قتل الإرهابيين أولى من إنهاء التنظيمات الجهادية


جلال زين الدين

نعتذر -بداية- من المفكر العربي مالك بن نبي، ونقول له: “هناك أفكار حيّة فعلًا، ولكن ليس هناك أفكار ميتة. فالأفكار لا تقبل الموت، وتبقى بقاء الجنس البشري”.

قد تتطور الأفكار، وتدخل في طور جديد تبعًا للطور الأول، ولكن محال أن تموت، وقد أدرك الغرب هذه الحقيقة. فكثير من الإرهاب الحالي قائم على فكرة الجهاد، ولسنا هنا في إطار تقييم، وإنما في إطار توصيف.

وليس شرطًا أن يكون التطور إيجابيًا كالأصل، فقد يكون مشوهًا؛ فكثير من الحركات الإرهابية نشأت من فكرة “رفع المظلومية”، لكنها مارست المظلومية بأبشع صورها. فمن يتتبع ممارسات الميليشيات الطائفية، و”داعش” لا يخالجه الشك في ذلك.

وقد فهم الغرب جيدًا استحالة القضاء على الأفكار، كما أدرك استحالة اجتثاث التنظيمات الإرهابية المؤمنة بهذه الأفكار، فهي تنظيمات هلاميّة عابرة للحدود، لذلك؛ جهد الغرب في تأزيم الأمور في منطقتنا عبر عدة طرق، لعل أبرزها دعم الأنظمة العسكرية الاستبدادية، وإفشال كل محاولات الانتقال الديمقراطي، سواء أكانت المحاولة سلمية أم عسكرية، فنتج عن ذلك ردّات فعل تتناسب مع الفعل، فشكّلت حالة اللا دولة في بلدان كالعراق وسورية وليبيا، نقاط جذب للإرهاب الذي يخشاه الغرب.

ومن يتتبع السياسة الغربية يجدها تدفع نحو مزيد من التأزيم في المنطقة؛ انطلاقًا من قاعدة: إذا لم تستطع قتل الفكرة فاقتل معتنقيها، وإذا لم يتسن لك قتل الجميع، فاقتل ما تستطيع منهم، وحبذا لو كان ذلك بأيدي بعضهم بعضًا، كالحال في كثير من الدول العربية، ولا سيما العراق.

وكلما طالت الأزمة، زادت فرص القتل، ومن هنا؛ فلا بأس أن نجعل بعض البلدان مدافن لهم، فاستمرار الصراع لا يمنع عودة من يصفهم الغرب “إرهابيين” لبلادهم فحسب، بل يجعل بؤر الصراع نقاط جذب لهم، تخلصهم من شرور هؤلاء، وقد بثت “الجزيرة” تحقيقًا حول تجنيد “الجهاديين”، أشار بوضوح إلى رضا الغرب، بل تسهيله وغضه الطرف عن إرسال “الإرهابيين” إلى بلادنا.

وبعد أن أرسل ما يستطيع منهم يعمل على منع عودتهم بداية، ثم قتلهم ثانيًا؛ فقد ضغط الغرب على تركيا لإغلاق الحدود، ودعم حليفه الكردي “حزب العمال الكردستاني” الإرهابي من نوع آخر؛ للسيطرة على قسم كبير من الحدود، وهو الذي اتبع -بداية- سياسة الأبواب المشرعة.

وقبل المتابعة، قد يتساءل بعضهم: لماذا يخشى الغرب “داعش” دون سواها؟ الجواب مختصر: لأنها كسرت كل الحواجز، ومسحت كل الخطوط. فغذّت عناصرها بجرعات من الحقد والكره، لا تكفي لتدمير الغرب فحسب، بل العالم برمته، فغدا كل “داعش” مصدر قلق ورعب.

أُغلق السجن عليهم في العراق وسورية، وبدأت التصفية عبر طيران التحالف، فبات طبيعيًا أن تلاحق طائرة حربية عنصرًا داعشيًا واحدًا، وكأننا أمام عمليات صيد وقنص لا حرب.

واتضحت التصفية أكثر في 2016، حيث المعارك المغلقة لأبعد حد ممكن، ومثال ذلك منبج في سورية، والفلوجة في العراق. في العلم العسكري يحرص المهاجم على ترك نقاط هرب للمدافع؛ لأمرين مهمين: تقليل الخسائر، ومنع العدو من الاستشراس إذا علم أنه مقتول لا محالة، لكن ما يحدث في سورية والعراق خلاف ذلك، فالمطلوب موت الجميع، ولا بأس من نجاة بعضهم في اللحظات الأخيرة، على أمل قتلهم لاحقًا.

ولا تغيب -هنا- الصراعات الجانبية بين الأطراف الداخلية، فالنظام والمعارضة والأكراد والحشد الشعبي، يخوضون حربًا ضد التنظيم، كما يخوضون حروبًا فيما بينهم، وهذه الحروب تأخذ سمة الاستنزاف.

ونذكر مدينة عين العرب مثالًا على ذلك، فقد سمح الغرب لـ “داعش” التمدد والسيطرة على ريف المدينة وأجزاء كبيرة منها؛ ليتدخل بعدها بحرب استنزفت التنظيم وكبدته خسائر بشرية فادحة، والسيناريو ذاته أعيد في ريف حلب الشمالي.

يجري استنزاف المقاتلين على الأرض من جديد، ويترافق مع المعركة والمعارك السابقة واللاحقة، تدمير ممنهج للبنية التحتية، ما يُصعّب من إدارة عجلة الإنتاج في البلاد مستقبلًا، ويعيد خلق عامل مساعد لتوليد الإرهاب في ظل غياب التنمية وإيجاد فرص العمل، ولا ننسى العامل الإسرائيلي حيث تمّ تأمين محيطها، بدول يحكمها الاستبداد وينهشها إرهاب ولّده هذا الاستبداد.




المصدر