منار الرشواني يكتب: الثقة.. والإعلام تقليديا وجديدا


منار الرشواني

منذ صعود نجم مواقع التواصل الاجتماعي فاعلاً مؤثراً في المجال الاجتماعي بمفهومه الشامل، ثم إعلاء دورها إلى مرتبة “العامل الحاسم” في التغيير السياسي، ولا سيما مع انطلاق “الربيع العربي” العام 2011، كان الباحثون –الغربيون طبعاً- ينبهون إلى خطأ وحتى خطورة التسليم ببدهية “إيجابية” هذا الدور. فمواقع التواصل الاجتماعي، والإعلام الجديد (الإلكتروني)، تظل في جوهرها محض أدوات، قابلة للتوظيف في الاتجاه الإيجابي؛ أي تعزيز الانفتاح والتسامح والشفافية ومحاربة الفساد وتعزيز الرعاية الصحية والتتنمية… إلخ، بالقدر نفسه من قابلية إساءة استخدامها لتحقيق عكس كل ما سبق، كما هو الوضع -أو أقلها الانطباع- السائد في الوقت الحالي في العالم العربي خصوصاً، وفي العالم ككل؛ مع اتخاذ تلك مواقع اليوم صفة “التواصل” بما يماثل فقط، في كثير من الحالات، ذاك التواصل الذي تحققه “المتاريس” على خطوط التماس بين جيشين أو فصيلين متحاربين.
لكن حقيقة أن مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات والمواقع الإلكترونية، هي “أدوات طيعة” في يد مستخدميها؛ أفراداً وجماعات وحتى دولاً، وقد صار كثير جداً منها يؤدي دوراً حاسماً فعلاً في التضليل، مع كل ما يستتبع ذلك من تعصب وتطرف وتعبئة في هذا الاتجاه، وصولاً إلى ممارسة العنف (إن لم يكن المجرم مسلماً!) والإرهاب (إن كان مسلماً!)؛ هذه الحقيقة تثير سؤالاً يُفترض أنه بدهي، لكنه قلما يُطرح عربياً على الوجه الخصوص، وإن كان مشتركاً مع العالم أجمع، وهو: لماذا يتزايد إقبال الناس على استقاء الأخبار من تلك المواقع، من دون أي تمحيص، بل وغالباً مع تسليم بصحتها؛ بديلاً من الأخبار المقدمة من المؤسسات الإعلامية الرصينة، “التقليدية” غالباً في أصلها على الأقل (الصحف الورقية، ومحطات التلفزة والإذاعات)؟
الإجابة بكل بساطة، والتي تجمع فعلاً بين أكثر بلدان العالم فقراً تنموياً واستبداداً وبين بعض أكثرها تقدماً وديمقراطية، هي: الثقة! أو بعبارة أدق؛ انعدام الثقة بالمؤسسات الإعلامية التقليدية، رغم تأكيدها، بدرجات مختلفة، على معايير المهنية في هذا المجال.
إذ بالتوازي مع غياب الحريات الإعلامية، كما الافتقار لكثير من ضوابط المهنية في البلدان الأقل تنمية اقتصادياً وسياسياً، ومنها بلدان العالم العربي طبعاً؛ يسود الانطباع أيضاً في بلدان متقدمة -مثل الولايات المتحدة التي اختارت دونالد ترامب بكل فضائحه، وبريطانيا التي اختارت على الضد من مصلحتها الخروج من الاتحاد الأوروبي- بخضوع وسائل الإعلام الكبرى هناك لمصالح “المؤسسة” أو حتى تماهيها معها طواعية؛ أكانت سياسية (الحزب) أم شركات عملاقة، وبالتالي إقصاء المتضررين من هذه المصالح. وليكون الانطباع أن الإعلام الرئيس أو المركزي لا يقول الحقيقة كاملة وفق أحسن التقديرات.
هكذا، يصير ممكناً تماماً، حد البداهة، تفهم ملء الفراغ المتولد عن عدم الثقة تلك، من مواقع التواصل الاجتماعي بالأكاذيب والخرافات، ناهيك عن “نظرية المؤامرة” التي يروج لها في العالم العربي تحديداً بعض أشد مدعي العقلانية، وفقط للدفاع عن الاستبداد والفساد، وقد وصلوا بذلك إلى حد اعتبار قتل البشر وجهة نظر، إن كان القاتل هو الأسد ونوري المالكي وإيران وروسيا، مع المطالبة في الوقت نفسه –ستراً للعورات على الأغلب- بالقضاء على ثقافة التطرف والإقصاء!
مع استحالة السيطرة على مضمون مواقع التواصل الاجتماعي؛ يظل ممكناً تحجيم مضمونها المدمر برد الاعتبار إلى الإعلام المهني. والمهنية هنا تعني حتماً مزيداً من الحرية المسؤولة، كما تعني الارتقاء بالقائمين عليه للتقصي والتعبير عن كل فئات المجتمع بصدق، في سبيل الاستجابة لمعاناة أفرادها وتطلعاتهم.

المصدر: الغد

منار الرشواني يكتب: الثقة.. والإعلام تقليديا وجديدا على ميكروسيريا.
ميكروسيريا -


أخبار سوريا 
ميكرو سيريا