من أحباب الأسد؟


توفيق الحلاق

قالت لي موظفة محترمة في مديرية الإسكان بدمشق: “كل شي قلتو صحيح، لكن المهم بشار، روحي فدا بشار…”. كان ذلك بعد أيام من انطلاق المظاهرات في كل من دمشق ودرعا في آذار/ مارس 2011.

وفي تركيا، وبعد سنة من انطلاق الثورة، وبعد مجزرة الحولة وبانياس، قالت سيدة من انطاكية: “بشار قلبو طيب…”. ولمّا لفت المذيع الذي كان يُقابلها نظرها إلى ضحايا المجزرتين من النساء والأطفال، بدأت تصرخ: “ما في أطيب من قلبو بشار…”. وظلت ترددها دون توقف!!

ما الذي دفع السيدتين للتعلق ببشار إلى حد الوله؟ ثم، لماذا تخلّى عني صديق عمري إكرامًا لبشار؟ هل كان السبب انتماء الثلاثة إلى الطائفة العلوية؟ ولكن ماذا عن المدير العام لهيئة الإذاعة والتلفزيون السوري معن حيدر، وهو مسلم سني، من بلدة يبرود الثائرة؛ ليضع روحه على كفه مقابل تأييده لبشار؟ وكيف نفهم موقف مفتي سورية أحمد حسون، والعالِم السنّي المفوه محمد رمضان البوطي، في تأييدهما لبشار على الرغم من ثورة معظم أهل السنّة ضده؟ ولماذا يقف الدكتور صابر فلحوط، الصحافي الدرزي المخضرم، وكولييت خوري، الكاتبة الشهيرة وابنة الزعيم المسيحي الوطني فارس الخوري، إلى جانب الأسد في معركته ضد طلاب الحرية؟ ومعظم المسيحيين والأرمن وكثير من الإسماعيليين والشركس والآشوريين، وأعداد غفيرة من الأكراد اتخذوا الموقف ذاته، لماذا؟

قد تبدو الإجابة مفهومة بسيطة لا تحتاج كثير تحليل، مثل الدافع الطائفي عند العلويين، ودافع الخوف من المجهول عند الأقليات الإثنية والقومية في سورية. إن مسألة الحب والكراهية ليست عاطفية كما يُصوّرها بعض الناشطين الأسديين: “سورية عيونها خضر”، وبعض ناشطي الثورة: “ابن أنيسة الخسيسة”، وإنما هي مسألة صراع على الهوية الوطنية السورية، صراع شَمَلَ كل السوريين دون استثناء، وكان أن اقتتلوا بشراسة دموية غريبة على ثقافة مطلع القرن الواحد والعشرين. كل سوري كان يريد من السوري الآخر أن يعترف له بأنه سيد في أرضه وإرادته وحريته، لكن تفاوت فهم مفهوم السيادة كان عميقًا غائرًا في تلافيف دماغ كل منهم.

يقول عباس علي (مثقف علوي): “عشنا ظلم نظم الحكم المختلفة، كما عاشها بقية السوريون [كذا]، ولكن بالنسبة لنا كان ظلمًا مضاعفًا عدة مرات، لخلفيتنا الدينية والعقائدية، لم يتقبل إخوتنا في الدين والوطن عقيدتنا، فقد كنا بالنسبة لهم كفارًا،  فكان أن استُبحنا مئات السنين، ووصلنا إلى الدرجة التي اقتنعنا بها أننا فقط نريد أن نعيش، ولا نقتل… أتحدث عن عصور كان الجهل سيدها وليس عن الآن، ولكن أثر كل هذا يظهر اليوم بوقوفنا مع طاغية مستبد، وحاكم ظالم فاسد، ورّطنا بالدم ضد أهلنا وإخوتنا، ما أتكلم عنه قد لا يعني لسوري مسلم سني، أو مسيحي، أو سواهم أي شيء، فهم لم يعانوا تاريخيًا هذه المعاناة، لم يردد أهل أي منهم على مسمعه آلاف قصص الظلم والإهانات، لم يأمره أحد بالسكوت وعدم التصريح عن معتقده، فلن يفهم السوريون ما أتكلم عنه، لأنهم ببساطة لم يعيشوه، صحيح أنهم عاشوا عبر التاريخ شيئًا مم [كذا] عشنا ولكنه كان يسيرًا يمكن نسيانه وتجاوزه، وليس مثلنا”.

فيما قال المعارض (العلوي) الكاتب فؤاد حميرة، رئيس تيار “غد سورية”: “أتوجه إلى العلويين بالخطاب لتفنيد كذب نظام بشار الأسد، ولإقناعهم أنه لا أحد يريد قتلهم، وأن إسقاط نظام الأسد هو لمصلحة العلويين قبل أي مُكوّن آخر”.

ويقول أبو وليام، أحد قادة “جيش الدفاع الوطني” التابع للأسد في وادي النصارى: “إن سيطرة المجموعات المتطرفة على البلدات القريبة من مناطق المسيحيين جعلهم يحسّون بالخطر على وجودهم، وهذا ما دفع الشباب المسيحي للدفاع عن أهلهم وأرضهم.

بينما يؤكد جورج شاشان حيدو، ممثل المجلس الوطني السوري في بلجيكا، أن المسيحيين “ليسوا بعيدين عن الثورة، وبشكل نسبي لا يقلّون حضورًا عن باقي فئات المجتمع السوري، صحيح أن هناك مجموعات من المسيحيين تُقاتل مع النظام، إلا أن ذلك لا يقتصر على طائفة دون أخرى، ويشمل جميع الطوائف، وذلك لمصالح شخصية أو اقتصادية”.

على الرغم من إجماع السوريين على انتشار ظاهرة الفساد في كل مفاصل الدولة، وشعور الجميع بالخوف من قبضة الأمن، والوضع المعيشي والخدمي المتردي، إلا أن مؤيّدي الأسد يجدون في الأسد خيارًا أفضل بالمقارنة مع مستقبل يتوقعون منه سيطرة الإسلاميين المتطرفين على السلطة؛ ما يعني تهديدًا لكينونتهم بحسب خطابهم المتواتر في منابرهم الإعلامية، بل إنهم يحاولون قدر طاقتهم تضليل الرأي العام العالمي عن حقيقة المجازر التي يرتكبها نظام الأسد بقلب الحقائق رأسًا على عقب، وتحميل كل النكبات التي حلت بغالبية السوريين للجماعات المتطرفة التي تعني -بحسب خطابهم- كل من يعارض الأسد، بدءًا من الطفل حمزة الخطيب، ومرورًا بمتظاهري الورود، وانتهاءً بداعش والنصرة.




المصدر