس» البحثية في لندن. وأضافت: «في الحقيقة، إنهم استبداديون، مثل أي شخص آخر».

لا للمعارضة:

وقد تعرض الأكراد السوريون الذين يدعمون الأحزاب الكردية التي تعارض وحدات حماية الشعب للسجن أو النفي.

يقول أحد الناشطين في المعارضة السورية من مدينة «منبج» العربية، والذي سيطرت عليها «وحدات حماية الشعب»، و«قوات سوريا الديموقراطية» في شهر أغسطس الماضي، إن «وحدات حماية الشعب» تستهدف أيضًا الأشخاص الذين يدعمون المعارضة السورية الرئيسة.

وأضاف الناشط أنه شن حملة ضد كل من تنظيم «داعش» ووحدات «حماية الشعب»، بينما تريد الميليشيات الكردية أن يعمل لصالحها.

تناقضات «منبج»:

وقال الناشط، الذي يعيش في مكان آخر في سورية، والذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه يخشى على سلامة شقيقه، إن هذه المجموعة تحتجز شقيقه الذي ليس له أي نشاط سياسي، من أجل الضغط عليه.

تقدم مدينة «منبج» تصورًا للتناقضات المحتملة لتحالف الولايات المتحدة مع الأكراد السوريين، فالمدينة التي تقع في محافظة حلب شمال سورية، يُضرب بها المثل في التسليم الناجح للسلطة من الأكراد إلى العرب بعد تحرير المنطقة من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي.

بيد أن العرب الذين يديرون مدينة «منبج» هم من معتنقي أيديولوجية «وحدات حماية الشعب»، ما يجعلهم كيانًا من القوات الكردية لا يمكن تمييزه من قبل تركيا، ومن قبل السكان المحليين أيضًا، وفقًا لـ«آرون شتاين»، من «المعهد الأطلسي» في واشنطن.

وقد خاضت القوة العربية المدعومة من «وحدات حماية الشعب» بالفعل في مدينة «منبج» معارك ضد قوات المعارضة العربية في المناطق الريفية المجاورة. وتهدد تركيا بشن هجوم للسيطرة على المدينة.
وفي احتفال أقيم حديثًا لنحو 2500 من الجنود المنتهي تدريبهم على يد القوات الأميركية بالقرب من «منبج»، قيل للجنود إنهم لن يتوجهوا للخطوط الأمامية من مدينة الرقة، بل سيتوجهون إلى حلب، لمواجهة المتمردين الذين تدعمهم تركيا، والتي تعد حليفًا للولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي (الناتو). وفيما ترقب قوات العمليات الخاصة الأميركية، قام «أبو أمجد العدنان»، قائد مجندي «منبج»، بحشد الجنود لنقل المعركة إلى مواجهة القوات التي تدعمها «تركيا الإرهابية».
أما مستشارو الولايات المتحدة فهم موجودون حاليًا أيضًا على الأرض مع قوات المعارضة، يعكفون على وضع سيناريو ترسخ فيه قوات العمليات الخاصة الأميركية وضعها مع الأطراف المتصارعة في مواجهة بعضها البعض.

وقال «أبو أمجد»، الذي يحتفظ بصورة فوتوغرافية لأوجلان على شاشة هاتفه الجوال: «لقد أخذنا السجناء الذين تم تدريبهم من قبل الولايات المتحدة، كما أن الأتراك لديهم أسرانا الذين تلقوا تدريبهم أيضًا من الولايات المتحدة».

(*) كاتبة أميركية

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

13 يناير، 2017