سورية في أرشيف أوباما إلى الأبد


جيرون

في إحدى مراكز المؤتمرات في شيكاغو، وأمام أكثر من 20 ألف أميركي، بحسب وكالات الأنباء، وملايين المتابعين عبر الشاشات حول العالم، ألقى الرئيس الأميركي باراك أوباما في 10 كانون الثاني/ يناير الجاري، كلمة توديعه لمنصبه رئيسًا للولايات المتحدة.

أوباما، أول رئيس أسود في التاريخ الأميركي، اختار أن يكون خطابه في شيكاغو “حيث بدء كل شيء” بالنسبة له، كما قال، ليشيد بإنجازاته الداخلية والخارجية، ويتفاءل بالمستقبل.

ترقب بعضهم أن يأتي أوباما على ذكر المقتلة التي يرتكبها النظام في سورية، ولو ذكرًا عابرًا، لكنه تجاهل ذلك، وقفز إلى إنجازاته التي يعدّها كبرى، ومنها قتل “عشرات آلاف الإرهابيين”، كذلك تفاخر بالتحالف الدولي الذي قاده على ذلك الإرهاب، واستطاع “القضاء على قادتهم واسترد نحو نصف المناطق التي يسيطرون عليها”، وأكد أنه “سيُقضى على تنظيم الدولة الإسلامية”.

الرجل راحل عن الكرسي وصناعة القرار، وعقارب الساعة لن تعود إلى الخلف، وما فعله بحق السوريين لا يمكن اختصاره أصلًا بجملة أو تعريف. لا يوجد بين إنجازاته شيء يذكر، بما فيها ملف السلاح الكيماوي الذي سبقه كيري بالتباهي به في مؤتمر صحافي قبل أيام.

أراد أوباما على ما يبدو، إظهار نفسه على أنه من أصحاب الفضيلة، التي يُحاول الدُعاة -عادة- التمسك بها، ولكي يُحافظ على مجموعة القيم التي يجب أن تكون عند من يُمثل الفضيلة، غيّب عمدًا الملف السوري عن كلماته، فهنا في بلاد الشرق الأوسط، من السهولة أن تقول خلف الجدار إرهابي يتبع بن لادن، لكن من الصعوبة أن تشرح أن أسفل سقف المنزل والمستشفى والمدرسة والمعبد، أنفاس طفل قتله إرهاب الأنظمة ورعاتها، وأغمض أوباما عينيه عنه.

لطالما حاولت مندوبة أوباما في الأمم المتحدة، سامانثا باور، أن تصف بدقة آلام السوريين، وجور بوتين والأسد وإيران، وهذا يدل على حجم الوثائق والمعلومات الموجودة على طاولة أوباما نفسه، ولكن لم تعط لا هي ولا كيري، ما دار في كواليس زيارة الأخير لموسكو في تموز/ يوليو 2016، واعقبها كل هذا التصعيد الروسي والصمت الأميركي والاستعراض الخطابي الأوروبي.

في أيلول/ سبتمبر 3013، عدّ أوباما أالحرب في سورية “هي الأسوأ في العالم”.

وكانت الأمم المتحدة في تموز/ يوليو 2013، قالت على لسان أنطونيو غوتيريس، المفوض السامي لشؤون اللاجئين، الذي بات الآن أمينًا عامًا للمنظمة الدولية، أنها “لم تر تدفقًا للاجئين، يصل إلى هذا المستوى المخيف منذ حرب الإبادة في رواندا، قبل نحو عشرين عامًا”، وأضاف غوتيريس أيضًا “أن هذه الأزمة دامت أكثر بكثير مما كنا نخشى، وتداعياتها الإنسانية لا تحتمل”.

في كانون الثاني/ يناير 2015، عدّ المبعوث الدولي إلى سورية، ستيفان ديمستورا، أن “الأزمة في سورية هي الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية”.

وفي 20 آذار/ مارس 2015، قالت أنجيلينا جولي المبعوثة الخاصة “للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “من حق الناس أن يشعروا بالحيرة والغضب حيال عجز “مجلس الأمن” عن الاستجابة لأسوأ أزمة يشهدها القرن الواحد والعشرين”، وأشارت إلى أنه “من المُثير للاشمئزاز أن تُرتكب الجرائم بحق الشعب السوري يوميًا دون عقاب، والفشل في وضع حد لهذه الأزمة يحط من قيمتنا جميعًا”.

في تموز/ يوليو 2015، قال وكيل الأمين العام لـ”الأمم المتحدة” للشؤون الإنسانية ستيفن أوبراين، “أنا مصدوم ومنزعج جدًا، فسورية اليوم هي للأسف، من بين بؤر كبيرة من الحاجات الإنسانية والبؤس الإنساني في أجزاء كثيرة من العالم”، وعدها “وصمة العار الأكثر حدّة التي تلطخ الضمير الإنساني في العالم”.

كما كان فرانسوا ديلاتر سفير فرنسا في “الأمم المتحدة” قد عد “المأساة الإنسانية في سورية هي الأسوأ منذ بداية القرن الحادي والعشرين”.

في تموز/ يوليو 2016، قال ستيفن راب، المسؤول عن جرائم الحرب ومدير مكتب الجرائم الدولية في الخارجية الأميركية، بعد تفحّصه صورًا لما يجري في السجون السورية “هذه أدلة قويّة حول نوعية من آلة الموت القاسي، لم نشهدها منذ عهد النازيين”، وتابع “إن الأمر صادم بالنسبة لي بوصفي مدّعيًا عامًا، إذ اعتدت على ألا تكون الأدلة بهذه القوة”.

نستطيع إيراد كثير من الأقوال، لشخصيات لها دورها ومكانتها عالميًا وأميركيًا، وكلها تُجمع على أن الأحداث في سورية قد أصبحت أهم معيارية للتاريخ المعاصر، أخلاقيًا وسياسيًا وعسكريًا وقانونيًا.

ما أورده أوباما عما أنجزه باتفاقه النووي مع إيران، وبمقتل أسامة بن لادن، يمكن عدّه ذرّ الرماد في العيون عن انتصارات وهمية، وخاصة أن إيران باتت أكثر خطرًا في عهده، والحرب الطائفية التي تقودها أخطر من السلاح النووي، كونها ستصبح مُولّدًا للإرهاب ولصراعات لن تنتهي.

يمكن عدّ تجاهله كل تلك المعطيات السورية، بحد ذاته عنوان مرحلته السياسية، وهذا يعني أن سورية التي غيّبها في كلمته الوداعية، ستعيش في ملفاته أرشيفه الرئاسي لتحاكمه إلى الأبد، وسيحاول جاهدًا في المستقبل أن يجد التبرير لإخفاقاته هنا، ليس لأنه الرئيس أوباما بوصفه شخصًا، بل كونه رئيسًا لدولة يعدها الجميع على أنها الوحيدة التي ما زالت عُظمى، فهل أبقاها أوباما هكذا.




المصدر